مصر هي التي جعلت السعودية تحتضن حركة الإخوان المسلمين،وهي التي جعلتها تعلنها حركة إرهابية،فعندما طاردهم ولاحقهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أواسط الخمسينات بسبب محاولته الإنقلاب عليه واغتياله،فالسعودية التي كانت على خلاف جوهري وصراع مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على زعامة العالم العربي،والعلاقة مع امريكا والغرب الإستعماري،حيث كان الزعيم الراحل عبد الناصر يرى بعلاقة السعودية تلك إضرار بالمصالح العربية والأمن القومي العربي.
وإستناداً الى ذلك عملت السعودية على إحتضان الإخوان المسلمين المطاردين والهاربين من الملاحقة ووفرت لهم المأوى والعمل والدعم المالي والإغاثي،حيث عملوا في التعليم المدرسي والجامعي والتجارة والوعظ والمؤسسات الدينية،وعملوا على نشر فكر الإخوان ليس في السعودية،بل في الخليج العربي كله،وكانت السعودية محطة هامة وشريان تمويل رئيسي للجماعة في كل المنطقة من الخليج وحتى الأردن.
والآن بسبب مصر وبعد سقوط مرسي والإخوان المدو،وقيام نظام مصري جديد معاد للإخوان الذين حاولوا في فترة حكمهم والتي لم تزد عن العام تقديم الإيديولوجيا على الوطن،أي جعلوا حركتهم ومذهبيتهم فوق الوطن،وعملوا على اخونة السلطة والدولة والمجتمع،مما ادخلهم في تناقض مع أغلب مكونات ومركبات الشعب المصري ليسقطهم الشعب في ثورة 30/6/ 2013،وحيث أن حركة الإخوان المسلمين عملت على نشر الإرهاب والقتل والتخريب والفتنة في مصر،مانعة أي شكل من أشكال الإستقرار في مصر،وأي تقدم سياسي واقتصادي،فقد عمدت الحكومة المصرية الى اعتبارها حركة محظورة وغير شرعية،وما استتبع ذلك من إجراءات قضائية بحق قياداتها وكادراتها وأعضائها،وكذلك بنيتها التحتية ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والاغاثية واموالها وممتلكاتها،والسعودية التي وقفت الى جانب النظام المصري الجديد ضد حركة الإخوان المسلمين،تلك الحركة التي تستمد الدعم المالي والاعلامي والسياسي واللوجستي والإحتضان والايواء من قبل عدوتها اللدودة قطر،جعلتها تتخذ قرارا حازماً بإعتبار حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية،وبما يعني ذلك من تداعيات كبيرة على الحركة وانشطتها ووجودها ليس في الخليج،بل في كامل المنطقة،وخصوصاً ان السعودية قد خسرت سوريا وفشل مشروعها هناك،وهي لن تسلم بخسارة مصر.
والسعودية لن تكون مسألة حظر الإخوان واعتبارها حركة غير مشروعة و"إرهابية" مسألة داخلية او خليجية،فهي الان تعمل على تجفيف مصادر الدعم المالي والعسكري لكل الجماعات المسلحة في سوريا واعتبارها منظمات إرهابية،ما عدا ما يسمى بالجبهة الإسلامية والجيش الحر اللذان تدعمهما السعودية،وهي لذلك من المرجح أن تتجه لإستصدار قرار عربي من الجامعة العربية،حول تلك الجماعات بما فيها حزب الله وحركة الإخوان المسلمين،بإعتبارها منظمات إرهابية،وهذا فيه الكثير من الخلط والتعويم،وجزء منه مرتبط بالعداء لإيران،ولكن أي تكن الأمور فمن الواضح بأن هناك تفاعلات للقرار السعودي،فالإمارات العربية،والتي تتخذ موقفاً حدياً من حركة الإخوان المسلمين سياسياً وإعلامياً،ونحن نتلمس ذلك في خطابها ومواقفها وتصريحات قادتها،ولقد جاء إتهام شيخ الإخوان ومفتيهم القرضاوي في خطبة له في شباط الماضي من احد الجوامع القطرية للإمارات بإبتعادها عن الدين الإسلامي،ليصب النار على الزيت في علاقة الإمارات المتوترة مع جماعة الإخوان المسلمين،وهذا لم ينعكس فقط في إستدعاء السفير القطري لاحقاً وتقديم إحتجاج على هذا التصرف،بل خطت الإمارات والسعودية والبحرين،خطوات نوعية وغير مسبوقة بسحب سفرائها من الدوحة،وذهبت الإمارات الى أبعد من ذلك،في رسالة واضحة لحماس بإعتبارها جزء من حركة الإخوان المسلمين،بوقف تمويل مشروع إسكان الأسرى المحررين في قطاع غزة الذي تبرعت به قبل عامين أثناء زيارة رئيس وزراء الحكومة المقالة اسماعيل هنية إلى الإمارات قبل عامين.
جماعة الإخوان المسلمين الآن ستتم شيطنتها على مستوى عربي وإقليمي ودولي،اذا لم تبادر الى إجراء مراجعة جدية وعميقة لخطابها وسياساتها وحتى رؤيتها وفكرها،فهي ستجد نفسها معزولة مجتمعياً وشعبياً،فالتعاطف الشعبي والجماهيري الكبير الذي كانت تحظى به بسبب إتكائها على خطاب المظلومية والمعارضة،وإستغلالها للدين وحنفيات المال الخليجي والإسلامي لإستقطاب الجماهير الشعبية والطبقات والفئات الإجتماعية الفقيرة والمهمشة،تراجع بشكل كبير بعد وصول جماعة الإخوان الى الحكم في أكثر من قطر عربي وبالذات مصر،حيث إنكشفوا على حقيقتهم،كحركة إقصائية،إنغلاقية،مصلحة الجماعة واهدافها فوق مصالح واهداف الأمة والوطن.
وليس حركة الإخوان المسلمين وحدها ستعاني وستطالها الإجراءات المصرية والخليجية والتي ستتمدد عربياً فقط،بل ستكون حركة حماس هي الأخرى في صلب هذه الإستهداف،إذا هي لم تسارع الى التأكيد على إستقلالية موقفها وخطابها عن حركة الإخوان المسلمين،فمواقفها الملتبسة وتصريحاتها المتناقضة ودورها الداعم للإخوان في مصر،عكس نفسه على الموقف المصري منها،بإعتبارها حركة غير مشروعة،يجرم ويعتقل كل من تثبت علاقته بها على الأرض المصرية،وهذا عكس نفسه سلباً على شعبنا واهلنا في قطاع غزة،والذين نرى بان النظام المصري عليه ان يميز بين شعبنا في القطاع وبين حركة حماس،ولا يجوز ان ياخذ شعب كامل بجريرة حماس،وكذلك لا يجوز وضع حماس على قائمة الإرهاب،فهذا مقدمة لوسم النضال الوطني الفلسطيني بالإرهاب،وهذا مدخل خطير جداً.
نعم ما يحدث هو من سخريات التاريخ ومفارقته،ولكن تلك هي السياسة والمتغيرات والتطورات التي على حركة الإخوان المسلمين ان تقرأها جيداً فمشروعها سقط في مصر والشام ويترنح في باقي البلدان العربية والإسلامية،فهل تتعظ حركة الإخوان وتراجع سياساتها وخطابها وفكررها؟،ام ستنتحر على مذبح إنغلاقها وإقصائيتها؟.