الوثنية السياسية مصطلح مصري يشير إلى تذلل أصحاب المصالح العليا للحاكم، وخضوعهم المشين للسلطان أياً كان، والاستسلام بالكامل لتصرفاته التي لا يأتيها الباطل، الوثنية السياسية لا تعني عبادة الفرد الواحد الأحد دون النظر لمصلحة المجتمع، وإنما تعني احتقار كرامة الإنسان، وتجريده من حقوقه في التفكير والتدبير، ومن ثم تسفيه المجتمع وطاقاته.
الوثنية السياسية مرض معدٍ، وهو عابر للحدود، وصلت فيروساته إلى فلسطين، التي تعيش حالة من ضعف المناعة الطبيعي الناتج عن الانقسام في الخط السياسي، الذي أدى إلى الانقسام الميداني الحاصل بين حركتي فتح وحماس، ليزداد ضعف المناعة الوطنية في الفترة الأخيرة مع تفجر الصراع داخل حركة فتح نفسها، وما أعقب ذلك من ردات فعل متشنجة، وتصرفات تعكس حالة من الانقسام البائن، ترافق مع تصريحات نارية.
لقد ظهرت معالم الوثنية السياسية على أرض فلسطين من خلال التصفيق الحار لكل كلمة ينطق بها الرئيس محمود عباس، حتى وهو يقول في آخر لقاء له مع الطلبة اليهود: اطمئنوا أيها الجيران، لن نعود إلى العنف حتى ولو فشلت المفاوضات الراهنة.
إن جملة "لن نعود إلى العنف" أخطر من جملة "لن نعود إلى أرض فلسطين" ففي الجملة الأولى إهانة وتحقير لشهداء الثورة الفلسطينية، والجملة تعني الاعتراف العلني بأن كل التضحيات الفلسطينية على الحدود وفي المنافي وفي بيروت كانت عنفاً، ولم تكن مقاومة.
لقد أوصلتنا الوثنية السياسية في فلسطين إلى الحد الذي ادعى فيه البعض بأن استئناف المفاوضات يهدف إلى كشف نوايا الإسرائيليين، وفضحهم أمام العالم، وهي اللغة السياسية نفسها التي استخدمها ملوك ورؤساء العرب الموقعون على اتفاقيات الهدنة مع العصابات اليهودية سنة 1948، حين ادعوا أن الهدف من الهدنة هو فضح أطماع اليهود في أرض فلسطين.
لقد ضاعت فلسطين وما زال البعض يمسك بتلابيب الرئيس، وضاقت سبل الحياة على الناس وما زال البعض يهتف بحياة الرئيس، واغتصب الصهاينة ما ظل من أرض فلسطين وما زال البعض يدعي أن المستهدف هو الرئيس، وحاصر اليهود القدس، وينفخون بالبوق لتدمير الأقصى وإقامة جبل الهيكل وما زال البعض يحذر من المؤامرة على شخص الرئيس.
أيها الوثنيون السياسيون، هل صار شخص الرئيس أغلى من مدينة صفد؟ وهل صارت الدولة أغلى من الوطن الذي ستقام عليه الدولة؟ وهل صارت سيرة حياة الرئيس أهم من حرية الأسرى؟ وهل صارت ابتسامة الرئيس دواءً للتوسع الاستيطاني؟