فلسطينيو سوريا، وعلى الأخصِ منهُم أبناء مخيم اليرموك العودة لبيوتهم ومنازلهم بعد أن بانت في الأفق ملامح حلول مُمكنة ومتوقعة لحال المخيم مع دخول قوافل المواد الغذائية وبدء العمل من أجل تفكيك الاستعصاءات التي أوصلت المخيم لوضعه الصعب. لكن مازال هناك سؤال صعب يُراود الكثيرين من أبناء اليرموك وتحديداً سكان المُربع الأول منه، فأي عودةٍ لليرموك بعد أن باتت تلك المنطقة منه مُدمرة بالكامل، ومنها منزِلُ كاتب هذه االسطور، وهي تُشكّل بمجموعها نحو «20 %» من أبنية اليرموك ومن كتلته السكانية الفلسطينية والسورية؟!
فالمربع الأول من مخيم اليرموك، وتحديداً المنطقة المُسماة بـ «حارة الفدائية وشارع راما وهو في الحقيقة شارع الناصرة» والواقعة امتداداً من تخوم المداخل الشمالية للمخيم وإلى أولى ساحاته بات حجراً فوق حجر. وأبناؤه ينتظرون من وكالة الأونروا ولو بعد حين وفي المرحلة التالية «إطلاق نداء طوارئ عاجل» للدول المانحة من أجل التبرع لإعادة بناء هذا المربع من مخيم اليرموك وتقديم المساعدة المُمكنة لأصحاب المنازل والأبنية المدمرة. فحجم التدمير الكامل طال المربع المذكور من مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني، كما طال التدمير الواسع سوقاً تجارياً كاملاً وضخماً داخل هذا المُربع وهو سوق «السيراميك والأدوات الصحية» فيما بقيت باقي الأضرار محدودة في باقي مناطق اليرموك، حيث يُمكن معالجتها بيُسرٍ وتأمين العودة الفورية لسكانها مع إسدال الستار على أزمة اليرموك.
أزمة اليرموك وحلولها تَحُوُم في الأفق، لكن كارثة المُربع الأول منه تنتظر جهداً آخر من قبل كل الجهات الفلسطينية المعنية وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية من أجل التنسيق على كل المستويات العربية والدولية وبالتعاون مع وكالة الأونروا لإطلاق نداء الطوارئ العاجل من أجل إعادة إعمار ماتمَ تدميره ومد يد العون للمنكوبين من أبناء فلسطين على أرض سوريا، الذي نَحَتُوا بالصخر حياتهم المهنية واستطاعوا خلال سنوات طويلة من عُمرِ نكبتهم بناء تجمعهم الكبير في اليرموك، وهو في حقيقته ليس سوى مدينة كانت عامرة، وقد أصبحت منذ زمن طويل عاصمة الشتات وعاصمة الكفاح الفلسطيني المعاصر، وخزان الثورة الذي لم ينضب ولا للحظة واحدة.
إن الإصرار الفلسطيني وبجُهدٍ عربي على قيام المُجتمع الدولي ممثلاً بوكالة الأونروا بواجباته تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، والمساعدة على إعادة إعمار مخيم اليرموك في الفترة التالية، وتحديداً الجزء المُدمر منه، ومعه باقي المخيمات التي طالها التدمير، أمرٌ لابد منه من أجل بلسمة جراح فلسطينيي سوريا الذين روت دماء مئات الشهداء الأبرياء منهم أرض سوريا في أزمة داخلية «لاناقة ولاجمل» لهم بها، بل كانوا في غالبيتهم الساحقة في موقع «الحياد الإيجابي» الذي ساعد ويُساعد على وقف النزيف الداخلي في البلد، ولايَصُبُ الزيتَ على النار.
في هذا السياق، نشير هنا إلى بيان المفوض العام لوكالة الأونروا «فيلبو براندي» الذي صدر أواخر شهر ديسمبر 2013، والذي اعتبر فيه أن الحرب في سوريا تَعمل على تدمير أرواح ما يزيد على نصف مليون لاجئ فلسطيني كانوا ولا يزالون يعيشون في المنفى منذ ستة عقود، في إشارة صارخة للحالة العامة التي حوّلت لاجئي فلسطين لأبرز الضحايا المنسيين في معمعان الأزمة السورية.
فمن حيث النسبة والتناسب، وحسب معطيات وكالة الأونروا ذاتها، فإن النزوح في أوساط الفلسطينيين يُعدُ أعلى بكثير منه في أوساط السوريين الذين يُمكن لهم أن
يجدوا ملاذات آمنة في قراهم ومدنهم وبلداتهم المختلفة بينما الفلسطيني يفتقر للملاذات والسكن والإقامة بعد خروجه من تجمعه أو مخيمه. كما أن ضعف الخيارات الفلسطينية في الملاذ الآمن في سوريا وضعف خيارات الهروب المقيّدة بشكل حاد قد وضعت لاجئي فلسطين بمواجهة تحديات غير مُسبوقة، ومنها أيضاً صعوبات التنقل والسفر وفقدانهم لجوازات السفر التي يحملون بدلاً عنها «وثائق للسفر» التي يتعذر معها عليهم دخول أراضي جميع الدول العربية بلا استثناء إلا بشق الأنفس وتحت شروط قاسية.
وعليه، إن نِداءات التبرُع العاجلة التي اطلقتها وكالة الأونروا أكثر من مرة، أعطت ثمارها، وعلى الوكالة الدولية باعتبارها الجهة الدولية الوصية على اللاجئين الفلسطينيين أن تبادر في الفترة التالية لإطلاق هذا النداء من أجل إغاثة وإعادة إعمار مادُمِرَ من تجمعات ومخيمات فلسطينيي سوريا، وخاصة منها مخيم اليرموك، علماً بأن الأضرار الكبيرة أصابت حتى الآن خَمسة مُخيمات وتجمعات فلسطينية هي مخيم اليرموك بدمشق، ومخيما السبينه والحسينية في ريف دمشق الجنوبي، ومخيم درعا المنكوب، إضافة لمخيم حندرات الواقع إلى الشمال من مدينة حلب. فيما وقعت أضرار محدودة في بعض التجمعات والمخيمات ومنها مخيم خان الشيح الواقع في الريف الغربي لمدينة دمشق، ومخيم الرمل في مدينة اللاذقية، إضافة لمخيم النيرب الواقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة حلب...
إن وكالة الأونروا وبحكم نشأتها وتمويلها والتزام المجتمع الدولي بدعم وإسناد دورها، قادرة على الإيفاء بما هو مطلوب منها من أجل المرحلة التالية التي تتطلب تقديم الدعم المادي من أجل إعادة إعمار المنطقة المُدمرة من مخيم اليرموك وباقي المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، وتقديم العون الصحي والتعليمي والإغاثة الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين.
وكانت وكالة الأونروا قد أطلقت «خطة» أو نداء الطوارئ من أجل فلسطينيي سوريا قبل أشهر، وهو النداء المُتجدد منذ عام ونصف تقريباً والموجه للدول المانحة لدفعها نحو تقديم المزيد من المساعدات المادية والعينية على ضوء المأساة الكبرى التي يعيشها فلسطينيو سوريا جراء مايجري في البلد. وقد حددت تلك خطة الاستجابة الطارئة للأونروا المتعلقة بفلسطينيي سوريا والتي تم إطلاقها من أجل تعزيز دعم وإسناد لاجئي فلسطين في سوريا ومساعدتهم على تجاوز أخطار النزاع الجاري.
خطة أو نداء الطوارئ لوكالة الأونروا المشار إليه والصادر نهاية العام 2013، استجابت له الدول المانحة بتوفير مبلغ «417.4» مليون دولار أميركي، تم تخصيص «310» ملايين منها لدعم الاحتياجات الإنسانية للاجئي فلسطين داخل سوريا، فيما تم تخصيص «90.4» مليون دولار لدعم لاجئي فلسطين في لبنان، ومبلغ «14.6» مليون لدعم لاجئي فلسطين في الأردن. مع توفير مبلغ «24» مليون دولار من أجل الاستجابة الطارئة لتوفير المساعدات لعائلات لاجئي فلسطين من سوريا الذين وصلوا لقطاع غزة خلال الفترات الأخيرة عبر معبر رفح.
بقلم علي بدوان
صحيفة الوطن القطرية
الأربعاء 12/2/2014