وتمضي المواكب .. فمن يكون ميدييديف فلسطين ؟

بقلم: طلال الشريف

التاريخ يحترم ويتضامن وقد يتواطأ مع الأقوياء، تلك قاعدة يصعب انكارها، ولا يصعب العثور عليها على مر السنين، والحديث عن مواكب الرجال الأقوياء وهي تمضي غني بالشخصيات والقادة والزعماء في كل المجتمعات والدول من الجمهوريات والممالك والإمارات والإمبراطوريات
والشخصيات التي أتحدث عنها هي الشخصيات التي ميزها التاريخ وفرد لها صفحاته كأيقونات محفورة لا يستطع من حاول إزالتها من مكانتها التاريخية أو التعتيم عليها، فإشعاعها أقوى من كل عوامل التعرية والمؤامرة، أو من اختلف معها سابقا أو لاحقا أو من عاصرها من المنافسين أوالمناوئين.
عن أيام عشناها ونعيشها نتحدث ولن نغوص في التاريخ القديم كثيرا رغم غزارة الحضور لِسِيّر أولئك الرجال الأقوياء الذين قادوا بلادهم وأممهم عبر التاريخ، ومن لم يعاصر هؤلاء الرجال الأقوياء على سبيل الذكر وليس الحصر، أمثال الزعيم جمال عبد الناصر، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديللا، ، والزعيم الكوبي فيديل كاسترو، والزعيم الجزائري أحمد بن بيللا، والزعيم الليبي معمر القذافي، والزعيم آية الله الخوميني، تبقى الصورة منقولة إليه منقوصة، هؤلاء جميعا قادوا ثورات تحرر لشعوبهم ونقلوهم للأمام خطوات أثناء رئاستهم بعد ذلك بغض النظر عما حدث من تحولات في بلادهم.
وفي عمليات تطور أنظمة الحكم وتبادل الرؤساء والقادة لدول كثيرة عبر الديمقراطية أو ما قبلها من أنظمة الحكم سنرى نماذج للرجال الأقوياء الذين فاقت اعمالهم او مكانتهم لتعرف دولهم بشخصياتهم فعرف الناس في حقب ماضية وحاضرة الدول برجالها الاقوياء، عرفوا مصر بعبد الناصر وعرفوا فلسطين بياسر عرفات، وعرفوا العراق بصدام حسين وعرفوا الامارات العربية المتحدة بالشيخ زايد آل نهيان، وعرفوا الجظائر بهواري بو مدين وعرفوا تونس بالحبيب بورقيبة، وعرفوا أوغندا بعيدي أمين وعرفوا جنوب أفريقيا بنلسون مانديللا، وغيرهم، وغيرهم كثر.
عاصرنا إشعاعات زعماء كثيرين تتفوق قوتها على سابقيهم أو لاحقيهم، فنرى أحيانا رئيسا ضعيفا، أو، أقل قوة، يأتي بعد رئيس قوي، فتبهت صورة دولته وشعبه قليلا، وحين يأتي زعيم أو رئيس قوي بعد رئيس أو عدة رؤساء سبقوه فتقوى مكانته وتقوى دولته به وتأخذ دورا أكثر من ذي قبل في الفعل الداخلي أو الخارجي.
عاصرنا كيف كان عبد الناصر أقوى ممن سبقوه في حكم مصر، وكما سجل ذلك المصريون على كلمات شاعرهم الكبير كامل الشناوي حين قال في قصيدتة الخالدة على باب مصر " وتمضي المواكب بالقادمين من كل لون وكل مجال فمن عصر مينا الى عصر عمرو ومن عصر عمرو لعصر جمال" فقد عدد كامل الشناوي الأقوياء في حكم مصر ورددها بعده المصريون حتى الآن، وها هي مصر في وقتنا الحاضر تنتظر رجلا قويا جديدا استقدمته الجماهير إسمه السيسي لينضم للأقوياء في حكم مصر.
في الجزائر ترك رجلا مثل هواري أبو مدين نموذجا للقوة غطت إلى اليوم على من بعده من الرؤساء، وترك حافظ الأسد نموذجا آخراً لقوة الزعماء في سوريا عمن قبله ومن بعده، وفي بريطانيا العظمي تركت مارجريت تاتشر نموذجا للقوة عماً كانوا بين حكمها وبين حكم ونستون تشيرشل وغطت عماً من بعدها من الحكام ، وفي فرنسا كان ديجول رجلا قويا جداً لم تحظ فرنسا برئيس قوي بعده حتى اليوم، وفي روسيا أخيرا حظي الشعب الروسي برئيس صنفوه بالقيصر أضعف من قوة من كانوا قبله أمثال جورباتشيف ويلتسن وغطى على فترات حكمهم ولم يعد يذكرهم العالم وشعبهم.
في النموذج البوتيني الروسي تجربة فريدة بغض النظر عن نقدها أحيانا من الغرب ولكنها استعادت قوة الروس كشعب عاد بربع مساحة الاتحاد السوفيتي السابق ليضع دولته وأمته الروسية من جديد في موقع الاحترام والهيبة وحفظ الأمن الداخلي والخارجي والتنمية دون مؤسسات غير حكومية عميلة للغرب فكان نموذج تبادل القيادة الثنائية مع الرجل القوي الآخر ميدييديف في تجربة فريدة يجب أن تدرس بعناية ونتمناها نحن في بلادنا فلسطين، لأن تجربة بوتين ميدييديف بعيدة عن الصراع على الحكم وسارت بتناغم واقتدار في سبيل الوطن الروسي العتيد فاستنهضته ورفعته عالياً .
في تجربتنا الفلسطينية كان ياسر عرفات الرجل الزعيم القوي وتبعه محمود عباس فبهتت الصورة القوية للقيادة الفلسطينية ولم يعد أحد في الداخل والخارج يحسب لنا حساب وانقسم في عهده الوطن قبل التحرر وبلغت معاناة شعبنا الذروة ولا تزال، ولكن في الأفق الفلسطيني مخلصاً، وثبت في الأذهان أن زعيما قويا قادما للساحة الفلسطينية تتمناه الجماهير وتنتظره بفارغ الصبر لينقذها من المأساة المدمرة في حياتنا وعلاقاتنا بالجيران والعالم، الأعداء منهم والأشقاء والأصدقاء هو محمد دحلان، وقد حسمت الجماهير أمرها لانتخابه كما فعلت وستفعل الجماهير المصرية مع الزعيم السيسي.
كما تمنينا النموذج الثنائي القوي في روسيا بوتين – ميدييدبف، ننتظر بفارغ الصبر أن نعرف من هو ميدييديف فلسطين القادم بصحبة الرئيس دحلان.
9/2/2014م