بين أزقة مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة، وبين جدران غرفةٍ متشققة تفوح من داخلها رائحة الفقر الممزوجة بعبق الماضي، وجد المسن عيد حماد (54عامًا)، من مهنة صناعة "آلة العود" الموسيقية متنفسًا للخروج من الحالة النفسية التي يعيشها نتيجة عدم توفر مصدر دخل له.
ويجلس عيد حماد الحاصل على شهادة الصف السادس الابتدائي، الذي بدأ العمل في هذه المهنة قبل نحو ثمانية أشهر، على كرسي خشبي صغير، داخل غرفته لساعاتٍ طويلة يوميًا، يستمع لأصوات العازفين على هذه الآلة منهم من توفى ومنهم ما بقي حيًا، بينما ينهمك بصناعة عدد من الآلات.
ويقول عيد لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء ": "فشلت مدة ثلاثة أشهر في صناعة (آلة عود واحدة) بشكلٍ دقيق، لكنني لم أيأس مستعينًا بمطالعة مواقع الانترنت وزميلي العازف محمود النواجحة، لأتمكن بعد تلك المحاولات من صناعة نحو خمسة عشر آلة عودة بنجاح".
ويحب عيد الاستماع لعدد من عازفي العودة مُنذ الصغر، وهو ما شكل دفعة له لتفريغ طاقته بصناعة هذه الآلة، ومنهم "جميل بشير، محمد فاضل، نصير شمة، عمر بشير، خالد محمد علي، رياض السنباطي، فريد الأطرش، محمد عبدالوهاب، سيمون شاهين، محمد القصبجي، محي الدين حيدر..".
مراحل صناعة العود..
ويوضح عيد إلى أن أولى مراحل صناعة "آلة العود" بتصميم قالب على شكل هيكل أو صندوق "الآلة" المشهور باسم "قصعة" أو "ظهر العود"، ومن ثم تثبيت الأضلاع، كل ضلعين على حدا، وربطهما بقطعة قماش قوية للتثبيت بعد إلصاقها بمادة "الغرة" وهي مادة كيميائية.
ويضيف "وبعد هذه المرحلة بساعتين وبعد أن تجف المادة على الأضلاع، تأتي مرحلة "السنفرة" لتصبح ملساء لتسهيل دهانها وإعطائها شكلاً مميزًا، ومن ثم إلصاق كل ضلعين من باطن القصعة بملصق ورقي للتمكين، وبعدها تركيب الوجه أو الصدر وبه فتحة تُمسى "قمرية، أو الشماسات"، تساعد على زيادة رنين الصوت".
ويلفت عيد إلى أنه يشترط بالخشب المستخدم بصناعة وجه وقصعة "آلة العود" أن تكون العروق طولية، مما يساعد على تقوية هيكل الآلة، وبعد تركيب الوجه، تبدأ عملية تثبيت "الفرس" أسفل وجه العود، وهي تستخدم لتثبيت الأوتار ، ومن ثم وضع المفاتيح لشد الأوتار، وعددها خمسة مزدوجة.
ويتابع "أما المرحلة ما قبل الأخيرة تتمثل في وضع الرقبة أو زند العود وهي مكان يضغط عليه العازف على الأوتار، وتليها مرحلة الأنف أو العضمة وتوضع في رأس زند العود من جهة المفاتيح لإسناد الأوتار عليها ورفعها عن الزند، وهكذا يصبح العود جاهزًا".
تكلفة وجهد كبير..
ويشير عيد إلى أن "صناعة آلة العود الواحدة" تبلغ 500 شيقل ويزيد أحيانًا، فيما تستغرق صناعة كل "آلة" نحو أسبوع، كون ان هذه الصناعة تحتاج وقتًا طويل ودقة عالية، وهذا ما جعلني استعين بصديقي الذي يشجعني العازف النواجحة..
ولم يخلوا عمله من الصعوبات والمشاكل "كما يقول"، ومنها عدم توفر الأخشاب التي تستخدم بصناعة العود بوفرة وإنّ توفر بعضها، فيكون ثمنه مرتفع، وهي "الزان، الميبل، المهقولي"، كذلك مشكلة تسويق ما أنتجه من آلات.
ويتمنى عيد أن تجد "آلات العود" التي يصنعها إعجاب الفنانين بغزة وخارجها، وأن تحظى برواج، مما يعود عليه بالفائدة المالية التي تخفف عن كأهله وطأة الفقر الذي يعيشه، بعد أن ترك عمله "بالقصارة" قصرًا داخل الأراضي المحتلة عام 1948م (إسرائيل) مُنذ مطلع انتفاضة الأقصى عام 2000م.
ويعود تاريخ أقدم دلائل أثرية لآلة العود إلى 5000 عام، عندما وجد الباحثون أقدم أثر يدل على الآلة شمال سوريا، فوجدت نقوش حجرية تمثل نساء يعزفن على آلة العود.
واشتهر العود في التاريخ القديم والمعاصر وأبدع العديد من الصناع في صنع آلة العود ومنها الدمشقى والبغدادى والمصري وغيرها، ويعود تاريخ صناعة آلة العود العربي للقرن السادس الميلادي عندما احتك العرب بالفرس فأخذوا عنهم هذه الصناعة التي أبدعوا فيها وطوروها.
عدسة "وكالة قدس نت للأنباء" اعدت هذا التقرير عن مهنة صناعة "آلة العود" الموسيقية من داخل منزل عيد حماد بمخيم خان يونس
تصوير: عبد الرحيم الخطيب