سأبدا مقالة اليوم بمقدمة موجزة للوقوف على عمق دلالات مفهوم المواطنة السعيدة ، وتداعيات هذا المفهوم وإنعكاساته على بناء دولة حديثة قوية ، وعلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم ـ وعلى العلاقات بين المواطنيين انفسهم.
هذه المحاور الثلاث ألتى يمكن من خلالها فهم مفهوم المواطنة السعيدة الذي يقف وراء التطورات السياسية الإيجابية التي تشهدها دولة الإمارات بعد إثنتين وأربعين عاما.
والمواطنة ليست مجرد شعار ، وليست مجرد مفهوم او كلمة عابرة ، وليست مجرد علاقة قانونية بين المواطن والدولة التي يعيش في كنفها ، هى أعمق وأبعد من كل ذلك، هى مؤشر على ما يحصل عليه المواطن من حقوق سياسية وإقتصادية وإجتماعية ومدنية ، هى إحساس المواطن بآدميته الكاملة ، وبهذا المعنى المواطنة ترادف مفهوم الحقوق المدنية الشاملة التي يتمتع بها المواطن.
وبقدر إكتمال هذه الحقوق بقدر إكتمال المواطنة ، ولذا قد تكون لدينا مواطنة ناقصة ،او مواطنة سلبية ، ومواطنة تعيسه، ومواطنه مقهورة ، وغير ذلك من التصنيفات التي معيارها هو مستوى الحقوق القائمة .
ومن الظواهر المهمة للمواطنة أن ظهورها قد إرتبط بنشأة الدولة القومية المعاصرة ،فكما أن معيار الحكم الرشيد هو ممارسة المواطن لحقوقه، أيضا المواطنة السليمة أساس لبناء دولة قوية . والمواطنة ليست أيضا مجرد حقوق يتمتع بها المواطن ، ولكنها ايضاواجبات يقوم بها المواطن أهمها الإنتماء والولاء الصادق، وإحترام القوانين ، وحدود الحريات الخاصة للآخرين ، وهنا التوافق بين الحقوق والواجبات ، بل إن إحساس المواطن بتوافر حقوقه يدفعه للقيام بواجباته دون فرض ذلك بقانون، او بالقوة ، فالمواطنة في النهاية هى إحساس وشعور تلقائي يشعر به الماطن يشعره أنه جزء من الكل، وان الكل لا يكتمل بدونه.
وهذا العلاقة التلقائية تقف ورائه ركائز ثلاث للحقوق ، إحساسه بالحرية ، وبالمساواة مع الآخرين وبالعدالة التي تطبق على الجميع ، هذه الحقوق هى التي تخلق المواطنة السعيدة والكاملة .
هذه المقدمة الموجزة كان لا بد منها لفهم مفهوم المواطنة السعيدة ، ومفهوم اسعد الشعوب، وهنا التساؤلات كثيرة ما المقصود بمفهوم المواطنة السعيدة ، وما تداعياتها السياسية على علاقات الحكم ؟ وعلى العلاقات بين المواطنيين أنفسهم؟ وما حدود دورها في بناء دولة حديثة معاصرة ؟ ولعل من أكبر إنجازات دولة الإمارات خلق ليس فقط المواطنة الواحدة المنتمية بولائها لدولة الإمارات العربية المتحدة ، بل المواطنة الراضية والسعيدة بإنتمائها لدولة الإمارات ، ومن مظاهر هذه السعادة الإعتزاز بالإنتماء الوطنى ، والتلاحم بين القيادة الحاكمة ومواطنيها ، وما رسالة شكرا خليفة إلا مظهرا وتجسيدا لهذه العلاقة التي تقوم على الرضا والقبول المتكامل، المواطن يعتز بمواطنيه ، والحاكم يعتزوأنه حاكما على مثل هذا شعب ، والشعب بالمقابل يعتز بحكامه ويعبر عن شكره وولائه ورضائه عن هذا الحكم الرشيدالذى يضع في أعلى أولوياته تلبية حاجات المواطن ليس الأساسية فقط ، بل الإرتفاع في هذه الخدمات إلى مستويات متقدمة من الرفاهية الإجتماعية .
هذا الإنجاز هو ثمرة إثنتين وأربعين عاما من البناء والإستثمار في الإنسان في كل المجالات. ولدلالة هذا الإنجاز تكفى المقارنة عند قيام الدولة واليوم ، فعندما قامت الدولة كان مواطنى الدولة موزعين علي إمارات سبعة ، تفصل بينهم طرق وعرة من التواصل، وكان الولاء الأكبر للقبيلة والعشيرة ، بل وللإمارة نفسها ،واليوم الولاء ألأول الذي لا يعلوه ولاء هو لدولة الإمارات العربية المتحدة ، وهذا الذي يفسر لنا لماذا نجحت دولة الإمارات في الإندماج إلى درجة الإنصار ألإجتماعى والسياسى الكامل، مقارنة بتجارب تكاملية في المنطقة العربية فاشلة .
والسبب في هذا النجاح يعزى إلى التلاحم بين الحاكم والمواطن ، فلم يشعر المواطن في الإمارات أن حكامه بعيدين عنه ، ولم يشعر أنه غير قادر على الوصول إلى باب من أبواب الحكام. هذه القاعدة كانت من ضمن العوامل التي قد ساهمت في بناء الدولة الحديثة ، والعامل الآخر الإستثمار المالى ووضع ثروة الدولة في مشاريع تنموية مستدامة ، اعطت ثمارها في الإنجاز القائمالذاتى الذي تعيشه الدولة..والذى وصل إلى مرحلة مهمة في التنمية المستدامة وهى رحلة التقدم الذاتى الذي يعتمد على كفاءات وخبرات مواطنيه وتخصصاتهم في كافة مجالات العمل التنموى ، وهو ما يعنى تقليل الإعتماد على الخارج، وتقليل فرص التبعية للخارج، وهذه احد شروط التنمية المستدامة .
ومن الأبعاد المهمة في هذه المواطنة السعيدة إحساس المواطن في كل انحاء الدولة أن الفرصة متاحة امامه مثل اى مواطن في أى إمارة اخرى ، فانتفت فكرة الإستعلاء ، ومفهوم المواطنة ألأعلى ، فكل مواطنى الدولة ينتمون إلى نفس المواطنة ، ويتعاملون بنفس المساوة في ممارسة الحقوق والواجبات ، وفى التمتع بثروة الدولة ، وهنانصل إلى قلب المواطنة السعيدة التي تقوم على فكرة جوهرية وهى إن المواطن يشعر ويدين بهذه السعادة لإنتمائه لهذه الدولة ، والتي بدونها ماكان يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة من السعادة .
وهذا ألإحساس يعتبر من أهم عوامل الإنصهار الإجتماعى ، فالاساس في هذه المواطنة هو الإنتماء لدولة الإمارات ، وقد إمتدت هذه السعادة لتغطى كافة شرائح المجتمع على مستوى المرأة ، ومستوى الطفل ، الكل له نصيب ومتساو مع ألآخرين في هذا ألإنتماء.
هذا النموذج في المواطنة السعيدة رسالة لكل الدول العربية التي تسعى للإستقرار والتنمية والتغلب على مشاكل التحول السياسي التي تشهدها العديد من الدول العربية.