حقيقة المقاطعة العربية والأوروبية لإسرائيل

بقلم: باسل خليل خضر


اتخذ الفلسطينيون في بداية صراعهم مع الاحتلال الإسرائيلي عدة أشكال من المقاومة مثل: الكفاح المسلح, والمقاومة السلمية سواء بالانتفاضات الشعبية أو بالاحتجاجات وغيرها من الأشكال, وحديثاً أصبحت الحملات الإلكترونية وإنشاء القرى على أراضي فلسطينية محتلة لتثبيت حق الفلسطينيون؛ أشكال جديدة للمقاومة, وكان طوال تاريخ الصراع نوع من المقاومة حاضراً؛ وهو المقاومة من خلال مقاطعة إسرائيل, وهي مقاطعة في جميع النواحي مثل مقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو مقاطعة منتجات المستوطنات, أو التوقف عن العمل داخل إسرائيل, ولم تقتصر المقاطعة على الفلسطينيين؛ بل سعى الفلسطينيون طوال تاريخهم لحث الدول العربية والإسلامية لمقاطعة إسرائيل, والذي عرف عنة عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل, فكل هذه المقاطعة تهدف إلى إلحاق الضرر لإسرائيل لإجبارها على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم, هذه بشكل سريع فكرة المقاطعة.
مقاطعة الفلسطينيين لإسرائيل
أما بالنسبة لمقاطعة الفلسطينيين لإسرائيل كانت تشكل أضراراً كبيرة على إسرائيل؛ وخاصة اقتصادية, ولكن سرعان ما تنتهي هذه المقاطعة وذلك: لارتباط الفلسطينيين الشديد مع الإسرائيليين, فكان الضرر يلحق بالفلسطينيين والإسرائيليين معاً, ورغم ذلك كان الفلسطينيون يؤثرون على انفسهم ويقاطعون البضائع الإسرائيلية ويتوقفون عن العمل داخل إسرائيل, ولكن الفائدة التي كان يجنيها الفلسطينيون من هذه المقاطعة هي زرع روح المقاومة الوطنية والتحدي, ولتذكير الفلسطينيون بأن هذه البضائع لأعدائنا؛ مما يشجع على زيادة الاعتماد على المنتج الوطني وتفضيله, مما يساعد على تنمية القدرات الوطنية وبالتالي تقليل الاعتماد على الإسرائيليين, ومن فوائد هذه المقاطعة تنمية الأمل في مواجهة الإسرائيليين, وحث الفلسطينيون على ابتكار طرق جديدة لمقاومة الاحتلال.
المقاطعة العربية لإسرائيل
أما المقاطعة الأكبر لإسرائيل وهي المقاطعة العربية, ولكنها تختلف عن المقاطعة الفلسطينية لأنها تشمل جميع أنواع المقاطعة, فقررت الدول العربية مقاطعة إسرائيل سياسياً ودبلوماسياً وثقافياً واقتصادياً, وربطت الدول العربية هذه المقاطعة بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه, ووضعت الدول العربية المبادرة العربية لحل الصراع والتي تعطي للفلسطينيين حقوقهم, وتضمنت بأنه اذا التزمت إسرائيل بهذه المبادرة فأن الدول العربية سوف تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل, وكأنه لم يكن هناك صراع, فتم ربط التطبيع بالالتزام بالمبادرة العربية.
ونتيجة لمقاطعة العرب جميعاً لإسرائيل ذهبت إسرائيل إلى الاندماج مع الدول الأوروبية؛ سواء ثقافياً أو تجارياً واقتصادياً, فأصبحت إسرائيل وكأنها عضو في الاتحاد الأوروبي, بحيث تحصل على جميع ما يحصل علية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كما لو أنها عضو في الاتحاد, وهنا نتذكر أن المقاطعة العربية كانت سبب رئيسي في هذا الاندماج, وكان لهذا لاندماج الأثر الكبير على تطور ونمو الاقتصاد الإسرائيلي, وهنا يظهر بأن المقاطعة العربية وكأنها اجمل الصدف في تاريخ إسرائيل أو أنها قصة مخطط لها مسبقاً لتذهب إسرائيل إلى أحضان أوروبا.
وهنا نرصد بعض المكاسب الإسرائيلية جراء المقاطعة العربية:
1. النمو الاقتصادي نتيجة اتجاه إسرائيل إلى الاندماج مع أوروبا.
2. التقدم والتطور الثقافي والسياسي والعلمي والتكنولوجي نتيجة الاندماج مع الأوروبيين, فلولا اندماجها لانتشرت الدكتاتورية والتسلط وقمع الحريات في إسرائيل.
3. عدم تأثير العرب على إسرائيل؛ لأنها ليس لها مصالح مع العرب, فإذا أراد العرب الضغط على إسرائيل فأنهم لن يجدو أي مصلحة لإسرائيل لديهم للضغط من خلالها.
4. استمرار الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل؛ وذلك بحجة أن العرب جميعهم يقاطعون إسرائيل.
ويتبين لنا أن المقاطعة العربية لإسرائيل لا يوجد لها أي تأثير على إسرائيل, بل أن إسرائيل مستفيدة كثيرا من هذه المقاطعة وتتمنى أن تدوم طويلاً.
المقاطعة الأوروبية لإسرائيل
ننتقل إلى المقاطعة الأوربية لإسرائيل وهي الطريقة الجديدة التي اهتم بها الرئيس أبو مازن ودولة فلسطين, في محاولة الضغط على إسرائيل من خلال الأوروبيين لوقف الاستيطان والاعتداءات وإعطاء الفلسطينيون حقوقهم, فهذه المقاطعة مستمرة وتتزايد وتكبر كل يوم, وتصميم القيادة الفلسطينية على الاستمرار في هذا الطريق, أدي إلى توسيع دائرة الدول المقاطعة لإسرائيل وتوسيع نوع المقاطعة حيث كانت في البداية مقاطعة بضائع المستوطنات, وبدأت تتدحرج إلى مقاطعة علمية وثقافية ومقاطعة لبعض البنوك ولبعض الشركات.
في الوقت الحالي لا تخسر إسرائيل كثيرا من هذه المقاطعة, وإسرائيل لا يهمها المقاطعة فهي تخطت المقاطعة العربية لها وبنت اقتصاد قوي, ولكن مقاطعة الدول الأوروبية لها تختلف عن كل المقاطعات, فأن إسرائيل تشترك في الكثير من المصالح مع الأوروبيين, ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يؤثر على إسرائيل كثيراً, والاهم أن الاتحاد الأوروبي الملاذ الأخير بالنسبة لإسرائيل, فأنه الحاضنة الثقافية والعلمية والاقتصادية لإسرائيل, فلا يمكنها التفريط بمصالحها مع الأوروبيين, إضافة إلى أن إسرائيل تعتبر الاتحاد الأوروبي حليفها فاذا تم مقاطعتها من حليفها فهذا يعني خسارة كبيرة ليس اقتصادية فقط بل سياسية, ويثر ذلك على مكانة إسرائيل كدولة قوية ولها حلفائها.
والمجتمع الإسرائيلي قلق جدا من هذه المقاطعة, حيث أنها تعتبر تطور خطير يضر بالمصالح الإسرائيلية ويضر بحلفائها, وفي استطلاع للرأي أجراه معهد "جيوغرافي" الإسرائيلي أظهرت النتائج أن 67% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن المقاطعة الاقتصادية التي تهدد بها عدد من الدول الأوروبية ضد إسرائيل ستضر بعائلاتهم بشكل أو بأخر. وهذا تطور خطير داخل المجتمع الإسرائيلي يدل على مدى خطورة المقاطعة الأوروبية لإسرائيل, ومدى تخوف الإسرائيليين منها.
بعد أن تبين لنا أهمية المقاطعة الأوروبية لإسرائيل, ومدى تخوف إسرائيل من هذه المقاطعة, لا بد من الاهتمام بهذه الطريقة من المقاومة, وفي اطار الاهتمام بهذه المقاومة لا بد من تشكيل لجنة وطنية تهتم بالنضال الفلسطيني على المستوى الدولي, حيث يكون هدف هذه اللجنة خلق حالة من العزلة الدولية لإسرائيل حتى تستجيب إلى مطالبنا وحقوقنا وبناء دولتنا المستقلة, وتكون مهام هذه اللجنة السعي لزيادة المقاطعة الأوروبية والمقاطعة من الشركات والبنوك والمؤسسات العلمية والثقافية, والبحث عن كيفية التأثير على إسرائيل من خلال المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.