من نافلة القول في البداية أن مؤتمر جنيف فرِض على الأطراف السورية المتنازعة ، وذلك نتيجة الأوضاع والتوازنات الدولية والإقليمية ، وشكل خطوة ونقلة نوعية هامة في المواقف العالمية بتبني الحل السلمي للأزمة السورية لعدم جدوى الخيار العسكري . وقد كان الهدف الرئيسي من عقد هذا المؤتمر ومن المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة من الائتلاف السوري هو التوصل لتسوية سياسية تنهي الصراع الدامي الدائر في سورية ، الذي أصبح أقرب إلى صراع اجتماعي وفكري متشابك الأبعاد . ولعل الانجاز الوحيد الذي حققه المؤتمر هو انطلاق الحوار وجولات التفاوض المباشر ، التي تتم للمرة الأولى بين أقطاب النظام والمعارضة منذ بدء الحرب في سورية .
كشف مؤتمر جنيف (2) حالة التخبط والهشاشة التي تعيشها المعارضة السورية ، التي لم تتمثل جميع قواها ومسمياتها فيه ، وأثبتت خلال المؤتمر عدم جديتها بالتوصل لحل سياسي للازمة ، وإنها ضد مصلحة الوطن والشعب السوري ، لعدم إقرارها واعترافها بإرهاب القوى التكفيرية والجماعات الجهادية المتطرفة مثل النصرة وداعش والجبهة الإسلامية ولواء الإسلام السعودي . وبذلك وضعت نفسها في خانة هذه القوى الشريرة التي لا تريد الخير لسوريا ولا لمستقبلها ، وتسعى لتأسيس دولة دينية متطرفة وفق مبادئ القاعدة ، تعيد الشعب السوري إلى كهوف الجاهلية ودياجير الظلام .
وفي المقابل أبدى وفد النظام السوري بقيادة وليد المعلم شجاعة وبراعة وحنكة دبلوماسية وسياسية فائقة ، ونجح في سحب البساط من تحت وفد المعارضة عندما وافق على مناقشة بنود وثيقة جنيف بنداً بنداً ، وأصر على مكافحة العنف والإرهاب قبل بدء أي خطوة عملية ، ولم يقبل إطلاقاً نقل صلاحيات أو عن هيئة انتقالية أو عن تنحي الأسد .
لقد تعثرت المفاوضات الشائكة والمعقدة بين وفدي النظام والمعارضة في سورية وانتهت إلى "اللاشيء" ، دون الخروج بأي تقدم ملموس وحل سياسي ، وهذا الأمر أكده المبعوث الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي ، حين صرح وأعلن فشل الجولة الثانية من المفاوضات في مؤتمر جنيف ( 2) .
إن مصلحة سوريا ومستقبل شعبها مرتبطان بلا شك بالحل السياسي والسلمي ، الذي لا يمكن تحقيقه خلال جولة أو جولتين من المفاوضات بعد 3 سنوات من القتال الضاري والصراع العنيف ، ومن المتوقع أن يمتد على المدى المنظور . ولذلك هناك حاجة أكثر اليوم إلى بناء جسور الثقة والقيام بمبادرات عملية لوقف النزيف والعنف والإرهاب وإنهاء التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري . فالأزمة معقدة ، والطريق طويل ، ولكن الحوار انطلق ، وهذا هو الأهم ، وكلنا ثقة أن سوريا الأبية عصية على الكسر ، وستنتصر على الإرهاب والتطرف والدمار ، ولن تنجح قوى الشر والبغي والظلام والعدوان على تهميدها وإخضاعها وزلزلتها . ولتتواصل الجهود لوضع حد لمأساة ومعاناة الشعب السوري ، الذي لم ولن يتخلى عن قيادته ونظامه القومي الممانع ، ويقف إلى جانب دولته في مواجهة المؤامرة الكونية.