شهدت الأحزاب الشيوعية والتنظيمات الماركسية والقوى اليسارية والديمقراطية في العالم العربي هزة عنيفة ، وعانت حالة من التراجع والتفكك والارتداد ، بعد الانهيار والسقوط المدوي للمنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً ، انعكست بشكل ملحوظ على الوضع التنظيمي والفكري والسياسي . فقد انهارت قيادات أحزاب شيوعية عديدة ، واهتزت قناعات العديد من الرفاق ، وتفشى فيها التشكيك حتى بمبادئ الطريق ، وهناك أحزاب غيرت اسمها وعدلت من توجهاتها الثورية ، ومنها أصابها الانشقاق والانقسام والاستقالات . وثمة أسباب ذاتية للمستقيلين والمنشقين ، وهي رغبتهم في الوصول إلى المواقع القيادية في الحزب ، ولو بتجاوز كل الأعراف والأنظمة الداخلية للحزب وعدم احترام قرار الأكثرية وعدم الالتزام بالمركزية الديمقراطية .
وقد رافق ذلك مظاهر الفوضى الفكرية ، وضعف الوعي الأيديولوجي وضحالته وارتداده ، وتفاقم الرخاوة التنظيمية والسياسية . وهذا الوضع أدى بالتالي إلى وقوف أحزاب وقوى اليسار عاجزة عن القيام بدورها التاريخي الطليعي الثوري في إحداث التحول الجذري العميق في المجتمعات ، سعياً لتحقيق العدالة الاجتماعية وانتصار أفكار التنوير والتقدم والتحرر .
لقد مضى أكثر من عقدين على انهيار المعسكر الاشتراكي وأفول نجم الاتحاد السوفييتي ، الصديق الصدوق الداعم لقوى النور والتقدم والحرية والثورة والتغيير، لكن لم تشهد الحياة العربية ، وللأسف ، أي انطلاقة وإنهاض للحركة اليسارية وللأحزاب الشيوعية والماركسية لتواصل مسيرتها واستعادة بريقها .
واليوم ، وعلى ضوء المخاض غير المسبوق في تاريخ الشعوب العربية ، وما يتصدر المشهد السياسي الراهن من محاولات إفراغ الحراكات الشعبية الثورية من مضمونها الطبقي الاجتماعي الاقتصادي ، الذي كان عاملاً رئيسياً في نشوبها وانفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والعدالة والحرية ، ينبغي النهوض بهذه القوى وتجديد الأحزاب الشيوعية والحركات اليسارية ، وذلك يتطلب وقفة مع الذات وفحص مسار التجربة الماضية والاستفادة منها ، علاوة على تطهيرها من كل الانتهازيين والمتسلقين والمنحرفين والغوغائيين ، وتعزيز دور الطبقة العاملة ونقاباتها ونضالها ، وإجراء حوار بين شتى التيارات والحركات الفاعلة في الشارع العربي على اختلاف قناعاتها الأيديولوجية ومشاربها الفكرية ، الماركسية والديمقراطية والقومية والإصلاحية والليبرالية والإسلامية المتنورة . ويجب تثمين انعقاد السينمار اليساري العربي الأول في اربيل ، الذي تم بضيافة الحزب الشيوعي العراقي قبل عدة شهور ، بهدف تشذيب حركة اليسار والنهوض بمسيرتها والارتقاء فيها لتكون قادرة على مواجهة الواقع وإيجاد الأجوبة على الأسئلة العالقة ، وطرح الحلول للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه مجتمعاتنا وشعوبنا العربية ، والوقوف بوجه الهيمنة والتبعية والسيطرة الامبريالية في المنطقة
. إن المطلوب الآن هو تجاوز الترهل والأزمة العميقة ، والتصدي للارتداد الفكري والتراجع التنظيمي ، وتنظيم عملية التثقيف الفكري للسائرين على دروب الشيوعية والماركسية ، الذي يحمي من المواقف السياسية والفكرية والتنظيمية الخاطئة والمنحرفة ، وضرورة الالتصاق بالطبقات الشعبية الضعيفة والمسحوقة ، والمساهمة في توعية الجمهور الواسع وتثقيفه بروح القيم السامية والمفاهيم الطبقية ، قيم الوطنية وحب الإنسان والسلام والعدل الاجتماعي والعطاء والتضحية ، دفاعاً عن شرفنا الوطني والنضالي ومستقبلنا الإنساني السعيد .