ما النجاة يا إخوة الكفاح‎

إن السكوت سلامةٌ ولربما ... زرع الكلام عداوةً وضِرارا فإن ندمتَ على سكوتكَ مرةً ... فلتندمنَّ على الكلام مِرارا ""عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟، قال صلى الله عليه وسلم ":أمسـك عليكَ لسانكَ وليَســعْـكَ بَـيـتـُـك وابـكِ على خطــيـئـتـكَ"" هذا حديث عظيم فيه توجيهات عظيمة وجليلة نحتاجها أشد الحاجة في زماننا هذا الي نحياه اليوم؛ أما قوله صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك لسانك" يوجه النبي صل الله عليه وسلم نصيحة منه للمسلمين في كل زمان وكان بعدم الكلام بغير لزوم، وبتقليل الكلام إلا في خير، قال الله تعالى: "ما يَـلفظ من قول إلا لدَيه رقيب عتيد" وذلك لما للسان من خطورة وجاء في الحديث الشريف الصحيح البخاري: عن النبي صل الله عليه وسلم "إن العبدَ ليتكلم بالكلمة من سَـخط الله لا يُـلقي لها بالاً يَـهوي بِها في جهنم". و قد يخرج العبد من الإسلام بكلمة يقولها بلسانه كما في الحديث وكما هو نص كتاب الله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" (التوبة 65)، والمسلم الحق هو الذي يحذر كل الحذر من لسانه ؛ لأنه سوف يحاسب على كل كلمة بل كل لفظ ينطق به لسانه وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم و الفرج . وسأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: "ألا أخبرك بِمِلاكِ ذلك كلِّه؟" قال: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "كُفَّ عليكَ هذا". فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال:"ثَكِلَتْكَ أمُّكَ يا معاذ؛ وهل يَكُبُّ الناسَ على وجوهِهِم – أو على مَناخِرِهِم– إلا حصائدُ ألسنتِهم". وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ أعضاءَه تُكَفِّرُ اللسانَ؛ تقول: اتقِ اللهَ فينا؛ فإنكَ إنِ استقمتَ استقمنا، وإنِ اعوججتَ اعوججنا؛ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَيَامٍ وَصَلاَةٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.؛ وجاء في الأثر عن رجل: رأيت ابن عباس آخذاً بثمرة لسانه - يعني: ممسكاً به- وهو يقول: ويحك قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم، قال: فقال له رجل: يا بن عباس ! ما لي أراك آخذاً بثمرة لسانك تقول: كذا وكذا؟! قال ابن عباس : بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق منه على لسانه أي: لا يغضب على شيء من جوارحه أشد من غضبه على لسانه، والأثر أخرجه ابن المبارك- وعن ابن مسعود وسلمان الفارسي، قالا :أكثر النّاس وقوفاً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل؛ وقال عيسى عليه السلام العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت وجزء في الفرار من الناس وقيل للقمان عليه السلام اذبح هذه الشاة وأطعمنا أطيب ما فيها فجاء بقلبها ولسانها ثم قيل له اذبح شاة وأطعمنا أخبث ما فيها فجاء بقلبها ولسانها فسئل عن ذلك فقال ليس في الجسد مضغتان أخبث منهما إذا خبثا ولا أطيب منهما إذا طابا . احفظ لسانك أيها الإنسان * * * لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه * * * كانت تهاب لقائه الشجعان وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وليسعك بيتك" قال الطيبي : الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على المخاطب أي تعرض لما هو سبب للزوم البيت من الاشتعال بالله والمؤانسة بطاعته والخلوة عن الأغيار وقيل في معناه: الرضا بما قسم الله لك من الزوجة والولد والرزق والسكن وغير ذلك من متاع الدنيا، وانظر إلى من هو أعلى منك في أمر الدين، وإلى من هو أدنى منك في أمر الدنيا، لئلا تزدريَ نعمة الله عليك. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وابكِ على خطيئتك" فمعناه اندم على ما عملته من الذنوب والخطايا ثم اشتغل بإصلاح نفسك وتهذيبها، فلو اشتغل كل عبد بمراقبة نفسه بدلاً من تتبع عيوب غيره لكان في ذلك صلاحه وصلاح أهله وأمته، وأما أن يتتبع العبد عورات المسلمين وعيوبهم وينسى نفسه دل هذا على عدم توفيقه وكان في شر عظيم؛ هذا وليقـل مَـن شاء ما شاء في مَـن شاء ولكن ليُـهَـيّـئ شهوداً ليوم الدين، فإن عجز عن ذلك في الدنيا فهو في الآخرة أعجز. وأما من اعتمد شهوداً ظن فيهم الثقة والصدق وهم غير ذلك فالله تعالى حسيب أولئك الشهود لشهادتهم الزور وفي الحديث "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله" ، أي أنه ذنب عظيم ويقع به كثيرٌ من الناس اليوم ولكن الأذى لا يقابل بالأذى، بل بما قال الله تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم" (فصلت 34)، وفي كتاب الله تعالى: "ولا تنسَـوا الفضل بينكم" علينا نحن شعب فلسطين المقهور المظلوم من العدو المتغطرس أن لا نجلد أنفسنا بظلم بعضنا بعضًا، و أن ننزع الحقد والحسد من قلوبنا، ولنزن الكلمة قبل قولها حتي لا تكون في غير مقامها ومكانها، وأن نبكي على ذنوبنا، ونتقي الله فيما هو آت يغفر لنا الله ما قد فات.
الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل مدير المركز القومي للبحوث