عندما يرقص نتنياهو مبكراً...!

بقلم: هاني العقاد

بعد عودته من واشنطن مباشرة وبعد فهمه أن اوباما لم يستخدم أي نوع من أنواع الضغط عليه, وانه لم يتلقي انتقادا شديدا لسياسته مع الفلسطينيين من قبل اوباما لاعتقاده أن الكونغرس الأمريكي أوعز لاوباما بأن لا ينتقد نتنياهو لموقفه السياسي ولا يمارس ضغط معين لإحداث تنازلات سياسية لصالح عملية المفاوضات , لهذا اعتقد انه كسب معركة التفاوض مبكرا وانتصر على أبو مازن ولم يبقي أمام الأخير إلا القبول بما تمليه عليه إسرائيل وأمريكا , ركبه غروره السياسي ورقص أمام التلفزيون الإسرائيلي القناة الثانية ساخرا بتصريحات عنصرية متطرفة , تعدي في تصريحاته الخط الأحمر وبدا كأن شيئا أصاب عقله, فلا اعتقد أن اختلال أجواء آذار قد أثرت عليه ,ولا اعتقد أن سخونة المعركة التفاوضية وانحياز أمريكا لجانب هذا الرجل في لقاء اوباما حسب تفسيره دعته ليتصرف هكذا تصرف و يصرح هكذا تصريحات ,فلا يمكن الحكم على العام من خلال آذار ولا يمكن الحكم على نتيجة الموقف الأمريكي من لقائه باوباما ,وإن دلت تصريحاته على شيء فإنها تدل أن هذا الرجل يرقص مبكرا وهو يعرف أن المفاوضات لم تبدأ بعد ولم يقول الأمريكان كلمتهم بوضوح فيما يتعلق بالصراع وحلوله حسب إطار أمريكي معين كما ينتظر الجميع , ورقص هذا الرجل مبكرا يعني بالدرجة الأولى انه لا ينتظر ما ستتمخض عنه زيارة أبو مازن لأمريكا وكأن لا أطراف على ساحة أو الضفة الأخرى لعملية السلام , ولا يعي ضرورة عبور النهر ليقابل الفلسطينيين عن الحافة الأخرى .

نتنياهو ذهب بعيدا عندما قال انه يريد أبو مازن أن يقف في جامعة بير زيت ويعترف بالدولة اليهودية ,وأضاف "انه يريد من أبو مازن أن يفهم أن من واجباته الاعتراف بالدولة اليهودية، وان إسرائيل لن تسمح بتسوية سلمية تهدف إلى عكس السلام، وقال مشددا لمن لا يفهم كلامه : "أنا اقصد ما أقوله من أمور وإنا استطيع تنفيذ ذلك بشرط يهودية الدولة", وما يفهم من هذا الكلام أن نتنياهو لن يوقع أي سلام دون اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية ,ولن يوقع أي اتفاق سلام خارج مستويات العنصرية الصهيونية ,ولن يوقع سلام يعطي الفلسطينيين سيادة على ارض وحدود العام 1967 , ولن يوقع سلام إلا إذا أصبح الفلسطينيين أدوات تستخدمها إسرائيل لتعيش وتعلوا وتسموا على كل القوانين الدولية والآدمية و الإلهية , يريد من أمريكا أن تفرض على الفلسطينيين ورقة استسلام لا سلام يمكن أن يسود منها أجواء من العدل والأمن والاستقرار,ويريد من الأمريكان أن يضعوا نقاط مسيرة التفاوض في ورقة لا وثيقة رسمية يمكن تجاهلها في النهاية وتعتبر كأنها لم تكن ولا تلزم إسرائيل بشيء , ولا اعتقد أن نتنياهو فكرا مليا فيما يقول لم يدرك تبعات بالحسبان هذه التصريحات بقدر ما قاده تطرفه إلى هذا وأوصله إلى أن أبو مازن يمكن أن يوافق حتى على دولة فلسطينية دون القدس ,ودون اللاجئين ,ودون حدود معترف بها ,و دون اعتراف نتنياهو شخصيا بأن إسرائيل دولة احتلال سرقت ونهبت واستوطنت ارض الفلسطينيين بالقوة المسلحة , كان الأولى لنتنياهو أن يسال نفسه عدة أسئلة قبل الرقص في الهواء دون داعي حقيقي إليها ,ماذا سيحدث أذا اعتمدت أمريكا على حالة من العدل في رعاية مسيرة السلام ...؟ وماذا سيحدث في اليوم التالي إذا ما أوقفت المفاوضات دون نتائج وأحبط الشارع الفلسطيني ..؟؟ وكيف سيتصرف هو وأمريكا إذا خرج الفلسطينيين غاضبين من غرفة التفاوض ...؟ , وماذا سيفعل إذا ترك أبو مازن السلطة وغادر إلى مكان ما ؟ هل سيجد نتنياهو من يعترف له بيهودية دولة إسرائيل حتى ولو بعد 100 عام .

لعلنا كفلسطينيين يمارس عليهم كل أنواع العنصرية والاحتلال وموبقاته و كوارثة من استيطان وتهويد كنا في أمس الحاجة لمثل تصريحات نتنياهو المتطرفة والتي إن دلت على شيء فإنها تدل على مدي التطرف الذي تعتنقه حكومة إسرائيل ويكشف عدم نضوجها للسلام ,وعدم استعدادها لان تعيش في سلام عادل يمكن من فرض حالة من الأمن والاستقرار الطويل ,وتكشف لنا أن أي سلام يحقق للفلسطينيين طموحهم السياسي فتقرير مصيرهم لن يقبله نتنياهو وحكومته ,وبالرغم من هذا فإن هذا التطرف مفيد للفلسطينيين في مسيرة استعادة حقوقهم على المستوي الدولي وأمام حلفاء إسرائيل أنفسهم ,وأمام حلفاء الفلسطينيين ومن يشجع حل الدولتين والتعايش السلمي كأسلوب لحل الصراع التاريخي المرير, وكان الأولى لنتياهو أن يكون أكثر واقعية على الأقل ليجد تصريحات تليق بشريك لصنع السلام يريد أن يقنع العالم بأن كيانه يسعي لصنع السلام ,لمن تلك التصريحات بالفعل تليق بمحتل فاسد عنصري قاتل يكشف نفسه سريعا ويرقص مبكرا كالطفل الذي ابتسمت له أمه قبل أن تحضنه وتضربه بالحذاء ليتراجع عن فعلته السوداء.