مع تسارع الاهتمام بشؤون الشرق الأوسط والحديث عن خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشأن خطوط عريضة لاتفاق سلام في المنطقة يقترح الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وهو ما يعتبر تطوراً يمثل انقلابا على المفاهيم والأفكار السياسية المطروحة للحلول المقترحة والخروج على المألوف في مثل تلك المفاوضات، باتت الأمور تتضح أكثر فأكثر خاصة وأن موافقة كيري على مطلب إسرائيل للاعتراف بها كدولة يهودية يمثل ضربة للرئيس محمود عباس الذي يتمسك بحق العودة لملايين اللاجئين إلى بيوتهم الذين هجروا منها قسرا، وتجاوزا لكل الصيغ الفلسطينية التي طرحت خلال فترة المفاوضات المحددة بسقف زمني بنهاية نيسان الحالي، والأخطر في أفكار كيري اشتراطه الطابع اليهودي لإسرائيل الذي يجب أن يكون جزءا واضحا من اتفاق الوضع النهائي، فالوثيقة المقترحة ستسمي إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، وبموجب خطة كيري فإنها ستكون بجانب فلسطين التي يمكن أن تسمى الدولة القومية للشعب الفلسطيني، وبالتالي هذه الأفكار لاقت رفضا صريحا من القيادة الفلسطينية لأنها لا تعبر عن الحد الأدنى من الطموحات الفلسطينية لإحلال السلام في المنطقة، وتم إبلاغ السيد كيري خلال اجتماع معه في باريس برفض القيادة الفلسطينية خطته التي تميل إلى الأفكار الإسرائيلية على حساب الفلسطينيين .
اليوم ومع إقتراب المهلة المحددة للمفاوضات من نهايتها يخرج علينا السيد كيري على وسائل الإعلام ويظهر عليه القلق ويعترف بأن اتفاقا نهائيا بين الفلسطينيين وإسرائيل قد يستغرق تسعة أشهر أخرى للتوصل إلى تفاهمات بين الطرفين، وهذا الاعتراف الصريح يعني أنه ليس بهذه الطريقة الأمريكية المنحازة لإسرائيل إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي، ويقلص الطموحات الأمريكية للتغني أمام العالم لانجاز السلام في الشرق الأوسط، وعليه سوف يسعى الأمريكان خلال هذه الفترة بإقناع الأطراف للقبول بتمديد المفاوضات فتره زمنية أخرى، وذلك للخروج من الأزمة بعد هذا الفشل الذريع في إدارة المفاوضات، مما أدرك الرئيس الأمريكي أوباما هذه الحقيقة، وجاءت دعوته للرئيس محمود عباس لزيارة واشنطن والالتقاء به، وكذلك نتنياهو لإقناعهم بإعلان تمديد المفاوضات دون معارضة الطرفين، لذلك يحاول السيد كيري البحث عن أرضية لاتفاق تفاهم تغير الأجواء وتمنع التوقعات، لكن حذارى هذه المرة من الوقوع في الفخ الذي ينصبه الأمريكان وهو تعطيل توجه القيادة للتوجه إلى عضوية المنظمات الدولية، لأن الأمريكان ينفذون سياسة إسرائيل للإطاحة بآمال الشعب الفلسطيني التي عبرت عنها بفرحتها بمنح فلسطين دولة غير عضوا في الأمم المتحدة، وهو ما يحتم على القيادة الفلسطينية التحلي بأعلى درجات ضبط النفس وعدم الانجرار إلى ملعب الأمريكان الضعيف في ظل المتغيرات والأحداث الدولية، ويجب على القيادة الفلسطينية أن تبرز الورقة الرابحة التي تمتلكها وتخشى منها إسرائيل وأمريكيا، فالوضع الدولي والتجاذبات والتناقضات بين القوي العظمي تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، وقد حان الوقت للعب على هذا الوتر الحساس في ظل عدم التزام إسرائيل بكل الاتفاقات والتفاهمات وخرقها بأعمالها الغير قانونية بين الحين والأخرى، فإسرائيل تعيش اليوم أسوء لحظات وجودها منذ سنوات طويلة بعد تكشف الحقائق وبيان المواقف الأوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية والتغييرات على الساحة الدولية واختلاف موازين القوى وحشر أمريكا في الزاوية، مما يتطلب من القيادة الفلسطينية أن تعيد النظر في المفاوضات والسعي نحو ترتيب البيت الفلسطيني وتصويبه من الداخل نحو تلبيه طموحات الشعب الفلسطيني بالوحدة والتلاحم لمواجهه التحديات القادمة.
بقلم / رمزي النجار
[email protected]