هذا هو الإسلام
أول إقطاع في الإسلام وقف الرسول لآل تميم الداري في فلسطين
الحلقة الخامسة : موقف الدول والحكومات المتعاقبة من الإنطاء النبوي/2
موقف حكومة الانتداب البريطاني : اعترفت حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين بصحة الإنطاء بدليل الرد الذي كتبه السكرتير العام لحكومة فلسطين رداً على كتاب تلقاه من سماحة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 8/5/1935م بشأن قيد أراضى الوقف في جداول ضريبة الأملاك ، فقد جاء في الرد :
1- لقد أُوعز إليَّ أن أشير إلى كتابكم الأخير رقم 1193 وقف 3/2 في 8 أيار 1935 بشأن قيد أراضى الوقف في جداول ضريبة الأملاك في القرى ، وأن أعلمكم أن التعليمات التالية قد صدرت إلى القائمقامين :
أ- رغبة في المحافظة على أية حقوق في الأعشار التي كانت عائدة للأوقاف قبل تنفيذ قانون ضريبة الأملاك في القرى الموجودة تفاصيلها في مكتب القائمقام على القائم مقام أن يدون تحت اسم القرية في قائمة توزيع الضريبة قيداً بالحق العائد للوقف في القرية مثال ذلك : لوقف كذا مقدار كذا حصة من أصل كذا حصة من الأعشار .
ب- إذا ظهر من القيود المحفوظة في دائرة القائم مقام أن وقفاً يستحق أية إيرادات من أية قسيمة خاصة كالحكر مثلاً فعلى القائم مقام أن يدون حقوق الوقف هذه إزاء الرقم المتسلسل لتلك القسيمة في قائمة توزيع الضريبة .
ث- عندما يتم تحديد قوائم توزيع الضريبة حسبما ذكرت الفقرة 89 من التعليمات يدون القائم مقام على خارج الغلاف إزاء القرية قيداً بأن وقف كذا يستحق كذا حصة من أصل كذا من حصة العشر .
ث- رغبة في المحافظة على أية حقوق من الأعشار ؛ والتي كانت عائدة للأوقاف من القرية قبل تنفيذ قانون ضريبة الأملاك في القرى الموجودة تفاصيلها في مكتب القائم مقام ، على القائم مقام أن يدون فوق اسم الضريبة في سجل دافعي الضرائب الحقوق العائدة للوقف . مثال ذلك أن وقف كذا يستحق حصة من أصل كذا .
2- أن هذه التعليمات من شأنها أن تؤمِّن صيانة حقوق الوقف في الإيرادات الموجودة بها قيود في دوائر القائمقامين ، والحقوق العائدة للأوقاف بصفتهم المالكين المعروفين للأرض .
3- أما بشأن أراضى وقف تميم الداري ، فقد كُلِّفْتُ أن أفيدكم أننا قد أعلمنا مندوب ضريبة الأملاك في القرى بأن هذا الوقف قد اعتبر وقفاً صحيحاً بمقتضى القرارات الصادرة من المحكمة العليا في سنتي 1925 و 1927 .
يضاف إلى ذلك صدور قرارات عن المحكمة العليا ، تعترف بموجبها حكومة الانتداب بصحة وقف تميم الداري ، منها مثلاً القرار الذي يحمل توقيع خليل الخالدي رئيس المحكمة : فقد وردت قضية للمحكمة المخصوصة المتشكلة وفقاً للمادة (55) من دستور فلسطين لسنة 1922 ، وقانون صلاحية المحاكم النظامية والدينية لسنة 1925 ، ومنشأ هذه القضية أن محكمة شرعية إسلامية رفضت أن تفصل في دعوى شخص معلوم طلب أن يتسلم أملاك مؤسسة مشهورة في وقف التميمي بناء على نصبه متولياً بصورة شرعية .
اعتبرت محكمة العدل العليا هذا الأمر من خصائص المحكمة الشرعية الإسلامية ، وأنه يتوجب على المحكمة المخصوصة التحقق فيما إذا كانت هذه المؤسسة هي عبارة عن إدارة وقف داخلية أسست لمنفعة المسلمين لدى محكمة شرعية إسلامية حتى تكون ضمن صلاحية المحكمة الشرعية الإسلامية حصراً .
ومقابل هذا الادعاء ادعى أن هذه الأملاك المعترف عموماً بكونها هبة من النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أجداد عائلة التميمي ؛ ليس ولا بصورة وقف أو مؤسسة دينية ؛ بل إنها ذلك النوع من الإقطاع أو الهبة التي ليس لها صفة دينية أو خيرية ، وليس تحت صلاحية المحاكم الشرعية ، وأن [المستفيدين من ريع الوقف] تعيِّنُ المديرين وبدون مراجعة القاضي ، وأنها قديمة لدرجة إنه لا يمكن إبراز سند للبت في تأسيسها ، إلا أنها اعتبرت عموماً على ما أمكننا أن نتحقق من نوع الوقف وأطلق عليها الوقف على الدوام ، وقد جرى تعيين المتولين من قبل المحاكم الشرعية ، ولوقف التميمي تاريخ في الكتب العربية التي يظهر منها أن عليه بعض واجبات الضيافة لأبناء السبيل ، ولا ينكر أحد الطرفين أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشأه ، وأن خليفته عمر صدقه ، وهذان كانا أعلى سلطة دينية في عهدهما ؛ ولذلك فإننا نعتبر أننا محقون باعتبارنا أن الإنشاء جرى أمام محكمة شرعية إسلامية لمنفعة المسلمين .
إن المسائل الثلاث التي كان على هذه المحكمة الفصل فيها هي: هل المؤسسة المبحوث عنها وقف ؟ فإن كان هذا الحال فهل علينا أن نعتبرها كوقف منشأ لدى محكمة شرعية إسلامية ؟ وهل مسألة وضع يد المدعي على الأملاك كمتولٍّ هي من شؤون إدارة الوقف الداخلية ضمن المعنى المقصود بالمادة (52) من دستور فلسطين لسنة 1922 تكون ضمن صلاحية المحكمة الشرعية حصراً ؟
لقد سبق الجواب بالإيجاب على السؤالين الأولين ، السؤال الثالث لا بد من الإجابة عليه لصالح المدعي :
[ لقد اعتبر دائماً أن نصب متولٍّ هو من جملة شؤون إدارة الوقف الداخلية ، وأن التصريح بأن شخصاً نُصِّبَ متولياً وفق الأصول المرعية ، وأنه يحق له أن يضع يده على أملاك الوقف لأجل إدارته هو من ضمن ذات الصلاحية . إلاَّ إذا كان الشخص الذي تقام عليه الدعوى بطلب الأملاك وينكر أنها قسم من أملاك الوقف إنكاراً كلياً ، إلاَّ أنه مع ذلك قسم من الصلاحية الدينية ؛ لأن تنفيذ مثل هذا الحكم عائد لرئيس المحكمة المركزية باعتبار أنه رئيس الإجراء ليس إلا ، لذلك تقرر إعطاء الحكم لصالح المدعي بالصورة المذكورة أعلاه ] .
إن هذا القرار الصادر عن المحكمة العليا يقرر صحة هذا الوقف ، ويقرر الحكم لصالح المدعي وهو متولي وقف آل تميم آنذاك ؛ أي لصالح الوقف . ويعتبر هذا الحكم أوقاف التميمي بموجب الإنطاء النبوي وقفاً شرعياً صحيحاً تنطبق عليه جميع الأحكام الشرعية المرعية والقوانين المعمول بها والمتعلقة بالأوقاف من حيث إدارتها وتعيين المتولين عليها وتوزيع ريعها واختصاص المحاكم الشرعية بالإشراف عليها في ذلك .
موقف الأردن : كان لحكومات المملكة الأردنية الهاشمية دور كبير في المحافظة على الأوقاف الإسلامية ـ بما فيها وقف تميم الداري رضي الله عنه في مدينة خليل الرحمن ـ وحمايتها وإدارة شؤونها والإشراف عليها .
فقد سنت القوانين المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية والتي تنظم التصرفات الشرعية والقانونية المتعلقة بالأوقاف والموقوف عليهم والمستحقين فيها ، وتوضح كثيراً من أحكام الوقف وأحكام إجارته وتحكيره :
1- الدستور الأردني : فقد نصت المادة رقم (105) من الدستور (الأردني) التي على اختصاص المحاكم الشرعية بالأمور المختصة بالأوقاف الإسلامية ، إضافة إلى اختصاصها بمسائل الأحوال الشخصية للمسلمين ، وقضايا الدية .
2- قانون أصول الحاكمات الشرعية رقم (31) لسنة 1959 : نصت المادة الثانية منه على اختصاص المحاكم الشرعية بالأوقاف الإسلامية ؛ من حيث : إنشائها وشروطها والتولية عليها واستبدالها وإدارتها ، وبالدعاوى المتعلقة بالنزاع بينها أو بصحتها وما يترتب عليها من حقوق ، وبمدايناتها ، وبمحاسبة المتولين عليها والحكم بنتائج المحاسبة .
قامت المحاكم الشرعية وجميع أصحاب الفضيلة قضاة الشرع الشريف بدورهم وواجبهم تجاه وقف تميم رضي الله عنه من خلال عملهم في القضاء الشرعي بإصدار القرارات والأحكام القضائية المتعلقة به من تعيين المتولين والنظار من جميع بطون عائلة آل التميمي لإدارته والإشراف عليه بموجب الأحكام الشرعية والقوانين المرعية ، وبموجب حجج تصدر عن قاضي الخليل الشرعي بعد اجتياز اختبار لجنة توجيه الجهات الدينية للتأكد من قدرتهم وكفايتهم ومعرفتهم بالأحكام الشرعية المتعلقة بإدارة الأوقاف والحفاظ عليها .
3- القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 (النافذ في فلسطين بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 1/94 وبموجب المادة رقم 118 من القانون الأساسي الفلسطيني) تناول هذا القانون أحكام إيجار الوقف في المواد 749 -759
المادة 749
1- لمن يتولى إدارة الوقف ولاية إيجارة .
2- وإذا كانت التولية على الوقف لاثنين فليس لأحدهما الانفراد برأيه في الإجارة دون الآخر .
3- وإن عُيّن للوقف متولٍّ ومشرفٌ فلا يستقل المتولي بالإيجار دون رأي المشرف .
المادة 750
1- لا يجوز للمتولي أن يستأجر الوقف لنفسه ولو بأجر المثل إلا أن يتقبل الإجارة من المحكمة .
2- ويجوز له أن يؤجر من أصوله أو فروعه بأجرة تزيد عن أجر المثل بعد إذن المحكمة .
المادة 751 : ليس للموقوف عليه إيجار الوقف ولا قبض بدل إيجاره ولو انحصر فيه الاستحقاق ما لم يكن مُولًّى من قبل الواقف أو مأذوناً ممن له ولاية الإجارة .
المادة 752
1- يراعى شرط الواقف في إجارة الوقف فإن عيَّن مدة لللإيجار فلا تجوز مخالفتها .
2- وإذا لم يوجد من يرغب في استئجاره المدة المعينة ولم يشترط للمتولي حق التأجير بما هو أنفع للوقف رفع الأمر إلى المحكمة لتأذن بالتأجير المدة التي تراها أصلح للوقف .
المادة 753
1- إذا لم يحدد الواقف المدة تؤجر العقارات لمدة سنة والأراضي لمدة ثلاث سنين على الأكثر إلاَّ إذا اقتضت مصلحة الوقف غير ذلك وصدر به إذن من المحكمة .
2- أما إذا عقدت الإجارة لمدة أطول ولو بعقود مترادفة انقضت إلى المدة المبينة في الفقرة (1) .
3- وإذا كان الوقف بحاجة للتعمير وليس له ريع يعمر به جاز للمحكمة أن تأذن بإيجاره مدة تكفي لتعميره .
المادة 754
1- لا تصح إجارة الوقف بأقل من أجر المثل إلاَّ بغبن يسير ويلزم المستأجر بإتمام أجر المثل ودفع ما نقص منه عن المدة الماضية من العقد وله الخيار في فسخه او القبول بأجر المثل عن المدة الباقية .
2- ويجري تقدير أجر المثل من قبل الخبراء في الوقت الذي ابرم فيه العقد ولا يعتد بالتغيير الطارىء أثناء المدة المعقود عليها
المادة 755 : إذا طرأ على موقع عقار الوقف تحسن في ذاته وأدى ذلك إلى زيادة الأجرة زيادة فاحشة وليس لما أنفقه المستأجر وما أحدثه من إصلاح وتعمير دخل فيه ، يخير المستأجر بين الفسخ أو قبول أجر المثل الجديد من وقت التحسن سواء كان التأجير لحاجة التعمير أو لحالات أخرى .
المادة 756
1- إذا انقضت مدة الإجارة وكان المستأجر قد بنى أو غرس في العين الموقوفة من ماله لنفسه بإذن من له ولاية التأجير كان أولى من غيره بالإجارة لمدة مستقبلة بأجر المثل .
2- وإذا أبى القبول بأجر المثل وكان هدم البناء أو قلع الشجر مضراً بالمأجور حق لجهة الوقف أن تتملك ما أقيم عليه بقيمته مستحق القلع ما لم يتفقا على أن يترك البناء أو الغرس إلى أن يسقط فيأخذ المستأجر ما بقي منه .
3- ويجوز للمتولي أن يؤجر العين الموقوفة مع البناء والغراس بإذن مالكهما على أن يعطيه مقدار ما يصيب ملكه من بدل الإيجار .
المادة 757 : إذا انتهت مدة الإجارة وكان للمستأجر بناء أو شجر أقامه بماله في العين الموقوفة دون إذن يؤمر بهدم ما بناه وقلع ما غرسه أن لم يكن في ذلك ضرر على الوقف وإن كان يحصل من ذلك ضرر على الوقف يجبر على التريث حتى يسقط البناء أو الشجر فيأخذ أنقاضه وفي كلا الحالين يحق لجهة الوقف أن تتملك ما شيد أو غرس بثمن لا يتجاوز أقل قيمتيه مهدوماً في البناء ومقلوعاً في الغراس أو قائماً في أيٍّ منهما .
المادة 758 : في الأمور التي يحتاج فيها إلى إذن المحكمة يؤخذ رأي وزارة الأوقاف فيما تقتضيه مصلحة الوقف قبل صدور الإذن .
المادة 759 : تسري أحكام عقد الإيجار على إجارة الوقف في كل ما لا يتعارض مع النصوص السابقة .
الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي/قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً
www.tayseer-altamimi.com
[email protected]