لمحت نظرة استياء بعيني أحد الأصدقاء عندما تقابلنا منذ فترة ..وقد تكشف ذلك لما تطرقنا إلى الحديث عن مقال ٍ كنت قد نشرته عبر الفيس بعنوان :"سر اختفاء العباقرة بين البادية والقرية ..!! " ومن مقتطفات ذاك المقال والذي قلت فيه :" حقيقة لست ضد التقدم والحياة الراقية ولكني أقول هنا ليس من باب التشاؤم أو الإحباط أنه كلما تتطور الوسائل التكنولوجية لا تنتابني فرحة عارمة بها كأي إنسان عادي. بل تصيبني رجفة ووحشة وقشعريرة تسري في عروقي فتدغدغ كياني كحبات القمح عندما تلتهما الحصادة الزراعية"
ما يهمني هنا في ذاك الأمر هو تلك الانتقادات التي وجهها لي ذاك الصديق الذي علق قائلا : عفوا ..أستاذي أنا أختلف معك بالرأي في أنه كلما تطورت بنا الحياة اشتدت صعوبة وتعقيد ،إذا كنا نعلم صغارنا بالمدارس أن التقنيات توفر الوقت والجهد فكيف بنا أن نقول لهم اركبوا الخيل والبغال ولا تركبوا القطار أ والسيارة أو الطائرة ..كيف بنا إذا قلنا لهم إن أردتم اجتياز البحار فعليكم بالمراكب الشراعية ، وهم يعلمون أن السفن قد جاءت ..؟!! قلت له وهل قلت أني ضد التحضر والتطور كل ما قصدته هو رؤية شعورية خاصة داهمت وجداني وداعبت مخيلتي و لا أفرض تلك الرؤية الذاتية على الغير .. فمن رأيي لما كان التلفاز لا يعرض لنا في البدء سوى لونين عزيزين هما الأبيض والأسود كان هنالك لونين لا ثالث لهما ..،وكانت قنواتنا الأرضية وليست الفضائية لا تتجاوز القناتين ورغم ذلك كانت مجرد مشاهدتنا للتلفاز آنذاك متعة لا تدانيها متعة أما اليوم في ظل شق قنوات فضائية تحمل مياهها ألف سفينة خاوية أو أكثر لاتسمن ولا تغني من جوع ،فأنى للمتعة بالمشاهدة وقد رحلت منذ زمن ، وكذلك كانت صورنا الفوتوغرافية طبيعية لم تعرف الفوتوشوب والذي اسميه عمليات التجميل السريعة لصورنا بلا جراحة أو تكلفة وما أدراك ما الفوتوشوب وما سببه من إشكاليات كبيرة لاستبدال أناس مكان الآخرين بكل زيف ومكر ..فكم غير الفوتوشوب صور الصالحين بالعصاة، وصور الأبطال بالطغاة والجبناء وكما بدل الفوتوشوب الرؤوس بالأذناب ٍ ،لذلك كانت الناس زمن الأبيض والأسود ..واضحة في سلوكياتها وأخلاقياتها ..واضحة في معاملاتها ..تغمرهم روح الجماعة والحب والاحترام وتنعم بالمشاركة الفعالة في الفرح اوالحزن ..لكن اليوم تغير كل شيء ،وقد تباعد كل شيء حولنا في ظل الغزو التتري ليس للألوان المختلفة المتداخلة بكل فضول فحسب بل هو غزو متكامل ضرب أواصرنا .. فضاعت ملامح تلك الصورة الطبيعية ، واصطبغت حياتنا بعادات وتقاليد شاذة عقيمة تسللت إلينا في عقر ديارنا .. إذا كانت التقنية الحديثة يا عزيزي جعلت من اللون الأحمر أو غيره عدة الآلاف من ذات اللون وإن لم تك تدركها الأبصار ..فكيف بنا إذا أن نرى أو ندرك الأمور أو نحكم عليها اليوم وقد عميت القلوب .. عفوا صديقي العزيز رغم احترامي لرأيك وآراء الآخرين الذين هم على النقيض مما أقول إلا أني ،لا زلت أقول أن أحوالنا المعيشية اليوم والمجتمعية هي أشبه ما تكون بالحرباء ..!!