اشتهر في مضمار التاريخ ان خير جليس في الزمان كتاب، وفي قطاع غزة اختلط الجليس ودار الزمان وضل الكتاب فاصبح ممتهن يلقى على قوارع الطرق يباع بفتات المال حتى يروي ظمأ بعض البائعين الذين وجدوا في اجود الكتب قراءة، والتي إلتحفها التاريخ في حقب الزمان، مصدر رزق لهم على حفاف الشوارع ، ويشترك مع هؤلاء البائعين صوتهم الشاحب في رأب صدع قسوة الحياة التي تشتد ضراوة على قطاع غزة وحاكميه.
لا يجتهد اثنان ان قطاع غزة يعيش ويشهد اوقات مسودة كظيمة، عبوسة تنتظر أي شيء ليس جيدا، فطبول التصعيد تقرع ابواب شماله حتى جنوبه رغم مساحته الجغرافية الضيقة، "أفواه بسطاء لا ترى الماء العذب الا من خلال مؤسسات خيرية، وجموع غفيرة من الشباب بسواعد وعقول منيرة، ترتكن امام الوزارت بهذا القطاع المحاصر تنتظر، علـَ الحظ يحالفهم في الحصول على شقة سكنية بسيطة بتقسيط مميت، او الارتشاف بعقد تشغيل مؤقت، يخرجهم سعداء كأفضل السوء" كما يقول البائع ابو احمد.
على رأس كل طريق عام وسط مدينة غزة وخاصة قرب شارع الجامعات (الاسلامية والازهر والاقصى)، تجد البائعين يجولون باصواتهم لحصد ما قد يبقيهم على قيد الحياة لليوم الاخر، ولكن العجب ان ترى كتب كانت لامعة في سماء التاريخ وصدر العصور الماضية، ملاقاة تجاورها الاوساخ واوراق الاشجار تشاطرها حزنها وهي تنتظر، طريقها نحو الاستخدام في موائد الطعام البسيطة او الذهاب لتلميذ مجتهد في طريقه نحو العلم.
ابو احمد يذهب من ساعات النهار مفترشا الارض امام الجامعة الاسلامية بغزة ويبدأ بنثر الكتب من كل الأصقاع (الاجتماعية والسياسية واللغوية والرياضية والجمالية والثقافية)، ويحاول ان يبخس من سعرها حتى تستهوي المارة وهي غنية بقيمتها، ومنها ما هو من اقدم الازمان، واكثر الكتابة لامعانا وطلبا في البلاد البعيدة والقريبة من قطاع غزة.
ويقول ابو احمد وهو يجلس على مقعده القديم، يمتشق سيجارة من اقل الانواع سعرا مغطيا رأسه بقبعة هرمة، لمراسل " وكالة قدس نت للأنباء"،" انا احاول ان اعمل في أي شيء حتى بيع الكتب، هذه الكتب تأتني من المكتبات لأنها اصبحت قديمة، ونبتاع الكتب بالوزن من الجانب الاسرائيلي، ونصيبنا اذا وجدنا بعض الكتب القيمة المطلوبة لبعض الطلبة او المدرسين في الجامعات، وان كان من يستخدمها للقراءة والتثقف هم قلائل، هناك منهم من يأخذها لتكون في مكتبه بالمنزل مثل بعض المهتمين من الحاصلين على درجات علمية مرموقة". وفق حديثه
الشاب نائل خضر طالب جامعي بقسم اللغة الإنجليزية كان يشتري بعض الكتب قال لمراسلنا، "انا اشتري الكتب الإنجليزية لأنها غالية الثمن كثيرا في المكتبات، هنا اشتريها بثمن قليل جدا وميسر بالنسبة لطالب، انا سعيد بوجود هذا البائع هنا"، ويجاور نائل بعض الزائرين الذين يطالعون بعض الروايات العربية والاجنبية المترجمة الى العربية دون أي يشتريها احد.
ويكمل ابو احمد حديثه والابتسامة تعلو شفتيه لأنه تفاجئا بتطرق وسائل الاعلام الى عمله في بيع الكتب قائلا" البلدية تأخذ منا 100 شيكل شهريا وهذا امر مزعج مع اننا متواجدين في الشارع".
ويضيف "انه امر غير مقبول ولكن الحياة لا تعرف المقبول وغير ذلك(..) لدي اسرة وليس لدي عمل، لدي متطلبات وليس هناك دخل، بيع الكتب امر جميل جعل عندي خلفية عن الكتب مع اني لم اكمل تعليمي في الجامعة، انه امر ممتع ولكنه متعب كثيرا الحياة تتطلب التعب حتى ينعم أبناءنا ببعض الراحة".
فاطمة طالبة علوم كيمائية في جامعة الازهر، تقول"في حالة وضع قطاع غزة، لا استطيع الا ان اقول ربنا يكون في عون الناس، على الاقل هناك اناس يبيعون الكتب والروايات، افضل من ان يذهبوا لبيعوا العلكة، هذا الوضع وهذا الموجود امل خيرا في المستقبل مع انه مسود المعالم".
ويختم ابو احمد حديثه بالقول "الحياة صعبة هنا في غزة ولكنها جميلة ان شاء الله تتحسن الاوضاع ونصبح نعمل في وظيفة محترمة تدر لنا الراحة النفسية مع ابناءنا".
تصوير وتقرير / يوسف حماد