بعد كل جريمة او حادثة غريبة تهز المجتمع يسعى بعض الناس لترويج الشائعات وبث الرعب في قلوب الناس، بقصص تثير خوف البسطاء ويصدقها بعض العقلاء، كما حدث الاسبوع الماضي بعد الكشف عن جريمتي قتل الفتاتين في غزة، وقبل ذلك العثور على الطفلة المختطفة و الكشف عن المتهم باختطافها وقتلها.
وينسب هؤلاء الناس على دعم احاديثهم الى مصادرهم الخاصة كما يدعون ان المصدر هو قريب له او صديق في الشرطة هو من حقق في القضية، وأحيانا ما يؤكد ذلك هو اجتهاد بعض المسؤولين في الشرطة بالحديث وتسريب معلومات قبل اتمام اجراءات التحقيق في القضية.
وتأتي تلك الاحاديث والشائعات والتي ربما تكون حقيقية، و تتحول الى كذب وتحريف و تسيئ الى عائلات وتمس كرامتهم وسمعتها وتزعزع من اركانها.
وتظهر تلك الشائعات وما يرافقها من تحليلات ومبالغات حجم وبشاعة سوء الظن، واتهام الاخرين من دون دليل، ما تجعلنا نفكر في ما وصلنا اليه من فقدان للقيم، ورؤية الناس لبعضهم وعلاقاتهم الاجتماعية التي تضررت بشكل كبير، وتؤثر على حصانة ومناعة المجتمع، وهذا أيضاً تساهم به الحكومة وأجهزتها الامنية بصمتها عن كثير من الاحداث التي تقع ويتم التكتم عليها، او المساعدة بفضحها لنفي التهمة عنها.
الشائعات منتشرة في مجتمعنا، ومن بين تلك الشائعات السيئة هي مقتل فتاتين على خلفية ما يسمى شرف العائلة، والتي تناثرت الاخبار السيئة حولهما وسرعة تصديقها، ولم يصبر الناس على انتهاء التحقيق ومعرفة الحقيقة، ولم يتملك الناس العقل والسؤال ماذا يمكن ان يكون الدافع حول ارتكاب الجريمتين، ويودي بحياة فتاتين بعمر الورد.
وفي اعتقادي ان الناس تسرعت بالحديث والقول ان الجريمتين ارتكبت على خلفية الشرف، ويشككون في عملية القتل والدافع خلفه، وكأنهم يتوقعون و يعلمون مسبقا ان قتل الفتيات يكون دافعه هذه الخلفية، ولم يفكروا ان يكون الدافع مختلف تماما، وان هناك من تجردوا من انسانيتهم، و أن هذه الألسن تحاول ابعاد التهمة عن نفسها وعدم تحمل المسؤولية من التفكير وتجريم الحدث وان ما حصل للفتاتين لن يحصل معهم وأنهم محصنين وتربيتهم وثقافتهم تمنعهم من القيام بذلك.
مع انهم جميعا يتحملون المسؤولية، فالمسؤولية جماعية والآفات الاجتماعية تنخر في جسد الناس، في مجتمع محافظ يمارس العبادات ويمارس السلوك الديني ولا يقوم بممارسة تعاليمه، ويتمسك بالعادات والتقاليد ويعظم من الحلال والحرام والعيب، ولم يعظم قيم الصدق و الامانة والنزاهة والشرف.
ما ينقصنا هو الحقيقة ومصارحة ذواتنا بما وصلنا اليه من تردي وسرعة توجيه الاتهامات وسرعة إصدار الاحكام، ان متابعة الاحداث والجرائم لا يتم بإثارة العواطف والرعب بين الناس، والنشر الصحافي السريع من دون ان يكتمل التحقيق.
خيرا فعلت النيابة العامة بإظهار الحقيقة بعد انتهاء التحقيق في وفاة الفتاة سعاد المجذوب 17 عاماَ، وتبين أن من نفذ الجريمة هو والدها وزوجته، و توفيت الفتاة جراء تعرضها للتعذيب والضرب المبرح، والإهمال الطبي الذي اودى بحياتها.
إن أفضل شيئ يفعله الاعلام لدينا الان هو اظهار هذه الجريمة، واعتبار قتل الفتاة جريمة خطيرة مست كل انسان، باعتبارها جريمة بحق الانسان خاصة وان المقتولة امرأة، و نشر كل التفاصيل على الملأ لعدم ظلم الفتاة مرتين مرة لأنها قتلت والمرة الثانية لأنها ظلمت و ترويج الشائعات انها قتلت على خلفية الشرف.
ولا يمكن غض النظر عن حقيقة ان قضية مقتل الفتاة المجذوب اجتماعية خطيرة ويثير استياء واستغراب كل عاقل، فكيف يقدم اب وزوجته على اهمال مرض ابنته ويتعمد عدم تقديم العلاج لها، ما اصاب قدمي الفتاة "بالغرغينة"، وتعرضها للضرب المستمر، ولم يأت هذا القتل في حالة غضب أو انفعال لحظي، انما الاصرار على اهمالها وضربها وتعرضها للتعذيب حتى توفت والقيام بإنكار الجريمة ودفنها بطريقة غير قانونية.
عن أي شرف نتحدث ونصدر الاحكام على مقتل فتاة بريئة ظلمت في حياتها ومماتها، فعلينا رد الاعتبار لها وحماية المجتمع وتحصينه، وحماية الفتاة هي وغيرها من الفتيات اللواتي قتلن وربما سيقتلن على خلفية ما يسمى الشرف، فمن واجبنا احترام الانسان وكرامته واحترامه لنفسه ومحاربة الظواهر القاتلة ونساهم في تعزيزها بقصد او من دون قصد.
مصطفى ابراهيم
26/2/20134
[email protected]
mustaf2.wordpress.com