بعد عودة التوازن الدولي.. ألا من ربيع عربي اخضر يتغلب على الأحمر

بقلم: أكرم أبو عمرو

في بداية ثورات ما يعرف بثورات الربيع العربي هللنا وكبرنا مستبشرين بما سينتج عنه من تأثير هذه الثورات ، ولم نغفل عن هذا في كتاباتنا حيث أفردنا عدة مقالات تناولت الثورات العربية ، كيف لا ونحن هنا من أكثر الشعوب لا العربية فقط بل شعوب العالم معاناة من ويلات الظلم والاستعباد ، استعباد الأنظمة الحاكمة ، واستعباد المستعمر الغاصب المحتل ، منذ خمس وستون عاما وشعبنا يعاني ويكابد ويصارع صراع البقاء ، أمام موجات الإقليمية ، المؤدية إلى صد أبواب المطارات والموانئ أمام أبناء شعبنا ، والاصطفاف في طوابير طويلة أمام السفارات للحصول على مكرمة تأشيرة دخول أو تجديد وثيقة سفر أو جواز ، لهذا كان شوقنا كبيرا لتغيير الأحوال طالما أن من رفعوا راية الثورة هم من شرعوا بالظلم والقهر من أبناء جلدتهم واقصد هنا أبناء موطنهم لأننا جميعا أبناء جلدة واحدة أريد فقط تقطيع أوصالها وتفتيتها .
لكن مع الأسف سرعان ما تحولت هذه الثورات إلى نقمة على كل فلسطيني والجميع يتفق معي على ما واجهه ويواجه الفلسطيني في تلك البلدان الثائرة ، وكان الثورات إنما هبت ضد طرفين لا ثالث لهما الأول هو النظام الحاكم ، والثاني ضد الفلسطيني المقيم على ارض هذه البلاد ، تحت حجج ومبررات اغلبها من تصميم وإعداد أعداء الشعوب العربية الذين يسعون إلى إفساد العلاقة العربية الفلسطينية تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية، لحساب الكيان المدلل إسرائيل .
قد يقول قائل وما علاقة هذه المقدمة الطويلة بموضوع عنوان المقالة ، أقول أنها من صميم الموضوع ، ولبيان كيف انحرفت بوصلة الثورات من ثورات بيضاء نطالب بالعدل والمساواة والحياة الحرة الكريمة ، إلى ثورات دموية تجر الخراب والدمار وتحرق الأخضر واليابس ، لذلك من العبث إطلاق تسمية الربيع العربي عليها ،
ربما نجح متسلقوه الثورات على إدارة دفة هذه الثورات التي خرجت في بداياتها بدون قيادات توجيهية ، ووجهت هذه الثورات لخدمة أجنداتها مستفيدة من دعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية التي ظن الكثير أنها ما زالت سيدة العالم تصول وتجول ، في غياب أي نوع من أنواع توازن القوة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، ولتشن عدة حروب في مدة لا تتجاوز الثلاث عشر سنة أي بين عامي 1991 و2003 ، حيث كانت هناك الحرب على العراق والتدخل في حروب البلقان "كوسوفو والبوسنة والهرسك" ، ثم الحرب على أفغانستان ثم الغزو الأمريكي للعراق ، صالت وجالت مبتدعة ما يعرف الحرب على الإرهاب التي امتد مساحتها من أفغانستان شرقا شمال أفريقيا مرورا بالسودان ، ثم توجتها في النهاية بما يعرف نشر الفوضى الخلاقة ، وها نحن نرى نتائج هذه الفوضى والتي كانت اليد الأمريكية هي الطولي عن طريق أذرعتها المنتشرة في المنطقة .
ثورات ربيع هكذا أطلقوا عليها، ولكن سرعان ما تحول لونها إلى اللون الأحمر القاتم ، سرعان ما انتشرت روائح الحرائق ، وسرعان ما نصبت مخيمات البؤس والشقاء لأناس كانوا آمنين مستقرين ينعمون في بلادهم بنا قسم لهم الله ، قد يعترض البعض على هذا قائلا إن كل الثورات فيها تضحيات ، إذا كان كذلك فما الذي يجري في سوريا ، ما الذي يجري في ليبيا ، ما الذي يجري في مصر ، نحن هنا لا نؤيد ولن نرضى بالظروف التي كانت سائدة قبل الثورات ، نرفض القمع ، نرفض الظلم والاستعباد ، نرفض نهب الثورات والتمايز بين أفراد المجتمع بالطرق الغير مشروعة ، ولكننا بالتأكيد نرفض سفك الدماء بهذه الطريقة ، لا نرضى بالتخريب وتدمير الممتلكات العامة ، لا نرضى الحكم حسب الأهواء ، يقتل هذا ويذيح ذاك وكله بأمر الله وأمر رسول الله ، إن الله ورسوله لم يأمروا بهذا أبدا ، فنحن مسلون نصوم ونصلي ونقرأ القرآن ، فالإسلام دين الرحمة والمودة والمحبة فالرسول الكريم كان رحيما حتى على غير المسلمين من أصحاب الديانات الأخرى والسيرة النبوية مليئة بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقصص التي تعلمنا أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام .
كل ما جرى كان جراء سياسة القطب الواحد التي ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تمارسها ومع الأسف باستخدام الأيدي العربية والمال العربي ، لكننا نرى هذه الأيام عودة قوة عظمى لا بهمنا منها إلا إنها ستكون ندا للولايات المتحدة الأمريكية ، قوة تقول لأمريكا قفي عندك ولا تتجاوزي الخطوط الحمراء ، أنها قوة الاتحاد الروسي الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق ، ها هي روسيا تقف أمام الولايات المتحدة في الأزمة السورية ، والأزمة الأوكرانية ومن قبل في جورجيا ، وها نحن نرى كيف تحسب الولايات المتحدة الحساب لروسيا آخذه في الاعتبار قوتها ومصالحها ، موازين القوة تعود من جديد موازين تفرضها المصالح . مصالح روسيا ومصالح أمريكا وواهم من يعتقد غير ذلك .
أما هذا التغير المتسارع على صعيد القوة في العالم آلا من صحوة عربية، صحوة حقيقية تضع المصالح العربية العليا على سلم أولوياتها ، ألا من دعوات لوقف هذا النزيف من الدم العربي دون توجيه اتهامات لهذا الطرف أو لذاك ، إلا من دعوات للتوافق والوفاق بين الأطراف المتنازعة ، ألا من استغلال الأموال الداعمة للقتل والتخريب إلى أعمال البناء والتعمير او متى يتعود الطلائع الأولى للثورات العربية من النهوض من جديد بعد أن انكشفت أمامها القوى المعادية لها والمتسلقة على أكتافها ، متى ستخرج إلى الشوارع والميادين قائلة كفى لسفك الدماء ، كفى لتشريد الأطفال والنساء ، متى يعود اللاجئون إلى مدنهم وقراهم وهناك يعتصمون في وسط هذه المدن والقرى رافضين هذه الحروب ، اقصد لبس في سوريا فحسب بل في كل بلدان الثورات ، لا بد من ثورات خضراء حقيقة لا ثورات حمراء ، ثورات تبني لا ثورات تحرق وتدمر ، ولا أبالغ بان جميع أبناء العروبة يعرفون تمام المعرفة أين يمكن أن يوجه السلاح ، وأين هي ميادين الجهاد الحقيقية ، والجميع يعرف إن الأقصى يئن ، وان القدس تنادي فهل من مجيب .


أكرم أبو عمرو
غزة- فلسطين
2/3/2014