يتداول الناس في مجالسهم قضية الساعة وهي المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتعرض الكثير من الناس وما زالوا يتعرضون اليها بالتشكيك في صدقيتها من الطرف الفلسطيني، ويشيرون الى المفاوض بتنازله عن الثوابت الفلسطينية والتفريط بحقوق الناس، وكلنا يتذكر ما عرضته قناة الجزيرة من خلال وثائق ويكليكس على أنه فضيحة كبرى تصل الى حد الخيانة، ولكن إن كان الإنسان واعياً ومتابعاً لتفاصيل قضيته الجوهرية الآولى والتي عاش وما زال يعيش منعطفاتها التاريخية ومعاناته اليومية من آثارها الجانبية السلبية عليه أن يسأل نفسه سؤالاً بديهياً ومنطقياً:
إن كان المفاوض الفلسطيني قد باع قضيته وتنازل وفرط بثوابتها فلماذا لم تشتريها اسرائيل لغاية الآن ما دامت تُعرض عليهم بهذا الثمن البخس الذي لا يستوعبه عقل ولا يتسع له منطق. عشرون سنة من المفاوضات وما زالت تراوح مكانها، ولو كان المفاوض الفلسطيني قد فرط بحقوق شعبه ووطنه لطويت القضية منذ زمن بعيد. صحيح أن اسرائيل هي العائق الوحيد لنجاح هذه المفاوضات لأن السلام هو بداية النهاية لها، ولكن الإستنتاج المنطقي والأصح هو أن المفاوض الفلسطيني ما زال مصراً على الثوابت الفلسطينية ولم يتزحزح عنها قيد أنملة، ولو فرط بها وأدار ظهره لثوابتها لكانت اليوم محفوظة في أرشيف الأمم المتحدة وفي أرشيف سقط التاريخ.
لنفكر بعقولنا بناء على مدى إهتمامنا ورعايتنا ومتابعتنا وخبرتنا بقضيتنا إن كنا وطنيين حقاً، ولا نبني قناعاتنا بناءً هشاً ترتكز أساساته على رياح مصطنعة متحركة تثار من هنا وهناك وموجهة بأيد عدوة للقضية، وذلك للتشكيك في وطنيتنا وجلد ذاتنا، وفقد الثقة في إنساننا الفلسطيني وبالتالي فقد الثقة في أنفسنا. المفاوض الفلسطيني يعمل ويجتهد ويواجه عدواً شرساً تدعمه القوى الفاعلة في العالم ويستهدف وجودنا على هذه الأرض التي تعود ملكيتها لنا. ويعاني من ضعف في الموقف الفلسطيني نتيجة الإنقسام الذي يشكل خنجراً في ظهره يستفيد من طعناته الأعداء، ومن الوضع العربي المتهالك الذي يفتقد الى التماسك والقوة والدعم والمساندة، ويصل الى حد الضغط على المفاوض الفلسطيني بإتجاه تقديم التنازلات من أجل أن يرتاح المرجفون العرب من مسئولياتهم تجاه هذا الملف. لذلك فالمفوض الفلسطيني في وضع لا يحسد عليه من المعاناة، مقصوص الأجنحة، تماماً كلاعب كرة القدم المصاب والمكابر على إصابته وقد استنفذ فريقه التغيير، والذي يتعرض للنقد والشتم والسب والتشكيك من الجمهور المتفرج والذي يقوم بدور المتفرج فقط ولا يملك البدائل والحلول وليس لديه تقنيات اللعبة ولا يلم بقوانيها لكي يكون ناقداً أو محقاً في شتمه وسبه للاعب والمدرب.
هنالك من يقول كفانا مفاوضات عبثية، نعم تبدو لنا ظاهرياً أنها مفاوضات عبثية، ولكن من يقول ذلك القول هل يملك البديل الناجع لتقديمه ليلتف حوله الشعب. لكل شيء نهاية ولا بد أن ينتهي مسلسل المفاوضات يوماً ما إن لم تفض الى حل، ولكن علينا أن نرسم للنهاية شكلاً ومضموناً. إن خلع الشوكة من الجسد ليس سهلاً، يحتاج الى تحضير وتطهير وعلاج بعد الخلع سيما وأنها شوكة متعمقة بالجسد الى حدود العظم وربما اخترقت العظم. ولا بد من استنفاذ كل طرق العلاج قبل إجراء العملية الجراحية. وتصويرها لتشخيصها ومعرفة حدودها، ولا بد من حساب دقيق للنتائج والأعراض الجانبية المصاحبة للخلع.
المشككون في المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية ثلاثة فئات:
فئة من شعبنا لم تؤمن بالوطنية الفلسطينية ولا بالقومية العربية وتملك أجندة تتماثل مع الخيال وتتوافق مع أجندات الأعداء في شق الصف الفلسطيني وتشتيت الجهد الوطني، وأجندتها المعلنة تفوق طاقاتنا ومقدراتنا بكثير، وتسبح في آفاق بعيدة عن آفاقنا، وتتخذ من الدين شعاراً تستقطب به عامة الناس وبسطائهم. وهي تناهض الوطنية الفلسطينية منذ ولادتها وعلى طول امتداد الفصول والعصور. وتشكل قوة احتكاك معاكسة لقوة الشد الوطني.
وفئة من العامة تتسم بالبساطة وتفتقد الى الوعي السياسي والنضالي. لا تعتمد على البحث والتمحيص والعمق، وليس لديها خبرة في مجال العمل الوطني، وهي متلقية للشائعات والأخبار المضللة من مصادر الأعداء الخارجيين والداخليين. وتستمد ثقافتها الوطنية من هذه المصادر، وهم وطنيون لكنهم مضللون، وهذه الفئة تهتم بأمورها الحياتية اليومية أكثر من اهتمامها بالقضية.
الفئة الثالثة هي فئة من الذين دخلوا العمل الوطني بحثاً عن مقعد في القيادة، يستظلون بمظلة القوى الوطنية نظراً لضعف تمثيلهم الشعبي، وهو مجرد تسجيل موقف ليس إلاَ، والهدف من ذلك هو النجاة من التهم إن فشلت المفاوضات، والفوز بمقعد في السلطة إن نجحت المفاوضات، فهم يميلون حيث تميل الرياح. مذبذبين بين هذا وذاك.
ما أعلنه الرئيس محمود عباس في خطابه بالمجلس الثوري لحركة فتح، وضع النقاط على الحروف لمن لا يحسنوا قراءة الموقف وفهم التاريخ. ودحض كل مزاعم التشكيك والتخوين. وهو رسالة موجهة الى الرئيس الأمريكي لكي يريح نفسه من الضغوطات، ويوفر جهد الضغط على الفلسطينيين ليكون منصباً على الطرف المتعنت الآخر.
الرئيس بحاجة الى تفويض شعبي لدعمه في هذا الموقف. لذلك لا بد للجماهير الفلسطينية أن تخرج للتعبير عن دعمها للقائد الشرعي للشعب الفلسطيني، ودعم الجماهير الفلسطينية هو واجب وطني وأبلغ رد على كل محاولات الإلتفاف على الحقوق الفلسطينية.