يهودية الدولة بين ختم بلفور وختم كيري الموعود

بقلم: أكرم أبو عمرو

ربما المحاولات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا لانتزاع اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية، قد استحوذ على جانب كبير من مسار المفاوضات والاتصالات الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بوساطة أمريكية ، وهذا ما نلجظة في تصريحات جميع المسئولين الفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكيين ، إذا رجعنا قليلا إلى تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني ، نقول نعم ولم لا لهذا الاستحواذ ، فان أهمية هذا الموضوع تنبع من أساس جوهر الإطماع الصهيونية في ارض فلسطين والقائمة على أساس من الدعاوى الدينية والتاريخية الباطلة مروجة لمقولة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ، وقد عبر عن هذا أحسن تعبير يشعياهو بن فورت في مقالة له في صحيفة يديعوت احرونوت في 14/7/1972 : " إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم وتسييجها " .
وهذا ما كان قبل ذلك بأكثر من ثلاثمائة سنة عندما شرع التاجر الدانمركي اوليغرت بولي الذي اعد خطة لتوطين اليهود في فلسطين عام 1695 م ، ثم استمرت الحركة الصهيونية فيما بعد في دعوة وتشجيع اليهود للهجرة إلى فلسطين ، وفي عان 1897 كان مؤتمر بازل الذي كان من أهم قراراته إقامة كيان لليهود في فلسطين ، وفي عام 1917 كان وعد بلفور المشئوم الذي يعتبر أول إقرار بريطاني بيهودية الدولة الإسرائيلية المزمع إنشائها ..
في خلال الخمسة عشر الأخيرة بدأت الحكومات الإسرائيلية تتناول بالدراسة والتحليل، ووضع الخطط اللازمة لمواجهة ما عرف بالقنبلة الديموغرافية الفلسطينية وأطلقت عليها إسرائيل ما يعرف بميزان المناعة القومي
من هنا تتضح للجميع معنى يهودية الدولة ولماذا تصر إسرائيل وأمريكا هذا الإصرار على القيادة الفلسطينية ، لان إسرائيل ومن ورائها أمريكا تدرك تماما أن الفرصة ربما تكون لهم سانحة ، حيث الوضع العام للشعب الفلسطيني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وصل مرحلة لا تشغل همه إلا سبل العيش بعد أن أنهكوا جراء الضربات الإسرائيلية العسكرية والاقتصادية من خلال فرض الحصار وإقامة الحواجز العسكرية ، وتفتيت الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات الإسرائيلية التي اتصف توزيعها الجغرافي بالتركيز مع الانتشار لتجعل التجمعات الفلسطينية ما هي إلا جيوب في الوسط الاستيطاني الاسرائيلى، كما أن إسرائيل تدرك تماما ما وصل إليه الحال العربي الذي يعتبر بمثابة العمق الاستراتيجي للفلسطينيين، حيث اندلاع ثورات ما يسمى بالربيع العربي، بحيث جعلت الدول العربية المؤثرة في المنطقة كمصر وسوريا في شغل شاغل عما يجري في فلسطين ، ومن هنا يبدأ الضغط الهائل والمتواصل على الطرف الفلسطيني المستضعف، مستخدما سياسة الترغيب في مساعدات ضخمة في حال الإقرار ، أو عقوبات تؤدي إلى إفلاس السلطة وانهيارها .
لا شك في أن إسرائيل تريد من وراء انتزاع الاعتراف الفلسطيني، تنفيذ مخططاتها التي أقرتها في مؤتمراتها الصهيونية التي انعقدت خلال الفترة الماضية المعروفة بمؤتمرات بميزان المناعة القومي ، وذلك بطرد جميع السكان الفلسطينيين المتواجدين في فلسطين قبل عام 1948 ويقدر عددهم نحو مليون ونصف المليون إلى خارج فلسطين ، على اعتبار أن الدولة الإسرائيلية دولة يهودية خالصة ، وجذب عدد كبير من المهاجرين اليهود وإحلالهم بدلا من السكان الفلسطينيين ، بالإضافة إلى جلب المزيد من المهاجرين وإحلالهم في مناطق متفرقة في فلسطين ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن دراسة قام بها الدكتور سلمان ابوستة بان 80% من سكان إسرائيل يعيشون على 20% من مساحة الدولة ، و 20% من السكان يعيشون على 80% ، كما يلاحظ أن معظم السكان اليهود إنما يعيشون في القسم الغربي من فلسطين وهو القسم المخصص لليهود طبقا لما جاء في قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 ، في حين أن القسم الشرقي الذي كان مخصصا للفلسطينيين يعيش علية معظم السكان الفلسطينيين في المثلث والجليل والنقب ، إذن بيهودية الدولة تعني أيضا إنهاء أو إلغاء قرار التقسيم ودفع اليهود للانتشار من الغرب إلى الشرق بالإضافة إلى المهاجرين الجدد وربما هذا ما يفسر لنا الممارسات الإسرائيلية ضد التجمعات الفلسطيني في النقب وإجبار سكانها للخروج منها إلى مناطق أخرى أي وحوحتهم شيئا فشيئا لطردهم نهائيا فيما بعد .
ليس هذا فحسب فان إسرائيل سيكون لها أطماع في الضفة الغربية التي تطلق عليها يهودا والسامرة ، لهذا تجدها في المفاوضات الدائرة الآن تصر على التمسك بالكتل الاستيطانية الكبيرة بالقرب من القدس مستوطنات غلاف القدس ومعاليه ادوميم ، وما بين الخليل والقدس كتلة غوش عتصيون، وما بين القدس ورام الله كتلة موديعين بالإضافة إلى منطقة الغور الحدودية . اذن هم يريدوها دولة يهودية خالصة ، وعنصرية لا يسمح لغير اليهودي العيش فيها .
إذن هذا هو سر التمسك بيهودية الدولة ، وليس كما يعتقد البعض انه طلب إسرائيلي فقط من اجل تعطيل المفاوضات ، كما انه طلب خطير ينسف كل سنوات النضال الفلسطيني ، ويسقط حق كل الشهداء والجرحى والأسرى ، بل ويسقط حقنا في الوجود ، لذلك لا ينبغي لأحد منا أن يستهين بهذا الطلب، بل يجب علينا كفلسطينيين أولا سرعة الرد القوي والفوري ، بإعلان وحدتنا ولإنهاء انقساماتنا والالتفات إلى حاضرنا ومستقبلنا ، وهنا لا بد من تسجيل انه لا يجوز لأي طرف فلسطيني إن يبقى متفرجا وينظر إلى ما بفعله الآخر لعله يجد فرصة لاستغلال ما سيفعله لإغراض حزبية ، فعلى كل الفصائل وكل الأطياف التمسك بشكل لا يدخله شك برفض هذا المطلب الإسرائيلي الخبيث ، كما يطلب من المفاوضين قولها بصراحة وهو الانسحاب من المفاوضات إذا استمر الضغط الأمريكي والإسرائيلي وعدم الرضوخ لابتزازهما .
وفي النهاية لا يد من القول في أن كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية يريد أن يلتقي مع وعد بلفور المشئوم قبل 97 عاما الذي اقر بيهودية الدولة عندما منح اليهود حق في إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ، وها هو كيري يأتي لكي يقوم بتجديد هذا الوعد عام 2014 ، ضاربا بعرض الحائط الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وضاربا بكل المآسي التي تعرض لها الفلسطينيون من أمثال بلفور وكيري .

أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
28/2/2014