مجلس التعاون الخليجي تحدي مصيري

بقلم: راسم عبيدات

لأول مرة منذ انشائه عام 1981،تعصف بمجلس التعاون الخليجي أزمة تهدد وجوده وبقاءه،فهذا المجلس الذي تأسس لإحتواء ومواجهة تداعيات الثورة الخمينية في ايران عام 1979 ومنع تمددها الى دول الخليج،والتأثير على إستقرارها واوضاعها الداخلية،وبالتالي تهديد عروش حكامها المتربعين على صدور شعوبهم والناهبين لخيراتهم وثرواتهم والمبددينلها في قضايا لا تخدم شعوبهم ولا رفاهيتها ولا تطورها ولا الدفاع عن امنها القومي،بل تبدد تلك الثروات على دعم دول وقوى،كان لها دور كبير في التصادم والتناقض،بل والتامر على الأمن القومي العربي،وحتى المشاركة الفعلية في تهديد إستقرارها ووحدتها الجغرافية ودعم القوى المتآمرة عليها والساعية لتدميرها وتفتيتها.

هذا المجلس المشكل من ستة دول هي السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان والكويت،كان يحدو القائمين عليه التحول من معاهدة امنية صغيرة الى اقتصاد متكامل،ولكن هذا بقي املاً وتكسر على صخرة الخلافات بين أعضائه،حيث لم نشهد ولادة أي اتحاد جمركي او عملة موحدة أو ربط إقليمي لشبكات الكهرباء أو تشكيل قيادة عسكرية موحدة لجيوش دول المجلس،ويعزو البعض الفشل في ذلك الى هيمنة السعودية على هذا المجلس والنزاعات الحدودية والصراع على النفوذ والدور العربي والاقليمي والدولي،وتحديداً بين قطر والسعودية.

فالخلاف بين أعضاء المجلس على السياسة الخارجية وكيفية التعاطي مع ما يحدث من تطورات وتغيرات في العالم العربي بعد ما يسمى ب"الثورات العربية" او بالتوصيف الغربي"الربيع العربي" بات يهدد بإنفراط عقد هذا المجلس،الذي استطاع رغم كل الخلافات السابقة بدءاً من الثورة الخمينية في ايران ومروراً بحرب العراق وإحتلاله ان يبقى موحداً،إلا ان ما حدث من تطورات وخطوات غير مسبوقة،تمثلت في سحب السعودية والامارات والبحرين لسفرائها من قطر،على خلفية الإتهام لقطر بزعزعة استقرار الأمن والإستقرار في تلك الدول،ودعمها لحركة الإخوان المسلمين،وللجماعات المتطرفة والمتأسلمة في سوريا وغيرها من البلدان العربي،وإيوائها لجماعات معارضة لتلك الدول،واستغلال قناتها الاعلامية الجزيرة للتحريض على تلك الدول،ودعم جماعة الاخوان المسلمين في مصر،تلك الجماعة العدو اللدود للامارات سياسياً ومذهبياً،وكذلك مع السعودية حيث الخلاف المذهبي والسياسي معها.

فعلى هذا الصعيد في شباط الماضي استدعت الامارات السفير القطري لديها على خلفية خطبة للقرضاوي،شيخ ومفتي قطر وجماعة الإخوان المسلمين ألقاها في احد جوامع قطر،إتهم فيها الامارات بأنها تعارض الحكم الإسلامي،ومثل هذا إهانة للامارات،ورغم ان قطر قالت بان القرضاوي لا يمثل السياسة الرسمية لدولة قطر،إلا انه واصل بث سمومه حيث اتهم السعودية بدعم من يبتعدون عن الإسلام في مصر في إشارة لدعم السعودية للقيادة المصرية الجديدة والعسكر في مصر.

وللعلم فدول مجلس التعاون الخليجي التي عصفت بها خلافات سابقة،والتي سناتي الى ذكرها،لم تبلغ ما بلغته الآن من خلافات لها طابع استراتيجي يهدد بتفكك هذا المجلس والتصادم بين أعضائه،فهذا المجلس سابقاً لم يعول على أية جيوش عربية قوية لحماية امنه وإستقراره،بل كان مرتبط بمعاهدات دفاعية واتفاقيات امنيه مع امريكا والدول الغربية للدفاع عن امنه وسيادته،بل كانت على معظم أراضي أعضائه،ان لم يكن على جميع أراضي دوله قواعد عسكرية امريكية وغربية.

فالخلافات السابقة بين أطراف مجلس التعاون الخليجي تراوحت بين خلافات على ترسيم الحدود والسياسة الخارجية وانتقاد حكام وشيوخ وامراء في وسائل الإعلام دولة ضد أخرى،وخصوصاً بين السعودية وقطر،وكان الخلاف الأعنف هو حصول سلسلة اشتباكات حدودية بين قطر والسعودية عام 1992،ادت لسقوط خمسة قتلى،وكذلك عدم وجود سفير سعودي في قطر لمدة خمس سنوات منذ عام 2002،وذلك بسبب ما تبثه قناة الجزيرة من تحريض ضد العائلة الحاكمة في السعودية،وكذلك كانت هناك خلافات قطرية – إماراتية على خلفية منح دبي الإقامة للأمير القطري الذي اطيح به عام 1995،كما حصلت اشتباكات بين قطر والبحرين،وخلافات على نحو أصغر بين الفترة والأخرى بين السعودية وسلطنة عمان والامارات العربية.

والخلافات كانت تتركز بالأساس بين السعودية الأكثر سكاناً والتي تريد الهيمنة على المجلس وتوجيه سياساته بما يخدم سياستها ورؤيتها للأمور في المنطقة عربيا واقليميا ودوليا،وقد حاولت في عام أواخر 2011 ان يشكل مجلس التعاون اتحادا اقوى على اساس سياسة خارجية وأمنية مشتركتين،ولكن عمان بشكل رئيس والكويت لم تتحمسان لهذه لفكرة،حيث كان هدف السعودية من ذلك تشكيل حائط صد أمام ايران لمنع تمددها وتأثيرها على الأوضاع الداخلية في دول الخليج،ولمنع أي تراخي دولي ضد برنامجها النووي،وبما يهدد الدور والمكانة العربية والإقليمية والدولية للسعودية،ولتكتشف لاحقاً بأن عمان قد قادت محادثات سرية من خلف ظهرها بين امريكا وايران للإتفاق حول برنامجها النووي،وبين قطر الامارة الميكروسكوبية،والتي كانت تعتقد بأن الكاز والغاز والنفط لديها،وأسطولها الإعلامي "الجزيرة" والدعم الخارجي توفر لها القيام بدور عربي وإقليمي ودولي اكبر بكثير من حجمها الطبيعي،وهذا ما بدى واضحاً في دورها ودعمها لما يسمى بثورات الربيع العربي،وسطوتها على قرارات الجامعة العربية،ولتصبح الآمر الناهي في كل ما يتعلق بالشأن العربي،وليتراجع هذا الدور بعد الفشل القطري في سوريا.

ولكن كل ذلك لم يثن قطر عن مواصلة دعمها للقوى المتطرفة في سوريا وجماعة الإخوان المسلمين في مصر،والتحريض على جيرانها وحلفائها الخليجيين،وبث "جزيرتها" ومفتيها ومفتي الإخوان القرضاوي للسموم والتحريض عليها،المر الذي دفع بثلاثة من دول المجلس السعودية والامارات العربية والبحرين لسحب سفرائها من قطر،وإغلاق قنوات فضائية "الجزيرة".

بإنتظار ما تؤول إليه الأوضاع والتطورات عقب هذه القرارات،فإن مجلس التعاون الخليجي يواجه تحدياً مصيرياً يهدد بإنفراط عقده وتفككه.