حين تعتكف الأجيال القادمة على دراسة التاريخ المعاصر ستجد بلا شك أن كفاح المضطهدين ونضالهم من أجل الحرية وتقرير المصير كان هو السبيل الوحيد لنجاة المقدسيين مسلمين ومسيحين من ظلم وبهتان العدو الاسرائيلي الغاشم، حيث ساهم رجال ورموز القدس منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي مساهمة فعالة في نضال الشعب الفلسطيني وبروز معالم قضيته للعالمين العربي والاسلامي وللعالم الغربي.
وكأن التاريخ ما زال يكرر نفسه منذ ذاك الوقت حتى يومنا هذا فزدادت وتيرة الاعتداءات على القدس ومقدساتها فلم يسلم الحجر ولا البشر من انتهاكات الاحتلال لهم فالعائلات المقدسية تعلمت الصمود في حرب التطهير العرقي الذي تسعى اسرائيل به جاهدة لتطهير القدس من اصحابها وملاكها وزرع اكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود في بؤر استيطانية تستولي عليها بالقوة والتزوير، فكم حاول المستوطنون اليهود اغتصاب القدس وتدنيسها ولكنها ظلت كعادتها شامخة عزيزة توضح للعالم أن للحق رجال وللعقيدة رجال نذروا لها أنفسهم واسترخصوا كل غال في سبيل نصرتها .
ولكن اليوم حين دخول القدس والسير بين أزقتها وسماع هموم سكانها، ترى ضروب الإذلال والإمتهان، فضرائب الاحتلال طالت المحال التجارية المتواضعة، وأيضًا على المساكن المتهالكة، وقرارات وقف جمع الشمل التي حرمت الآلآف من عائلاتهم، ناهيك عن تهجير السكان والاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم ومنحها للمستوطنين حتى باتت بيوت القدس عربية تحوي عائلات يهودية، وعمليات هدم المنازل وتشريد سكانها في ذروتها، وبناء جدار عازل يقطع أوصال المدينة، وحدائق تلمودية التهمت الارض وهودتها، ومقدسات إسلامية مسيحية تستغيث من هول التدنيس والتدمير، فالأقصى المبارك بات محرماً على المسلمين تفتح أبوابه لجموع المستوطنين، يجوبونه مدنسين ومهددين، وكنيسة القيامة تشتاق للمؤمنين، واقفين على حدود القدس وبواباتها لا يسمح لهم بالوصول اليها...هذا وغيره الكثير من التهويد لتحيق هدف رئيس وواضح لدولة اسرائيل حكومة وشعباً طرد المقدسيين وجعل القدس يهودية لليهود وحدهم.
أساليب الطرد والتهجير:
*عدم الترخيص
يعتبر عدم الترخيص أبرز الادعاءات والاساليب لهدم البيوت وتهجير سكانها، فهو واحد من أهم الأساليب التي تتبعها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لإجبار المقدسيين على النزوح وترك الأرض، هو الادعاء بأن منازلهم غير مرخصة، ناهيك عن فرض عقوبات فادحة على البناء المخالف للقانون في القدس الشرقية، واجبار المقدسيين المخالفين على الهجرة والرحيل إن لم يلتزموا بالأوامر، كما تعمد إلى فرض غرامات مالية باهظة على الفلسطينيين إذا لم يتقدموا بأوارق رسمية تثبت ملكيتهم الشرعية للمنزل أو الأرض المقام عليها، الأمر الذي يقضي بتشريد الآلاف من الأسر الفلسطينية وتركهم المدينة المقدسة، نازحين باتجاه مدن الضفة الغربية، وبذلك يكون الاحتلال الصهيوني حقق مأربه في الاستيلاء على أكبر مساحة من القدس، وتقليص عدد الفلسطينيين في القدس المحتلة.
ومن أساليب الطرد والتهجير فرض الضرائب المالية الباهظة والتي تعتبر ضريبة الدخل وضريبة الأملاك، بالإضافة إلى ضريبة السكن - الأرنونا- وضريبة التأمين الوطني أبرزها، حيث عمدت سلطات الاحتلال الى فرض الضرائب الباهظة على كافة مناحي الحياة في المدينة المقدسة، ما أدى بالتجار وأصحاب محال الحرف والأعمال اليدوية الى الإفلاس أولاً، وهجرة التجار ثانياً، حيث أصبحت الضرائب والرسوم المفروضة على التجار باهظة جداً لا يقوى الواحد منهم على دفع جزء ضئيل منها، وبالتلي يكون مجبراً على اغلاق محله، وهو ما يتم ملاحظته لحظة دخول البلدة القديمة حيث باتت معظم محالها مغلقة وما لم يغلق منها تحول الى بسطات صغيرة هنا وهناك أملاً بالصمود.
*قانون القومية
عمدت قوات الاحتلال إلى حرمان الفلسطينيين الذين يحملون الهوية المقدسية والمتزوجين من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 67 في الضفة الغربية وقطاع غزة، من منح أبنائهم الهوية المقدسية وفقًا لقرار 1813 (الخاص بقانون القومية والدخول إلى "إسرائيل") والذي تم على إثره وقف التعامل الإسرائيلي مع أي طلبات جمع الشمل، أو الإقامة الفلسطينية، بعد تجميدها من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، حيث يوجود أكثر من 20 الف طفل مقدسي محرمون من الحصول على اقامة مع اسرهم في المدينة المقدسة، فقد طرأ مؤخراً ارتفاعاً حاداً على عدد الفلسطينيين الذين تم سحب حق الإقامة الدائمة في القدس منهم، وهذا يأتي ضمن إطار السياسة الإسرائيلية الرامية لتهويد مدينة القدس وتقليص الوجود العربي الفلسطيني إلى اقل نسبة ممكنة، حيث تقوم إسرائيل بتفريغ القدس من سكانها فعلياً وقانونياً.
*جدار الفصل والعزل
بناء الجدار الفاصل في القدس أدى إلى تحويل جزء كبير من المدينة إلى "كانتونات" معزولة عن بعضها، بحيث يربط كل كانتون، على حدة، مع سلطة الاحتلال، التي تتحكم بمسار شؤونه اليومية، مما يحد من حرية التنقل، ويخضعها لإدارة الاحتلال، من خلال بوابات تفتح وتغلق، حسب رغبة سلطات الاحتلال وحدهم، كما أن الجدار حول القدس الشرقية يعزل هذه المدينة تماماً عن بقية الضفة الغربية، وينشئ تجمعات فلسطينية متشرذمة، كما يمنع المصلين من الوصول إلى أماكن العبادة في القدس، فضلا عن كونه يحتضن المستوطنات.
تعددت أساليب المحتل الاسرائيلي بمحاربة القدس وسكانها، حيث واصلوا الليل بالنهار، وأصدروا القوانين وشرعوا الاستيطان، وقتلوا وهجروا وسلبوا ودمروا لتحقيق هدفهم، ولذلك وجب دعم صمود المقدسيين في مدينتهو القدس، ونصرتهم للصمود في وجه ترسانة المحتل وجبروته ومخططاته لذلك، لا بد من:-
نصرة القدس والمقدسيين:
في ظل ما تتعرض له مدينة القدس من تهويد وتدمير، كل ذلك اثر سلبا على الشاب المقدسي فاصبحنا نرى الشباب في القدس يتعرضون الى:
1- الهجره :
· الهجرة الخارجية وهي التي يهاجر بها الشباب المقدسي من مدينة القدس الى دول الخليج العربي و الدول الغربية للبحث عن فرص عمل.
· الهجرة الداخلية وهي التي يهاجر بها الشاب المقدسي الى الضفة الغربية للعمل في المؤسسات الفلسطينية أو المؤسسات الأجنبية الموجودة هناك، وهذا ما يعني انتقال حياته كاملة الى هناك.
2- العمل في المؤسسات الاسرائيلية، حيث أن حالة الإحباط التي يعيشها الشباب في المجتمع الفلسطيني بسبب قلة الوظائف وفقدان الأمان داخل مجتمعه أثر سلباً في تردي الحياة الإقتصادية والسياسية مما أدى الى :
· التسرب من المدارس واللجوء للعمل في الورشات و المصانع و المحال التجارية الاسرائيلية.
· الطالب الذي ينهي مرحلة تعليمه الجامعية نجده يعمل في المستشفيات او المكاتب القانونية و ما الى ذلك من ما يعرف بمؤسسات الدولة وخاصة لما تقدمه من مبالغ تفوق تلك التي يمكن أن تقدمها المؤسسات الفلسطينية.
3- اماكن السكن، إن غالبية الشباب المقدسيين خلال بحثهم عن الاستقرار في حياتهم تواجههم مشكلة السكن و ارتفاع الأجور في مدينة القدس لذلك غالبا ما يلجأ للسكن أما في الضفة الغربية او في المناطق المصنفة "ج"، وهذا ما يقلل من نسبة التواجد الفلسطيني داخل مدينة القدس.
لا بد من نصرة القدس وسكانها وخاصة الشباب لدعم صمودهم في مواجهة المحتل الاسرائيلي الغاشم، ومن وسائل نصرة القدس ما يلي:
- الدعم المالى للمقدسيين: يعتبر الدعم المالي من ابرز وسائل الدعم وأهمها، لما يعانيه المقدسي اليوم من تضييق من قبل سلطات الاحتلال، وفرض غرامات مالية باهظة، فالمقدسيين يعانون اليوم أشد معاناة من قلة المال وعدم وجود دعم لهم يساعدهم على البقاء فى القدس حيث يفرض عليهم العدو الضرائب الباهظة والرسوم الكثيرة فى محاولة منه لجعلهم يضيقون ذرعا بالمكوث فى القدس وبالتالي خروجهم منها، وهذا ما يريده الاحتلال حيث تتغير التركيبة السكانية للقدس الشريف فيسهل بعد ذلك انتزاعها، فالدعم المالى لهم يعنى دفعهم للمكوث فى القدس وعدم الخروج منها.
- المؤسسات الفلسطينية: على السلطة الوطنية الفلسطينية بذل كافة جهودها لارجاع افتتاح المؤسسات في مدينة القدس او افتتاح مؤسسات جديدة من شأنها تثبيت الشاب المقدسي وتوفير فرص عمل لهم من جهة و للتأكيد على أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة الفلسطين لذى يتوجب تركيز الثقل المؤسساتي بها، و تنفيذ مشاريع محددة قوامها الطاقات الشابة، من خلال التنمية والاعمار.
- المؤسسات الأجنبية أو العربية: اختيار الشباب للعمل في المنظمات على أساس المأسسة بالاستناد إلى اللوائح والنظم، واختيار الكفاءات المؤهلة بالخبرة والعلم وأساليب الإدارة الحديثة، بما يعزز لدى الأعضاء روح الانتماء للمؤسسة والانضباط الواعي للأنظمة والقوانين.
- العمل السياسي: تعزيز مشاركة الشباب الفلسطيني في القدس في صنع القرار من خلال التفاعل والمشاركة المجتمعية والسياسية المستمرة وإتاحة المجال لهم في حماية المشروع الوطني الفلسطيني.
- التوعية الإعلامية: توعية الشاب المقدسي من خلال المدارس و صفحات التواصل الاجتماعي على السياسة التي تتبعها دولة الاحتلال من أجل طرد المقدسيين و تضيق الخناق عليهم و دعوتهم بالصمود بالمدينة و تعزيز ارادتهم من خلال مشاركتهم بالعمل الوطني الذي بدأ يظهر بالآونة الأخيرة وهو البرامج التي تضعها المجموعات الشبابية المقدسية للحفاظ على الإرث العربي في القدس.
- دعم قطاعات الصحة والتعليم: يعتبر قطاعي الصحة والتعليم من ابرز المشاكل التي تواجه صمود المقدسيين في المدينة المقدسة، حيث هناك نقص في المشافي والعيادات الصحية، إضافة الى نقص حاد في المدارس ومستلزماتها حيث بات الاف الطلاب دون مقاعد دراسية، والعديد من المرضى يستجدون علاجاً، لذا يعتبر توفير النقص في المعدات الطبية والمراكز الصحية ومستلزماتها، اضافة لدعم قطاع التعليم في المدينة من اولويات نصرة المقدسيين.
- دعم قطاع الاسكان: يعتبر السكن من ابرز معاناة المقدسيين في ارضهم، في ظل ما تفرضه حكومة الاحتلال وبلديتها في المدينة المقدسة من قوانين صارمة تمنع المقدسيين من ترميم منازلهم، او البناء على اراضيهم، ناهيك عن مصادرة الاراضي وهدم المنازل، حيث بات المقدسيون يعيشون في بيوت قديمة مهترأة تفتقر لادني درجات الصحة، فتراها شيدية البرودة في الشتاء تنعمر المياه على رؤوس اصحابها جراء الشقوق والتسطحات، وشديدة الحر في الصيف يملؤها الحشرات، لذلك لا بد من وقفة حازمة لاعانة المقدسيين على الصمود والتحدي من خلال المنح السكنية واعادة الترميم.
في النهاية ان خصوصية الوضع الفلسطيني سواء في داخل الوطن أو خارجه، أفرزت جملة من المشاكل المركبة والمعقدة في أوساط الشباب الفلسطيني تتفوق على مشاكل كل الشباب في الدول المحيطة، وأسباب ذلك واضحة، ففي داخل الوطن تسبب وجود الاحتلال بما يحمله من قمع وملاحقة واعتقال وتخريب مجتمعي وقيمي بأضرار جسيمة طالت المجتمع وبناه وطالت الشباب بشكل خاص.
أن الشباب الفلسطيني وهم رأسمالنا الوطني يشكلون أغلبية في المجتمع الفلسطيني الفتي والشاب ويجب تمكين الشباب وإبراز دورهم ومكانتهم الطليعية عل كافة المستويات، مع ضرورة حماية وصون دور الشباب وبخاصة في ظل سياسات الاحتلال المباشرة التي تستهدف دور هؤلاء الشباب من خلال سياسات الإسقاط والمخدرات والفساد بأنواعه، الأمر الذي يتطلب الحذر واليقظة والانتباه وبخاصة في ظل تفشي ظواهر غريبة في مجتمعنا كالإدمان والاتجار بالمخدرات والسموم بأنواعه