استوحى وزير الخارجية الأمريكى خطته من المفهوم الإسرائيلى للسلام خاصة السلام الاقتصادي بمعناه المزدوج العمالى الذى طرحه بيريز فى مشروعه للشرق الأوسط الجديد، والليكودى الذى طرحه نتانياهو والذى يتركز على تحسين شروط حياة الفلسطينيين الاقتصادية والإبقاء على الاحتلال، وتجاهل المضمون التحررى للنضال الفلسطينى من الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية.
كما أن جون كيرى استبدل المسار التفاوضى السياسى بإجراءات اقتصادية، هدفها تحسين الوضع الاقتصادى فى الأراضى التي احتلتها أسرئيل ولاتزال تحتلها ويعتقد في مخيلته أن ذلك حافزاً يشجع السلطة الفلسطينية على الجلوس إلى طاولة التفاوض، وتجاهل شروط المرجعية المعتمدة للمفاوضات ووقف الاستيطان.
ووضع كيرى خطته فى إطار ما يسمى "بناء الثقة" لتهيئة أجواء التفاوض بين الطرفين، من خلال إزالة بعض الحواجز العسكرية وتسهيل حركة التنقل وتوسيع نطاق سيطرة السلطة خاصة فى المنطقة (ج) وفق اتفاق أوسلو عام 1993، وكذلك تطوير البنية التحتية وتخفيف قيود البناء والإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو.
حيث تتضمن هذه الخطة ضخ 4 مليارات من الدولارات كاستثمارات فى الأراضى المحتلة، وهذه الاستثمارات ستدفع نحو زيادة الناتج المحلى الإجمالي الفلسطيني بنحو 50% فى ثلاث سنوات، وتخفيض نسبة البطالة إلى الثلثين وتزيد من قيمة الرواتب بنحو 40%، بالإضافة إلى ذلك السماح للسلطة باستغلال الفوسفات من البحر الميت وتطوير حقول الغاز أمام شواطئ غزة.
ورغم انخفاض سقف خطة جون كيرى والتفافها على أسس ومرجعية وجوهر القضية الفلسطينية، فإن ما تضمنته هذه الخطة يتناقض مع الوقائع التى خلقها الاحتلال الإسرائيلى على الأرض؛ حيث أحكم الاحتلال السيطرة على المنطقة (ج) فى الضفة الغربية، وقام بنهب الموارد الطبيعية الفلسطينية، والهيمنة على مفاتيح الاقتصاد والمعابر والحدود والتجارة والتنقل عبر الجدار العنصرى والطرق الالتفافية والاستيطان وحصار غزة وعزل القدس.
إن خطة كيرى المستوحاة من مفهوم السلام الاقتصادي الإسرائيلى الذى يستهدف الإبقاء على الاحتلال واختزال القضية الفلسطينية فى إجراءات اقتصادية لتحسين شروط الحياة، فى ظل بقاء الاحتلال، تستهدف الضغط على القيادة الفلسطينية وهى الطرف الأضعف فى توازنات التسوية، وتتجنب الضغط على الطرف الأقوى فيها أى إسرائيل، خاصة بعد فشل أوباما وكيرى أمام تعنت حكومة اليمين الإسرائيلية، وثبت للمرة المائة أو ما يزيد على ذلك عدم قدرة وربما عدم رغبة- الولايات المتحدة الأمريكية فى ممارسة الضغط على إسرائيل، ورؤية حقيقة المطالب الفلسطينية باعتبارها مطالب تحرير وطنى وهوية وتحرر من الاحتلال، الذى يكاد أن يكون الاحتلال الأخير القائم علي الكرة الأرضية.
كما برز في الخطة العديد من التناقضات و علامات الاستفهام حيث تم الحديث في ركائز دعم مبادرة السنوات الثلاث عن إعادة فتح المعابر التجارية في غزة للسماح ببيع البضائع في الضفة الغربية و إسرائيل , بالرغم من إغلاق و إزالة إسرائيل لكافة معابر قطاع و إبقائها على معبر كرم أبوسالم كمعبر تجاري وحيد لقطاع غزة.
كما تم الحديث عن تسهيلات خاصة لعبور السياح الأجانب إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون ولم يتم الحديث عن تنقل المواطنين الفلسطينيين من قطاع غزة للضفة الغربية و العكس.كما تجاهلت الخطة الأزمة المالية للسلطة وطرق معالجتها في ظل تراكم ديون على السلطة تتجاوز 4 مليار دولار وهي تمثل قيمة الدعم المرصود في الخطة وعجز في الموازنة السنوية يتجاوز مليار دولار.ولم تتحدث أو تتطرق الخطة عن أي آليات أو مبادرات لدعم المشاريع الصغيرة و التي تتناسب مع حالة الاقتصاد الفلسطيني.كما لم تتطرق الخطة لإنشاء بنك مركزي فلسطيني أو إصدار عملة وطنية لتساهم في استقرار مالي يساهم بجلب الاستثمارات الخارجية مما يدعم النمو و التطور للاقتصاد الفلسطيني. ومن أهم التطلعات المرجو تحقيقها للاقتصاد الفلسطيني خلال 3 سنوات من تطبيق الخطة( نمو حقيقي في الناتج المحلى الإجمالي يبلغ 50% خلال ثلاث سنوات بقيمة تزيد عن 5 مليار دولار مما سوف يساهم في ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي.وخفض معدلات البطالة للوصول إلى 8% عن طريق خلق أكثر من 330ألف فرصة عمل خلال الثلاث سنوات , علما بأن عدد العاطلين عن العمل 301,200 شخص في الربع الرابع لعام 2013 ومعدل البطالة في فلسطين 25.2% , حيث بلغ معدل البطالة في الضفة الغربية 18.2% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 141,600 شخص , وفي قطاع غزة 38.5% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 159,600 شخص). وفي حال الوصول إلى اتفاق سياسي، فإنه سيعطي هذه المبادرة، وكل مشاريع التنمية ومشاريع القطاع الخاص الأخرى دفعة قوية جدا، لأن المعوق الأساسي أمام برامج التنمية الفلسطينية دائما يتمثل بالممارسات الإسرائيلية. وإذا لم يتحقق اختراق سياسي فإن تنفيذ المبادرة لن يكون سهلا. قد نستطيع تنفيذ جزء منها، لكن لا ضمانات لتنفيذها بشكل كامل.
وكما نرغبه نحن كمجتمع فلسطيني هو ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على مواجهة تحديات المرحلة الحالية السياسية والاقتصادية .و ضرورة إيجاد طرق وآليات للربط الجغرافي بين قطاع غزة و الضفة الغربية و حرية حركة الأفراد و البضائع دون التدخل الإسرائيلي , وذلك لتنمية التجارة الداخلية , و السياحة الداخلية بين شطرى الوطن وإزالة الحواجز الموجودة بين محافظات الضفة الغربية , ويبقى الجدار الفاصل كأهم المعيقات في وجهة أي خطط للتنمية الاقتصادية . وضرورة مشاركة الخبراء الاقتصاديين الفلسطينيين و القطاع الخاص الفلسطيني بأي خطط أو مبادرات أو اتفاقيات تتعلق بالاقتصاد الفلسطيني .
د.هشام صدقي ابويونس
كاتب ومحلل في الاقتصاد السياسي
عضو الأمانة العامة لشبكة كتاب الرأي العرب