بقدر ما يحتاج الفلسطينيون إلى رمز وقائد أو رئيس ليكون عنوانا لمخاطبة العالم الخارجي وقيادة الشعب في هذه المرحلة الحرجة، وبقدر ضرورة وأهمية أن يكون للسيد الرئيس أبو مازن كل الاحترام والتقدير كونه رئيس السلطة المنتخب ورئيس منظمة التحرير ورئيس حركة فتح وعدم قبول أن يُمَس شخصه أو يُهان لأن اهانته إهانة للشعب الفلسطيني، بقدر كل ذلك نؤكد دائما على أهمية وجود مؤسسة قيادة . قضية في حجم وتعقيد وتشعب القضية الفلسطينية ، وخصوصا في الوقت الراهن تحتاج لمؤسسة قيادة منظمة وقوية وعقلانية ، وبشكل عام فقائد أو زعيم يحكم بدون مؤسسة قيادة إما أن يتحول إلى دكتاتوري ومستبد أو مجرد واجهة لقوى أخرى تحكم بالخفاء ، حتى وإن لم يشأ أو يقصد الرئيس أن تأول الأمور إلى ذلك.
عندما تغيب مؤسسة القيادة يتم تحميل كل أخطاء النظام السياسي للرئيس حيث لا توجد مؤسسة رسمية أخرى يمكن محاسبتها ولا يوجد زعماء أو قادة كبار بجانبه يتحملون المسؤولية ويمكن تحميلهم المسؤولية عما يجري. هذه الحالة تدفع المحيطين بالرئيس لارتكاب الأخطاء والجرائم والفساد وهم مختبئين تحت جلباب الرئيس، والأخطر من ذلك أنهم يمارسون التقية السياسية فلا يتخذون مواقف واضحة تجاه القضايا أو الخلافات السياسية الكبرى فلا تعرف لهم موقفا واضحا وصريحا من المفاوضات أو المقاومة أو المصالحة الخ ودائما يحتفظون بخط الرجعة ، تاركين الرئيس لاتخاذ هذه المواقف وخوض معاركها ، حتى القضايا ذات الطابع الشخصي التي تهمهم يتهربون من خوض معاركها ويحولونها وكأنها موجهة للرئيس من خلال الزعم أنها تهدف للتشكيك بمعاونيه وبطانته !، ويدفعون الرئيس لينوب عنهم في طرحها للجمهور وخوض غمارها وتحويلها للقضاء وكأنها قضايا تهم الأمن القومي !.
مع تفهمنا للظروف الصعبة التي تمر بها القضية الوطنية والتحديات التي يواجهها الرئيس أبو مازن ،إلا أن من حق كل إنسان أن يتساءل هل توجد مؤسسة قيادة غير الرئيس أبو مازن ؟ وعن كيفية اتخاذ القرار ؟.
لقد سبق أن كتبنا كثيرا حول أزمة القيادة وأزمة النخبة من منطلق الدفاع عن الرئيس وأيضا ابتغاء للمصلحة الوطنية . ولكن ما يدفعنا لفتح هذا الموضوع مجددا ، هو استماعنا لخطاب السيد الرئيس في المجلس الثوري لحركة فتح الذي تم بثه على الفضائية الفلسطينية الأولى يوم الثاني عشر من الشهر الجاري – مارس 2014- بعد يومين من انعقاد المجلس الثوري وفي نفس يوم التصعيد العسكري على قطاع غزة وقبل أيام من سفر الرئيس لواشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي في أخطر اجتماع لبحث مستقبل القضية الفلسطينية والصراع في المنطقة .
وبصراحة فهذا الخطاب يثير كثيرا من التساؤلات سواء من حيث التوقيت أو الشكل أو المضمون، وخصوصا أنه جاء في ظل تهديدات واضحة من تل أبيب وواشنطن ضد السيد الرئيس وتلميح بالبحث عن قيادة بديلة وهذا جاء متزامنا مع عودة محمد دحلان للمشهد السياسي وخصوصا في قطاع غزة . ولكن إن كان دحلان طامعا بالرئاسة فليس هو الوحيد وإن كان الأكثر مباشرة واستفزازا والأقل استحقاقا، فهناك آخرون طامعون بالرئاسة ويستعجلون نهاية سلطة الرئيس ،ولكنهم أكثر دهاء ومكرا في طلب الرئاسة . مع اعتقادي أن في خفايا المشهد تكمن قضايا أكبر من الصراع على الرياسىة ،أمور لها علاقة بما جرى من تحالفات ومخططات تستهدف الرئيس أبو عمار والقضية الفلسطينية خلال السنوات الممتدة من قمة كامب ديفيد الثانية 2000 إلى سقوط غزة بيد حماس 2007 .
فمن حيث التوقيت فهذا خطاب في اجتماع للمجلس الثوري ويركز على مشاكل وقضايا داخلية وحسب قانون المجلس، وكما ذكر السيد الرئيس في بداية الجلسة انه ليس من اختصاص المجلس الثوري مناقشة القضايا الوطنية العامة ، وحيث أن الأمر كذلك وحيث إن الاجتماع ناقش قضايا داخلية وفضائح لمسئولين في فتح واتهامات خطيرة تمس أشخاص وأحزاب بل ودول، فلماذا تم بث خطاب الرئيس ليسمعه العدو والصديق ، الفلسطيني والمصري والمغربي والإماراتي الخ ؟ ولماذا لم يتم بث الخطاب مباشرة في يومه وحدث ذلك بعد يومين ؟ ومن كان وراء قرار بث هذا الخطاب للجمهور ؟.
ومن حيث الشكل فإن تناول الرئيس لهذه القضايا علنا إنما يثير ويشير إلى وجود أزمة قيادة حيث يفترض أن يتبنى هذه القضايا ويثيرها ويتابعها القضاء الفلسطيني ومسئولون أدنى درجة من الرئيس الذي يفترض أن يتعالى شخصيا عن الخوض في هكذا قضايا علنا، ويترك لقيادتي حركة فتح ومنظمة التحرير - لأن انقلاب حركة حماس كان على سلطة أسستها منظمة التحرير وليس حركة فتح - مسؤولية إثارة هذه القضايا ومتابعتها وخوض معاركها ما دامت ليست قضايا شخصية بين الرئيس ومحمد دحلان كما يتم التأكيد دائما بل قضايا ذات طابع وطني وخطير ،ولكن وحيث تغيب قيادات وازنة أو أن هذه القيادات لا تريد خوض معركة مباشرة مع محمد دحلان لاعتبارات شخصية أو مصلحية أو مراهنة على مرحلة قادمة سيغيب فيها الرئيس عن المشهد السياسي ، فهنا يكمن الخلل الكبير وتثار التساؤلات حول مدى وجود مؤسسة قيادة، وحول صحة أن خلافات الرئيس مع دحلان ليست شخصية .
أما بالنسبة للمضمون لا شك أن كثيرا مما تحدث به الرئيس صحيحا أو أنها قضايا ما زالت غير واضحة عند الجمهور ، وقد كتبنا عن الموضوع في حينه قبيل سيطرة حماس على قطاع غزة وبعدها مباشرة ، ونحن في المراحل الأخيرة من أنجاز كتاب حول ما جرى قبيل وبعد سيطرة حماس ، ولكن لا يكفي أن يتحدث الرئيس متهما أشخاصا محددين بناء على أقوال فلان أو فلان من بطانة الرئيس.
خلال ثماني سنوات من الخلاف بين الرئيس ومحمد دحلان كان يوجد متسع من الوقت للقضاء ولمراكز أبحاث ودراسات متخصصة لبحث الموضوع ، وللأسف فبعد سنوات على ما جرى لم تصدر دراسة أو كتاب موضوعي حول ما جرى وكل ما صدر هو تقرير اللجنة التي كلفها الرئيس ببحث ما جرى في قطاع غزة وكانت اللجنة تحت رئاسة السيد الطيب عبد الرحيم وفيها اتهامات وتوصية بعقوبات لأشخاص ليسوا من أصحاب القرار ، ثم صدور قرار بعد سنوات بفصل محمد دحلان من حركة فتح مما قد يوحي بعدم وجود علاقة مباشرة بين أحداث غزة في يونيو 2007 وفصل دحلان في يونيو 2011 .
مرة أخرى نؤكد احترامنا للسيد الرئيس ونحن معه في المواجهة التي يخوضها على طاولة المفاوضات متمسكا بالحقوق والثوابت،وما دام الرئيس في موقع المسؤولية الشرعية فلا رئيس أو زعيم لنا إلا الرئيس أبو مازن ، ولكن إن كان المثل العربي يقول:( ليس هكذا تساق الإبل) فنحن نقول إن الشعب الفلسطيني أعلى شأنا وأرقى من الإبل .