صور.. عبد الله.. ثوانٍ فصلته عن الموت!

بات الشاب عبد الله 35 عامًا من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ليلته مستيقظًا دون أن تستطيع جفونه أن تُطبق على حدقة عيناه، لتُسدل ستار حياةٍ كادت أن تنتهي، لولا ثوانٍ قليلة فصلته عن موتٍ مُحقق، بعد غارةٍ إسرائيلية استهدفت الحقل الزراعي المجاور لمكان نومه داخل حظيرة للمواشي يمتلكها.

واغارت الطائرات الحربية الاسرائيلية ، فجر الثلاثاء، بشكلٍ مباغت، على أرض خالية وموقع تدريب للمقاومة الفلسطينية بمخيم النصيرات وحي الزيتون جنوب مدينة غزة، دون أن تقع إصابات بالمناطق التي تعرضت للقصف.

ولم يلبث أن يستلقي عبد الله على ظهره لينال قسطٍ من الراحة، بعد أن انهك وهو يتفقد مزرعة المواشي والطيور التي يتملكها هو وشقيقه بجوار حقل مزروع بالبرتقال والنخيل يمتلكانه أيضًا، وإذا بصوت انفجارٍ عالِ يهز أركان الغرفة التي يستلقي بها، وتناثر في أعقابها الزجاج على فراشه.

ووقف عاجزًا غير قادر على الخروج من غرفته خشية قصفه من قبل الطائرات التي ما زالت تحلق على مستوياتٍ منخفضة بأجواء المنطقة (طائرات حربية من نوع اف 16، واستطلاع)، وجلس يرتعش جسده من شدة الخوف وبرودة الطقس.

وبعد نحو نصف ساعة عاشها ما بين التفكير بالموت الذي بات أما ناظره، والتفكير بأسرته التي تركها ليبات بجوار لقمة عيشه، ويعود بعد أن تُشرق شمس الصباح ليراها، وما إنّ غابت أصوات الطائرات حتى خرج مهرولاً ليرى ما حدث.

وتفاجئ بما لم يكُن يتوقعه، وهو أن القصف بجوار حظيرته تمامًا، ولا يبعد عنه سوى عشرة أمتار فقط، وقدر الله عز وجل أن يدخل لغرفة للنوم، قبل القصف بقليل، لتكون تلك اللحظات الفاصلة، ما بين بقائه على قيد الحياة أو الموت.

ولم يخطر ببال عبد الله يومًا أن تُقصف المنطقة التي يتواجد بها، كونها منطقة زراعية مدنية (مصدر رزق للكثير من العائلات)، ولا توجد بها مواقع أمنية أو للمقاومة، عدا أنها ملاصقة لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع.

ولم يمتلك القدرة على البقاء كثيرًا يقف بالبرد القارص ليُشاهد ما حدث خشية تعرض المكان للقصف مُجددًا، ليعود للجلوس بالغرفة التي كانت تأويه من البرد ويخزن بها أيضًا طعام المواشي والطيور، بعدما تحطمت نوافذها بالكامل من شدة القصف الإسرائيلي.

وما هي سوى سويعات مرت على عبد الله كأنها أيام _كما يصف خلال حديثه لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء"_، حتى بزغت شمس الصباح، ليهرع الجميع لتفقد المكان من جيرانه وأقربائه، ليخرج هو الأخر ويُصاب بالذهول من هول القصف.

(وكأن برميل متفجرات ضرب المكان) هذا ما وصف به مكان القصف، فالأرض الطينية الحمراء امتزجت بغبار ورماد البارود وتحولت لسوداء، وحفرة القصف تجاوزت العشرة أمتار تحت سطح الأرض، فيما تقطعت ثمار البرتقال عن الأشجار وتناثرت، بفعل شدة القصف.

وتحولت رائحة المكان من عطرٍ منبعث من ثمار البرتقال وأوراقها وزهورها، لرائحة بارود كريهة لا تُطاق، فيما لا زال يتجول عبد الله بالمكان يتفقده، ويعاونه أشقائه على استخراج الأسلاك الشائكة التي كانت تحيط بمزرعته، والقضبان الحديدية وألواح "الزينجو" التي تطايرت مع القصف.

وصعدت إسرائيل من عدوانها برًا وبحرًا وجوًا مُنذ مطلع العام الحالي، بذريعة الرد على إطلاق صواريخ من قبل المقاومة في غزة، وبحسب حصيلة صدرت عن مراكز حقوقية تشير إلى ارتقاء أكثر من خمسة شهداء وإصابة العشرات واعتقال أخرين.

وفيما يلي هذا التقرير المصور بعدسة:عبد الرحيم الخطيب

المصدر: النصيرات – وكالة قدس نت للأنباء -