التاسع والعشرون من إبريل القادم هو الموعد المحدد لانتهاء مهلة المفاوضات المتفق عليها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أمريكية ، ولا يوجد حتى اللحظة ما يشير إلي إمكانية حدوث إختراق حقيقي خلال الفترة القصيرة المتبقية لهذه المفاوضات والتي شهدت خلال الثمانية أشهر الماضية معارك دبلوماسية وموجات بين المد والجزر لم تفلح في تحديد ملامح الحل بين طرفي الصراع ضمن ما عرف باتفاق الإطار الذي يسعي لصياغته وزير الخارجية الأمريكي جون كيري .
ليس من المجدي الحديث عن أسباب الفشل المتوقع لهذه المفاوضات ، فهي واضحة ومعروفة للجميع وتتجلي في عدم وجود رغبة حقيقية لدى حكومة الإحتلال في الانخراط في عملية سلمية جدية تفضي إلي سلام حقيقي يضع حدا لسنوات طويلة من الصراع مع الفلسطينيين ، ولربما كان مجرد عودة القيادة الفلسطينية إلي هذه المفاوضات هو مكسب إسرائيلي وإن كان مؤقتا لما له من أثر إيجابي في إظهار حرص دولة الإحتلال علي السلام الذي ينشده العالم ويسعى لتحقيقه في منطقة الشرق الأوسط ، كما بات جليا بأن العملية السلمية تستخدمها إسرائيل كغطاء لجرائم الحرب التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني من قتل و استيطان ومصادرة أراضي ناهيك عما يحدث من انتهاكات جسيمة تطال الحقوق الأساسية للأسرى الفلسطينيين والعرب القابعين داخل سجون الإحتلال .
لست هنا لمناقشة جدوى المفاوضات كأحد أدوات النضال السلمي لنيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، فالمفاوضات إن استطاعت أن تحقق الأهداف المرجوة من ورائها فبها ونعمت ، ولا ضير من استمرارها طالما أنها تسير وفق ضوابط و تحكمها ثوابت وطنية مجمع عليها ولا يمكن إسقاطها أو الحياد عنها ، كما أنني لست مع من يجيرون رفضهم لمبدأ المفاوضات ويوظفوه في صراع البرامج والأيدلوجيات الدائر بين الأحزاب الفلسطينية ومحاولة كل فصيل إثبات صحة وفعالية برامجه وخياراته علي حساب برامج وخيارات فصيل آخر .
فبالرغم من الاعتقاد السائد في أوساط المراقبين والمحللين والمفاوضين أنفسهم بأن هذه المفاوضات لن تحقق لنا شيء في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة إلا أن القيادة الفلسطينية استطاعت أن تحقق إنجازا من ورائها "وإن كان متأخرا"، لا أبالغ حينما أقول بأنه أحد أبرز الإنجازات التي حققتها ، حيث تمكنت من إنتزاع حق هؤلاء الأبطال في الحرية دون تنازل أو مقايضة بأي من الحقوق والثوابت الوطنية ، حتى وإن اعتبر البعض بأن تجميد الانضمام للمؤسسات الدولية طوال فترة المفاوضات كان ثمنا مكلفا ، ولست أرى بأن ذلك ثمنا باهظا طالما أن المتغير الوحيد في هذه المعادلة هو عامل الزمن ، فالعضوية في المؤسسات والأجسام الدولية علي أهميتها قد تكون قابلة للتأجيل والتجميد لأجل محدد ، لكن حياة الأسرى وحريتهم المسلوبة لا تحتمل المزيد من الانتظار والتمديد ، كما أنه ليس من المنطقي أن نلقي جانبا أية فرصة مرتبطة بالمفاوضات نستطيع من خلالها تخليص إخواننا المعذبين خلف القضبان تحت وطأة الحكم المسبق بفشل هذه المفاوضات ، خاصة وأننا نتحدث عن أسرى مناضلين طحنتهم عقود من الأسر والقهر والتعذيب علي أيدي سجانيهم ، فهؤلاء يستحقوا التضحية ولا ضير في التكتيك والمناورة لتخليصهم من عذاباتهم ولكن دون المساس بالحقوق والثوابت التي ناضل هؤلاء من أجلها .
ومع اقتراب مهلة المفاوضات الحالية من نهايتها وفي خضم الحديث الدائر عن محاولات أمريكية للضغط علي الرئيس أبو مازن لتمديد المفاوضات ورفض القيادة لهذا العرض ، لا أجد ضررا أو عيبا في تمديدها إذا توفرت الفرصة لتكرار الإنجاز الذي تحقق بإطلاق سراح الأسرى القدامي ، وذلك من خلال اشتراط إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين مقابل تمديد المفاوضات علي أن تتضمن قوائم الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم كافة الأسيرات والأسرى المرضى والإداريين والنواب وفي مقدمتهم الأسيرين القائدين مروان البرغوثي وأحمد سعدات .
آمل أن تتبلور لدي القيادة الفلسطينية هذه الرؤية التي تستحق الدراسة والتبصر من قبل المفاوض الفلسطيني فلربما يكون الإنجاز الوحيد الذي قد نخرج به من هذه المفاوضات إن فشلت هو إطلاق سراح أسرانا الأبطال الذين يتطلعون بشغف نحو بارقة أمل من شأنها ضمان حريتهم والذين يجدون في الله أولا ثم في احتضان الرئيس أبو مازن لقضيتهم ثانيا نهاية لمأساتهم .
وقناعتي بأن المكانة التي باتت تمثلها قضية الأسرى في وجدان وضمير كل فلسطيني علي هذه الأرض ستكون دافعا للقيادة لتحقيق هذه الرؤية والموافقة دون تردد علي تمديد المفاوضات إذا وافق الإحتلال علي العرض الفلسطيني بإطلاق سراح الأسرى طالما أن ذلك لن يكون علي حساب الحقوق والثوابت الفلسطينية ، وطالما أنه يمثل الأمل المتبقي لأسرانا من أجل وضع حد لمعاناتهم المستمرة والتي تتعاظم وتزداد وتيرتها يوما بعد يوم .