هل يريدون حلاً أم يديرون أزمة ؟!!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

قلق، وعدم رضا، بالغين يشوبان المشهد السياسي الفلسطيني، وتذمر شعبي ورسمي على السواء، ويزداد المشهد كآبة يوماً بعد يوم، مع تفاقم الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني سواء داخل مناطق السلطة أو في مخيمات الشتات، وخصوصاً في سوريا ولبنان وما يتهددها من أخطار جسيمة.

يتعمق الشعور بالقلق على المستقبل السياسي الفلسطيني، مع إقتراب نفاذ المهلة الزمنية المضروبة من قبل السيد كيري، للتوصل إلى إتفاق سلام والذي أستعيض عنه ((بإتفاق إطار)) للتغطية على إعلان فشله في إنجاز إتفاق تسوية نهائي، يضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي.

((إتفاق الإطار)) الذي سيعلنه السيد كيري هو بمثابة تمديد جديد ومفتوح لاستمرار لعبة المفاوضات، التي مرّ عليها عقدين ونيف، لسنوات أو لعقود أخرى، دون أن يلامس الفلسطينيون أملاً حقيقياً بإنهاء معاناتهم، واستعادة حقوقهم المشروعة.

تلك لعبة إدارة الأزمة وتبريد الصراع، بدلاً من حل الأزمة وإنهاء الصراع، هذه الاستراتيجية الأمريكية، القديمه الجديدة، والتي اعتمدتها الدبلوماسية الأمريكية منذ حرب أكتوبر 1973م، لا زالت تحكم الصراع العربي الإسرائيلي، وتحكم الدبلوماسية الأمريكية، وما يشجعها على الاستمرار في هذه السياسة، الأوضاع الفلسطينية القائمة والتي تتسم بالإنقسام والتشتت والضعف، يضاف إليها الأوضاع العربية المتردية، والنتائج الكارثية لمسيرة ((الخراب العربي))، وتصدر قوى الإسلام السياسي، ومنظماته الجهادية، كمعاول هدم وتدمير وتقسيم، وتفتيت للنسيج المجتمعي في الدولة الواحدة والشعب الواحد، حيث باتت محصلة الجهد الفلسطيني والعربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياسة إدارة الأزمة تساوي صفراً.

فسياسات الاحتلال الهادفة إلى قضم الحقوق الوطنية الفلسطينية، لا تقابل لغاية الآن بقوى مضادة تحول دون استمرارها ووقفها فلسطينياً وعربياً ودولياً.

لذا فإن إمكانية التوصل إلى إتفاق تسوية تنهي الصراع العربي الإسرائيلي، أو تؤدي إلى حل للقضية الفلسطينية يصبح في هذه الحالة ضرباً من الخيال، الممكن الوحيد في هذا الوضع هو ((التسليم للرؤيا الإسرائيلية الأمريكية كاملة)) أو ((استمرار الانتظار لتغيير الظروف الفلسطينية والعربية والدولية))، حتى تصبح قادرة على ردع الاحتلال، ودفع القوى الإقليمية والدولية للتخلي عن سياسة إدارة الأزمة، وتبني سياسة حلّ للأزمة تقوم على أساس السبل الكفيلة لتنفيذ الشرعية الدولية وقراراتها بشأن الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.

إن التسريبات الصحفية والإعلامية من الجانب الأمريكي والإسرائيلي ((عن الخطة ب))، والتي تقضي في حالة الإخفاق في إنتزاع موافقة فلسطينية على ((إطار الإتفاق)) المزمع تقديمه من قبل السيد كيري قريباً، أن يجري اعتمادها أمريكياً وإسرائيلياً، والقاضية بالإنسحاب الأحادي من بعض المناطق في الضفة الغربية، هو بمثابة تهديد مباشر، وضغط على الفلسطينيين لانتزاع الموافقة منهم على ((إتفاق الإطار)) المزمع إعلانه، وامتصاص الغضب العربي والفلسطيني من التعنت الإسرائيلي والإخفاق الأمريكي، في التوصل إلى تسوية نهائية، وإبقاء الباب مفتوحاً أمام ((مفاوضات إدارة الأزمة)) إلى ما لا نهاية، دون الوصول إلى تسوية نهائية، والحيلولة دون تفجر الوضع الذي سيكون مكلفاً للاحتلال، ومحرجاً للوضع العربي والدولي على السواء.

إن هذا الوضع المؤلم لمستقبل الشعب الفلسطيني، يحتم مراجعة السياسات والمواقف الفلسطينية والعربية والدولية، إزاء ما سيتمخض عنه من وضع بات ينذر بالإنفجار، قبل فوات الأوان، لأن الشعب الفلسطيني لم ولن يرفع الراية البيضاء أمام هذا الصلف الصهيوني والاستهتار الأمريكي بحقوقه المشروعة في وطنه فلسطين، وسيبقى الوضع مأزوماً مالم يجري الإنتقال من ((سياسة إدارة الأزمة)) إلى ((سياسة حل الأزمة)) وفق الشرعية الدولية.