فيما تراوغ أمريكا في تقديم طروحات عملية للسلام يجد الفلسطينيين من خلالها حلا نزيهاً يمنح الحياة لدولتهم المتوقعة ويحقق أحلام وطموحات كل الفلسطينيين ويؤدي إلى اتفاق تاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يفتح معه صفحة جديدة في المنطقة دون تغير جيوسياسي تدميري وخطير لصالح تلك الدولة التي تعتبر نفسهما أنها فوق الجميع وفوق القوانين الدولية وقواعد حقوق الإنسان , وفيما تحاول أن تطرح أكثر من ورقه سياسية في نفس الوقت ولأكثر من مصدر وتسرب للإعلام أجزاء من هذه الأوراق لإرباك الفلسطينيين وتشتيت مواقفهم وإزاحتها عن ثوابتها لصالح الورقة التي ستضعها أمريكا على الطاولة في النهاية وتجبر الفلسطينيين على قبولها, ولعل هذه المرحلة تعتبر من اخطر المراحل التي تمر بها عملية السلام والتي بتنا فيها اقرب إلى الاعتقاد أن هذه العملية ستنتهي بالفشل المحقق بسبب أمريكا راعية المفاوضات وراعية العملية السلمية ذاتها لأنها حتى اللحظة لم تثبت للفلسطينيين أنها وسيط وراعي نزيه للمفاوضات لان كل تحركها الدبلوماسي ومحاولاتها الدبلوماسية وطروحاتها حتى الآن تعتبر صناعة لكيان يهودي على حساب الحق الفلسطيني وعلى حساب السلام العادل والدائم في المنطقة دون الاهتمام بأي صراع جديد قد يتفجر في المنطقة العربية بسبب ما سيتم إقراره بالمنطقة لصالح خارطة جيوسياسية جديدة تعيد رسم منطقة الصراع على أساس سلام مزعوم.
ما يدور في مطبخ إسرائيل السياسي وما تطبخه إسرائيل على نار هادئة يجعل منها أضحوكة وأمة فئوية تبحث كل فئة عن ذاتها وأمة لا تعي المؤامرات التي تحاك ضدها ومن يقول و يشرح عن هذه المؤامرات من أبناء الأمة يعتبر متساوق مع المشاريع التصوفية للقضية خاصة وأننا أصبحنا امة لا نبحث عن مصالحنا وحقوقنا التاريخية ولا يهمها الشعب ولا الأرض الفلسطينية بقدر ما يهمنا أجنداتها الخاصة ,ويبدو أن إسرائيل لم ولن تترك الفلسطينيين في حالهم دون أن تدس انفها في كل صغيرة وكبيرة دون خجل أو استحياء من العالم , وها هي تدس انفها في الانقسام الفلسطيني وتعتبره الحل السحري للصراع والدولة الفلسطينية التي يطالب بها الفلسطينيين, ومهما جملت ولونت البرامج الانقسامية العلنية والسرية التي يستند إليها دعاة استمرار الانقسام وبقائه ,ومهما أدعي ساسة الانقسام أنهم يحموا الثوابت من التفريط على حد زعمهم , إلا أن ما يتضح من بقاء الانقسام وتهرب البعض من استحقاقات الوحدة الوطنية وإعادة المسار السياسي الفلسطيني إلى طبيعته أن من يخطط لبقاء الانقسام أطول وقت لا يدرك خطورة ما يبنيه العدو على هذا السلوك وما يخططه العدو لتصفية القضية الفلسطينية وتصفية كل ثوابتها من خلال هذه الخطط الجهنمية والتي لا يستوعبها عقل بشري يعتقد لو للحظة أن إسرائيل تريد العيش في سلام وامن واستقرار ما تبقي لها من زمن, والمتتبع لما تطرحه إسرائيل وتطرحه أمريكا فإنه يصل إلى حقيقة التقاطع بين السياستين وأن برنامج إسرائيل هو ذاته برنامج أمريكا مهما حاولت الأخيرة إخفاء هذا والتظاهر بأن برنامجها الداعي للسلام هو لصالح الأمن والاستقرار بالمنطقة العربية وسينهي الصراع إلى الأبد في اتفاق تاريخي يضمن حقوق الجميع.
أعلنت إسرائيل اليوم على استعداد أن تصنع سلام مع الفلسطينيين على اعتقاد انه سلام وتقبل بقيام دولتين فلسطينيين مستقلتين على حدود العام 1967 وتعتقد أن هذا يعتبر إعلان تاريخي لم يسبق له مثيل وهذا الإعلان يقضي بقبول إسرائيل وحتى المساعدة في قيام الكيانين الفلسطينيين في الضفة وغزة وقد يضاف إلى كيان غزة بعض الأراضي من هنا وهناك فقط لتكبر مساحة القطاع ويسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها من مخيمات الشتات وبالتالي يسقط حق العودة وقرار الأمم المتحدة القاضي بذلك , وتدرس إسرائيل عقد تسوية على هذا الأساس دون أن يكون هناك أي حق لأي من الكيانين في القدس عاصمة مشتركة ,ويقترح الحل دراسة وضع تدويل القدس بعد فترة توطين اللاجئين الفلسطينيين ,وتقوم الخطة على أساس الفصل التام بين الكيانين ولا تمانع إسرائيل من أن يفتتح كل كيان سفارة له في عاصمة الكيان الآخر هذا إن اعترف الكيانين يبعضهما البعض....! , لكن تمانع إسرائيل أن يؤسس أي من الكيانين جيش وطني ولا يحق لأي من الدولتين نشر قوات على حدودها مع إسرائيل لان إسرائيل تقترح قوات أمم متحدة على حدود كل كيان , ويدعو الحل المقترح لتهجير أكثر من مليون ونصف المليون من سكان فلسطين التاريخية إلى أراضي الدولتين الفلسطينيتين لتتخلص إسرائيل من ما تبقي من القومية العربية ضمن حدودها التي تدعى أنها حدود الدولة اليهودية الموعودة.
لعل ما تطرحه إسرائيل اليوم من إقرار بالموافقة على قيام كيانين فلسطينيين واستعداد إسرائيل للاعتراف بهما يعتبر في حد نظري ميلودراما سياسية سببها الانقسام و تأتي ضمن برامج إسرائيل لتشتيت الفلسطينيين وتفتيت أراضيهم وحقوقهم وجعل وحدتهم أمرا كان من الماضي لا يعود ولا يتحقق وفي نفس الوقت يكشف نية إسرائيل ومخططاتها التصفوفية لقضيتنا الفلسطينية ليجعل من الدولة الفلسطينية الواحدة التي تجمع كل الفلسطينيين يتصلوا ويتواصلوا ضمن حدود واحدة وقيادة سياسية واحدة تعمل على نمو وتطور دولتهم أمرا من الخيال وأمرا مستحيل ,وان دل هذا الاقتراح على شيء فانه يدل على مدي العداء الذي يكمن في نفس ساسة إسرائيل ضد الفلسطينيين و وحدتهم ورص صفوفهم وبقائهم في دائرة التنافر السياسي لكل منهم أجندته السياسية ولكل منهم فلسفته الخاصة , وللأسف لم نسمع من أي طرف من أطراف الانقسام أي تعليق على هذا الاقتراح الإسرائيلي والذي يعتبر بداية تصفية المشروع الوطني الفلسطيني بالكامل وحل للصراع بالطريقة الإسرائيلية التي تضمن في النهاية بقاء كيان إسرائيل قوي موحد امن مستقر دون غيرة .