يرى موفد صحيفة "هآرتس" العبرية الى واشنطن، براك ربيد، في تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، امام مؤتمر اللوبي اليهودي الأمريكي (أيباك)، امس الثلاثاء، والتي ادلى بها باللغة الانجليزية، تختلف عن لهجته باللغة العبرية، حيث يشعر بأنه اكثر متحرراً، باللغة الانجليزية، الى حد بدا، من خلال ردة الفعل المتحمسة للحضور، أنه يحظى بشعبية كرئيس لما وصفه ب"الشتات اليهودي" تفوق شعبيته كرئيس لحكومة اسرائيل. ويعتقد ربيد ان خطاب نتنياهو كان معتدلا نسبيا، وتحدث بـ"لهجة يسارية"، وبدا للحظة، وكأن شمعون بيرس او جون كيري هو الذي يقف على المنصة. وتساءل رابيد عما اذا كان نتنياهو سيجرؤ على تكرار الحديث ذاته باللغة العبرية من على منصة الكنيست.
وأضاف: اذا كان هناك من يجب أن يقلقه خطاب نتنياهو امام مؤتمر "أيباك" فهو مجلس المستوطنات ولوبي المستوطنين في الكنيست. ويُذكّر رابيد أنه عندما بدأ نتنياهو، قبل سنة، الحديث في كل خطاب تقريبا، عن الحاجة الى منع تحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية، قال له الموفد السياسي لمجلس المستوطنات، داني ديان، ان حديث نتنياهو ذاك يشير الى تغيير في مفاهيمه. ويقول: اذا كان ذلك التصريح قد ِأشعل ضوء أحمر لدى قيادة المستوطنين، فان خطاب نتنياهو أمام أيباك يحتم اضاءة مصباحا ضخما في اليمين.
ويشير رابيد الى حديث نتنياهو المطول في خطابه عن تأثير اتفاق السلام على الاقتصاد الاسرائيلي، وعن التحسن الذي سيطرأ على مكانة اسرائيل الاقليمية والدولية، ومحفزات التحالفات العلنية التي يمكن لاسرائيل التوصل اليها مع الدول العربية السنية في الخليج، التي تعتبر ايران عدوها الحقيقي، وترى في العلاقات الاقتصادية والأمنية مع إسرائيل تخدم مصالحها. واعتبره مال في خطابه، نحو مركز الخارطة السياسية في اسرائيل، نحو نسبة الـ65% التي تؤيد تقسيم البلاد، لكنها تشكك بامكانية تحقيق ذلك. تلك الغالبية الاسرائيلية التي تقدر المستوطنين ولكنها لا تتعاطف معهم، وتهزها عمليات الارهاب التي تنفذها شبيبة التلال بحق الفلسطينيين، وتتخوف من العزلة الدولية والمقاطعة، وتريد العيش بشكل طبيعي في دولة ديموقراطية.
ويقول رابيد ان نتنياهو يكثر من انتقاد الرئيس الفلسطيني، ولكن السؤال المطروح هو ما اذا كان تحرك نتنياهو ليس بطيئاً، وما اذا كان استيعابه يجري بوتيرة تتيح اللحاق بقطار الحل القائم على الدولتين. فالخطر يكمن في احتمال وصول نتنياهو الى المحطة بعد مغادرة القطار، وعثوره على قطار آخر غير لطيف.
وانتقد رابيد تكريس نتنياهو لأكثر من سبع دقائق من خطابه لمهاجمة حركة المقاطعة لإسرائيل واتهامها بمعاداة السامية، ويقول انه قدم بذلك خدمة كبيرة لتلك المجموعة من المتطرفين التي تعارض حل الدولتين. ويضيف: لقد كرر نتنياهو اكثر من مرة القول بأن حركة المقاطعة BDS ستفشل، ولكنه كلما توسع في الحديث عنها، كلما كشف مدى تخوفه من نجاح الحركة بعزل اسرائيل وشجبها كدولة أبرتهايد.
اسطوانة نتنياهو: سلام مقابل الاعتراف بيهودية اسرائيل والغاء حق العودة
ويلاحظ من خطاب نتنياهو امام "أيباك" تكراره لأسطوانة السلام مقابل اعتراف الفلسطينيين بيهودية اسرائيل، حيث زعم ان عدم الاعتراف هذا هو العائق الوحيد امام التوصل الى اتفاق! وقالت صحيفة "هآرتس" ان نتنياهو استغل خطابه لزيادة الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كي يتجاوب مع مطلب الاعتراف بيهودية اسرائيل. وادعى ان ذلك لن يمس بحقوق الأقلية العربية في اسرائيل، "لأن اسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي التي تمنح المساواة لكل مواطنيها" حسب زعمه.
وتوجه نتنياهو الى عباس قائلا: "اعترف بالدولة اليهودية وقل انه على الرغم من الخلافات الاقليمية يحق لاسرائيل الوجود، وقل للفلسطينيين ان عليهم التخلي عن حلم عودة اللاجئين وهكذا ننهي الصراع، بدون ذرائع وبدون عقبات، وهذا هو الوقت لعمل ذلك".
وقال: "سنعمل في الأيام القادمة لتحقيق سلام دائم، وآمل أن يتواجد الفلسطينيون مع إسرائيل في الجانب الصحيح من الخط الأخلاقي". وبشكل شاذ عن خطاباته السابقة، كرس نتنياهو جزء كبيرا من خطابه للحديث عن الفوائد التي ستجنيها اسرائيل من اتفاق السلام مع الفلسطينيين. وقال انه سيفتح امام اسرائيل امكانية اقامة علاقات رسمية مع دول رائدة في العالم العربي، مضيفا ان هناك الكثير من القادة العرب الذين باتوا يعترفون بأن اسرائيل ليست عدوا لهم، ومن شأن السلام مع الفلسطينيين أن ينمي علاقاتنا معهم، وسيؤدي الدمج بين المبادرة الاسرائيلية ومحفزات دول الخليج الى حل مشاكل المياه في المنطقة، مثلا. فاسرائيل لا تعاني مشكلة في المياه بسبب تكنولوجياتها، ويمكنها ان تساعد جاراتها وتحسن حياة مئات ملايين الناس، وبذلك سيجني الجميع ارباحا من السلام.
كما كرس نتنياهو جزء كبيرا من خطابه لمهاجمة حركة المقاطعة الدولية BDS، معتبرا انها ستفشل في مساعيها، بسبب تعطش الدول العظمى والشركات الكبرى الى التكنولوجيا الاسرائيلية. ووصف حركة المقاطعة بأنها عنصرية وعديمة الاخلاق ومخجلة ولا سامية، ويجب معارضتها ومقاطعتها. وادعى انها ليست معنية بحل الدولتين، وانما بتدمير دولة اسرائيل.
وفي تطرقه الى الموضوع الايراني، قال نتنياهو ان ايران معنية بتطوير صواريخ عابرة للقارات، وتسليحها برؤوس نووية واطلاقها على الولايات المتحدة! وقال ان المفاوضات مع ايران يجب ان لا تهدف الى منعها من الحصول على سلاح نووي فحسب، وانما منعها من الوصول الى القدرة على انتاج سلاح نووي. وكرر انه سيدافع عن مواطني اسرائيل، ولن تصل إسرائيل ثانية الى حافة الابادة. وعاد نتنياهو الى تكرار المطالبة بتشديد العقوبات على ايران مدعيا انه لن يتم رفع الخطر الايراني الا بتفكيك كل قدراتها النووية. وبرأيه يمكن التوصل الى اتفاق كهذا مع ايران فقط بزيادة الضغط عليها.
نتنياهو اعلن انتهاء المفاوضات!
وهاجم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، نبيل شعث، بنيامين نتنياهو امس وقال ان خطابه يشكل اعلانا رسميا عن انهاء المفاوضات من جانب واحد. واكد انه "يرفض بشكل مطلق" مطالبة نتنياهو المتكررة للفلسطينيين الاعتراف بيهودية اسرائيل.
ونشرت صحيفة "معاريف" نقلا عن مصادر فلسطينية ان الفلسطينيين يحاولون اعادة طرح تجميد الاستيطان كقضية رئيسية على جدول الأعمال مع اقتراب نهاية التسعة أشهر المخصصة للمفاوضات. وقالت مصادر فلسطينية للصحيفة ان ابو مازن لن يوافق على مسار إطلاق سراح مزيد من الأسرى مقابل استمرار المحادثات، ووصفوا هذا المسار بأنه "حفرة" لا يريد أبو مازن دخولها ثانية. لأنه تعرض الى ضرر صعب من هذا المسار في المرة السابقة. فالانتقادات الداخلية الفلسطينية له كانت مؤلمة، ولم تتوفر لديه اجوبة على السؤال البسيط: لماذا يواصل الفلسطينيون المفاوضات في وقت يتواصل فيه بناء المستوطنات " ؟ لذلك، أوضحت المصادر، انه سيكون لاستمرار المفاوضات مع إسرائيل ثمنا يتمثل في المطالبة بتجميد البناء في المستوطنات.
الى لك تقتبس "هآرتس" عن رئيس حزب العمل اسحاق هيرتسوغ قوله انه يؤيد ما جاء في خطاب نتنياهو حول الثمار التي ستجنيها اسرائيل من السلام، وان الترتيبات الأمنية مطلوبة في كل اتفاق، لكنه اعرب عن تشككه بكون نتنياهو يسعى حقا الى قيادة اسرائيل نحو اتفاق سياسي. وقال هرتسوغ انه يعارض حركة المقاطعة الدولية، لكنها للأسف، اصبحت تشكل تهديدا استراتيجيا لاسرائيل، ويمكن لعدم القيام بخطوة سياسية أن يساعد قادتها.