الناس على دين إعلامهم

بقلم: توفيق أبو شومر

قديما قالوا: الناسُ على دين ملوكهم، وكان ذلك يعني أن الملوك هم مَن يصوغون ثقافة شعوبهم، ومن يعلمونهم تقاليد البلاد، وعادات أهلها.

أما اليوم فقد تغير المثلُ السابق ليصبح: "الناس على دين إعلامهم"

فبعد أن تخلَّصَ الإعلام، من تعريفه السابق:" الإعلام ناقلٌ للحدث"، وصار الإعلامُ في الألفية الثالثة: "صانعا للحدث" يكونُ بهذا قد انتقل من ترتيبه (الرابع)المعتمد في كتب الإعلام،بعد السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليحتل المرتبة الأولى بلا منازع، بعد أن أثبت تفوقه على السلطات الثلاثة!!

وكما صاغ الحكام والأباطرةُ السابقون شعوبهم، وفق رغباتهم، وطوَّعوهم لأوامرهم، وجعلوا منهم تارةً عبيدا محاربين أشداء، كأهل إسبرطة اليونانيين، أو مطيعين كاليابانيين لتراث الآباء والأجداد، أو زاهدين عابدين  كالهنود و الصينيين؛ أو متكئين على أرائك الأجداد، ولابسي دروعهم وعباءاتهم كالعرب؛ كذلك فعلَ الإعلامُ في ألفيتنا الثالث، فقد سخَّر أعلام الألفية الثالثة البشر لخدمته واستهلاك منتجاته، فقد استولى على رقاب البشر ِكلِّهم، ولم يستولِ على أمةٍ واحدة، أو بلد واحدٍ  فقط، وصار الاختلاف بين أمة وأخرى، يكمن في شكل الإعلامِ وتوجهاته، وليس في طريقة الحكم والرئاسة، فلم تعد تصنيفات الدول، كما كانت سابقا:

دولا جمهورية، وملكية، وبرلمانية، ورئاسية، وديكتاتورية؛ فقد أصبحت اليوم دول الأزياء والوجبات الجاهزة، ودول المسلسلات والموسيقى، ودول التوك شو، ودول قراءة الطالع والحظ والتخاريف وتفسير الأحلام، ودول الرياضات!!ّ!!

وهكذا حلَّ إعلامٌ جديد هو، الإعلامُ الديكتاتوري، محل الحكام الديكتاتوريين، وسلب من الديكتاتوريات السياسية نفوذها العسكري القمعي،  ليفرض نفوذه الإعلامي الإدماني المُغري!

فقد قسَّم الإعلامُ أممَ البسيطة، عدةَ أقسامٍ، منها، أممُ الصدارة والعلوم، ومنها، أممُ السمسرة والوساطة والتجارة، ومنها شعوبُ المستهلكين من العبيد والخدم، ممن يعززون مخزونات شعوب الأسياد من الثروات، فيستهلكون ويسمنون ويمرضون.

إنها الدائرة الجديدة، التي جلبها إمبراطور الألفية الثالثة، الإمبراطور، الذي أرسى قواعدَ السطوة الإعلامية، والتي بموجبها يمكن تغيير كل شيء،

                                                           أنا لستُ من أعداء هذا الإمبراطور الجديد، ولكنني ضد كل المقعدين، الذين لم يحاولوا حتى الآن ركوب صاروخِهُ السريع، وأن يحجزوا لهم مقعدا فيه ليؤثروا ويتركوا بصماتهم، لتفخر أجيالهم بإنجازاتهم، فما تزال أممٌ كثيرةٌ، ومنها نحن، نفتح أفواهنا مستغربين مندهشين خائفين، من رياح هذا الصاروخ السريع، وضجيجه وراكبيه، وحين فشلنا في ركوبه، قام بعضُنا بالتنفير منه في العلن، واستهلاكه في السر، وصاروا يُحلُّون لأنفسهم، بعض مستحضرات الألفية، ويحرمون بعضها الآخر، لأنها تمسُّ بمهنهم، واعتبروها محرمةً، خارجةً عن معتقداتهم.

 واستهلك بعضُهم الآخرُ مستحضرات هذه الألفيةَ، بدون أن يشاركوا في إنتاجها، وظن هذا البعض، أنهم حين يستخدمون مستحضرات الألفية المتقدمة، ولا يساهمون في إبداعها،أنهم سيصبحون متقدمين حضاريين، فهؤلاء هم أهل القشور الخارجية!

ولعل أخطر ما في إعلام الألفية الثالثة، هو صياغة الشعوب صياغة ثقافية جديدة،وصياغة ديمقراطية جديدة، تختلف عن مفهومي، الثقافة، والديمقراطية، بمعناهما العلمي والثقافي والسياسي!

                                             إن وسائل الإعلام اليوم، أصبحتْ  قادرةً على تغيير وجهات نظر الشعوب من النقيض إلى النقيض في فترة قصيرة جدا، لذا، فإن الشعار الديمقراطي والثقافي الذي ترفعُهُ كثيرٌ من وسائل الإعلام ، في الألفية الثالثة، بحاجة إلى دراسةٍ وأبحاث، لنتمكن من وضع تعريفات جديدة لثقافة وديمقراطية هذه الألفية الإعلامية.

                                                   فثقافة إعلام الألفية الثالثة، تعني اليوم: مجموع قدرات الفرد على متابعة وسائل الإعلام، وسرد الأحداث، ومتابعة تقاليده، وتوزيع منتجاته على الآخرين.

                                               أما ديمقراطية وسائل إعلام الألفية الثالثة، فقد أصبحت تعني نقيضا صارخا لمفهوم الديمقراطية الحقيقي، والذي يعني حكم وسلطة الشعب، فأصبح التعريف الجديد هو حكم وسلطة وهيمنة وسائل الإعلام!

                                          وأصبح مقياسُ الدول، ليس بمخزوناتها من الثروات الطبيعية، بل بمخزونها من الثروات التكنولوجية الإعلامية!