تمديد المفاوضات ... لصالح من ؟

بقلم: هاني العقاد

تكرس أمريكا هذه الأيام كل جهودها الدبلوماسية لتمديد المفاوضات التي انطلقت قبل سبعة أشهر تقريبا بين الفلسطينيين والإسرائيليين والخروج من مأزق الزمن الذي قيدت نفسها به , ولا اعتقد أنها ستفلح بدبلوماسيتها انجاز اتفاق عادل بين الطرفين قبل هذا الوقت ولا اعتقد أنها حتى تستطيع طرح خطة مجدولة زمنيا بإطار محدد للمفاوضات في حالة التمديد ,لذا فان أمريكا اليوم تحاول اللعب في الوقت الضائع بالضغط على أطراف الصراع وخاصة الفلسطينيين لإجبارهم على الموافقة على احد الحلول الأمريكية حفاظا على سمعها وانكشاف ضعف دورها ورعايتها للتسوية التاريخية , ولا اعتقد أن أمريكا ستفاجئنا بشيء من العدالة في اللحظات الأخيرة من الفترة التي تقترب من أخر نيسان , لذا فان الفلسطينيين أصبحوا اليوم دون قناعه فلسطينيه بان هذه المفاوضات ستؤدي في النهاية لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس وبالتالي تكون أمريكا قد خسرت الفرصة الأخيرة لإثبات عدالتها في الحل التاريخي وغير ذالك فان أمريكا لن تنجوا من اللوم الدولي يوما من الأيام على عدم تدخلها لصالح السلام العادل و الضغط على دولة الاحتلال لتتخلى عن احتلالها واستيطانها وعنصريتها لتعيش في امن واستقرار مع جيرانها العرب .

لو سلمنا جدلا أن المفاوضات ستمدد يبقي السؤال الرئيس الآن في هذا التحليل لصالح من تمديد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ...؟ , وهنا لابد وان نؤكد أن الزمن هام جدا في مسالة المفاوضات لان إسرائيل تستخدم الزمن مقابل لا شيء لتمارس كل حالات تغير واقع الصراع وترسم خارطة دولتها ويهوديتها و وتعمل كل ما تستطيع لجعل الدولة الفلسطينية القادمة مقطعة الأوصال ليصبح الفلسطينيين أمام القبول والتسليم بالواقع الجغرافي الذي صنعته إسرائيل , وإن فاوضوا يفاوضوا حسب ما تفرضه إسرائيل من واقع , لكن أقول هنا أن القانون الدولي يعتبر كل ما قام به الاحتلال من تغير واستيطان وهو يحتل الأرض باطل وغير شرعي ولا يمكن إجبار الفلسطينيين القبول به ,وتمديد المفاوضات دون أفق محدد يلزم الطرف الممانع للتوصل للسلام بتقديم تنازلات حقيقية ليصبح السلام متاحا وقابل للحياة والتطور يبقي تمديد المفاوضات أمرا حساباته خطرة والتعاطي مع هكذا نية لها محاذيرها لأنه أمرا يعيق تقدم الفلسطينيين نحو نقل ملف الصراع لمجلس الأمن والأمم المتحدة , ويبقي الطريق مفتوحة أمام غول الاستيطان والتهويد ,وتمديد المفاوضات يمكن أن يقبل فلسطينيا على أساس واضح وهو جدولة اتفاق حول القضايا الرئيسية كترسيم حدود الدولة والقدس وطرح حلول لقضية اللاجئين وإطلاق كافة الأسري دون قيد أو شرط , و يمكن قبول الفلسطينيين تمديد المفاوضات على أساس وقف كامل لكافة أنواع الاستيطان داخل الضفة الغربية والقدس ,و وقف تام لهجمات واقتحامات الأقصى وباحاته والسماح للمسلمين بالوصول إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة أي وقت للممارسة صلواتهم و التعبد و تلقي العلم.

لا اعتقد أن الفلسطينيين يحتاجوا إلى تمديد فترة المفاوضات مرحلة أخري دون أسس و جداول زمنية تنهي الاحتلال وتقيم الدولة وعاصمتها القدس ,ولا اعتقد أن القيادة الفلسطينية ستوافق على تغير موقفها من ثوابت الشعب الفلسطيني حتى لو بقيت المفاوضات عاما أخر ,وهنا أصبح واضحا أن عدم تمديد المفاوضات هو في صالح الفلسطينيين وبالتالي عدم القبول بتمديدها والاستجابة لأي تهديد أو ضغط أمريكي وهذا من شانه أن يعمل في اتجاهين ,الاتجاه الأول كشف إسرائيل للمجتمع الدولي ليكون جاهزا للتعاطي مع القضية على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ويدعم تحرك الفلسطينيين الدبلوماسي في المرحلة المقبلة لنيل الاستقلال وإقامة دولتهم على حدود العام 1967 بقرار من مجلس الآمن, لان العالم اقتنع أخيرا أن إسرائيل دولة متطرفة عنصرية تمارس الاحتلال بكل موبقاته وتتنكف لطموح المجتمع الدولي في إنهاء الصراع التاريخي وإنهاء الاحتلال ,بل أن إسرائيل تفضل أن يبقي الصراع و يدوم على حساب السلام العادل والشامل الذي يضمن حالة من الأمن والاستقرار الطويل,والاتجاه الثاني كشف أوراق أمريكا وضعفها أمام إسرائيل وعدم قدرتها على استخدام مركزها الدولي في إقرار السلام في المنطقة.
اليوم تدرك أمريكا خطورة وصول المفاوضات إلى طريق مسدود وانقضاء الفترة التي حددها وزير خارجيتها دون تقدم ملموس ,وهذا ما حذا تدخل اوباما نفسه في مساعي كيري لتذليل الصعوبات والضغط في الاتجاه الذي يحدث فيه اختراقا ما ,وهنا يأتي لقاء اوباما هذا الشهر في محاولة منه شخصيا لتذليل الصعوبات التي تواجه كيري , واللقاء الأول سيكون بالطبع مع نتنياهو الأكثر تطرفا والطرف الممانع لتحقيق السلام دون رغبات عنصرية تجعل حياة الدولة الفلسطينية مستحيلة , وإن تمكن اوباما من تذليل الصعوبات وإحداث اختراق حقيقي يحفظ للفلسطينيين ثوابتهم مع الإطار الأمريكي المقترح فان المفاوضات ستستمر مرحلة أخري , وان بقيت أمريكا على حالها من غض النظر عن عوامل السلام المطلوبة وضرورة التدخل الايجابي في عملية السلام فان أي إطار أمريكي لن يقبل ولن يري النور ,وبالتالي سيكون لقاء اوباما وأبو مازن سلبيا سينتهي دون نتائج تذلل العقبات وتدفع بإطار عادل قابل للتفاوض يكون مبنى على أساس القرارات الدولة ومبادرة السلام العربية, لان أبو مازن لن يحقق لنتنياهو ما يرغب من تنازلات على يد البيت الأبيض أو بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف.
[email protected]