تحتدم معركة التفاوض ويستخدم فيها الإسرائيليين والأمريكان أسلحة قذرة كفتح ثقوب سوداء في الجبهة الفلسطينية وتوسيعها يوما بعد يوم على اعتقاد أنها ستضعف الطرف الفلسطيني وتمترسه خلف الثوابت الوطنية ,ومع إضعاف الطرف الفلسطيني من الداخل والضغط من الخارج يحلم الإسرائيليين أن يبدي أبو مازن مرونة كبيرة تحدث في النهاية تنازلات كبيرة تحيده عن موقفة التفاوضي الواضح وغير قابل للنقاش حول قضايا الحل النهائي , ويقبل أبو مازن بورقة الإطار الأمريكية الضعيفة والتي لا تصلح لان يتفاوض عليها أصحاب حق تاريخي وحقوق مغتصبة منذ عقود , ولا تلزم إسرائيل من خلالها بأي استحقاقات تلبي جزء من ثوابت الشعب الفلسطيني بل تقفز عن كثير من الحقوق وتنكرها, ولا تلتزم أمريكا من خلال هذه الورقة بالتعهد أمام العالم بإلزام إسرائيل باتخاذ قرارات صعبة في مجملها تضمن وتسهل تطبيق حل الدولتين على أساس الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية كقرارات مرجعية , ويبدو حتى اللحظة أن الولايات المتحدة تحاول الابتعاد عن تقديم وثيقة إطار تفاوضي تدرج من خلاله كافة قضايا الحل النهائي و تجول زمنيا لأدراك إدارة اوباما أن البيت الأبيض لا يستطيع أن يجبر إسرائيل على اتخاذ القرارات التي تهيئ لمثل هذه الوثيقة وبالتالي فإن أمريكا تريد أن تبقي مجرد منسق عملية التفاوض ومسهل للقاء التفاوضية إذا ما تعقدت واصطدمت بتعنتات احد الأطراف .
اجتمع كيري مع أبو مازن قبل لقاء ابومازن اوباما على اعتبار أن أبو مازن غير متشجع لاتخاذ قرارات صعبة وبالتالي حثه كيري على اتخاذ تلك القرارات خلال الأسابيع القادمة ,وقال اوباما أمام الصحافيين في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض "إنه أمر صعب جدا وشائك جدا، يجب اتخاذ قرارات صعبة والقيام بمجازفات إذا أردنا إحراز تقدم", وما يفهم فلسطينيينا من القرارات الصعبة هو تنازلات خطيرة كالاعتراف بيهودية إسرائيل والتفاهم على إرجاء قضية اللاجئين إلى مرحلة ما بعد الدولة الفلسطينية ولن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية و يقبل الفلسطينيين ببقاء أكثر من 10 كتل استيطانية كبيرة في أراضي الدولة الفلسطينية يدخل ويخرج إليها الإسرائيليين متى أرادوا دون معارضة من الجانب الفلسطيني , والأخطر قبول الفلسطينيين ببقاء الحدود الشرقية وحدود البحر المتوسط والحدود مع مصر في يد الجيش الإسرائيلي بالكامل وبالتالي تتحكم في المعابر والموانئ والمطارات , والحقيقة أن القرارات الصعبة هنا يجب أن تتخذها إسرائيل إن كانت راغبة في السلام والحياة الآمنة لفترة طويلة على الأقل وهي إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بحدودها دون شروط اعتراف مقابلة والإقرار بالقدس الشرقية عاصمة هذه الدولة ,وبالتالي إيقاف كافة مخططات التهويد التي تقودها حكومة التطرف الصهيونية في القدس وتعيد من هدمت بيوتهم والعائلات الفلسطينية إلى ديارهم , وتقر إسرائيل بكافة قرارات الشرعية الدولية وخاصة 194 و 181 كأساس لحل الصراع وتضع جداول زمنية لانسحابها من الضفة الغربية وتفكيك الكتل الاستيطانية جميعها دون استثناء والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لتصحيح ما اقترفته العصابات الصهيونية عام 1948, وإطلاق سراح كافة الأسري الفلسطينيين والعرب دون قيد أو شرط .
القرارات الصعبة عادة ما يتخذها الطرف الذي يمارس الاحتلال ليوقف احتلاله ويعود عن كافة الإجراءات التي تمس حقوق الشعب المحتل , لكن في مثل حالتنا تريد إسرائيل الجمع بين الاحتلال والسلام في نفس الوقت وتريد من الفلسطينيين الإقرار بذلك , ولو افترضنا أن أمريكا راعية عادلة للسلام وتعتمد سياسة التدخل الايجابي في الصراع على الأقل اليوم لسعت جاهدة لتبيض وجهها أمام العالم وبادرت باتخاذ قرارات صعبة كما يسميها كيري أولها إشراك العالم ومؤسساته الأممية في حل الصراع ورعاية العملية التفاوضية لا الهيمنة على عملية السلام بأكملها والسلوك بسلوك الراعي النزيه وليس الشريك في الاحتلال , وثانيها الإقرار بكافة الشرائع الدولية والمبادرات التي صدرت كإطار لحل الصراع وأهمها مبادرة السلام العربية , وثالثها الضغط على حكومة الاحتلال للسلوك والتفاوض على أنها شريكة في صنع السلام لا طرف يريد تجسيد الاحتلال وجعله أمرا واقعا يستدعى الشعب المحتل أن يعترف به ويقبله ويتعايش معه.
لقد أدرك أبو مازن طبيعة الرعاية الأمريكية وعرف كيف يخاطب الأمريكان واستخدم نفس لغة الإسرائيليين التفاوضية في الجولة الأولى من مباحثاته مع اوباما التي طلب فيها الأخير تمديد المفاوضات و القبول بإطار عمل للمفاوضات خلال فترة التمديد الجديدة ,ولأدراك أبو مازن أن ما يفعله أعوان الإسرائيليين والأمريكان من فتح ثقوب سوداء في الجبهة الفلسطينية وتوسيعها يوما بعد يوم هو ذات المخطط الأمريكي ليجبر أبو مازن لاتخاذ قرارات صعبة حسب الرؤيا الأمريكية يحدث فيها الأمريكان اختراق نحو تفتيت الثوابت بما يخدم اختزال قضايا الحل النهائي في حلول مرحلية , ازداد أبو مازن صلابة وعنادا وإصرارا على ثوابته واستطاع أبو مازن هز الموقف الأمريكي بثبات متناهي عندما قال أن الفلسطينيين لن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية ,ولن يمددوا المفاوضات دون ثمن يدفعه الاحتلال وهو وقف كامل وشامل للمخططات التهويد والاستيطان بالضفة الغربية والقدس ,وإطلاق سراح كافة القيادات والأمناء العاموون وخاصة مروان البر غوثي و سعادات بالإضافة لأعضاء المجلس التشريعي والعديد من القيادات وعندها قد يقبل الفلسطينيين بتمديد المفاوضات ضمن وثيقة إطار تلزم إسرائيل بإدراج كافة قضايا الحل النهائي بجدول زمني , وهذه قرارات صعبة يجب أن تتخذها حكومة الاحتلال لتهيئ لفترة مفاوضات حقيقية لا مفاوضات من اجل المفاوضات ولا مفاوضات تفضي لسلام منقوص مزعوم هش لا يستمر ولا يعيش طويلا.