استنهاض طاقات الشباب مهمة الجميع

بقلم: عباس الجمعة

إن الشباب هم الدعامة الأساسية للرقي و التقدم , وثروة الحاضر التي تستثمر للمستقبل , وإذا كان لفلسطين والامة العربية من ثروة , فهي ثروتها البشرية الهائلة حيث يمثل الشباب قرابة ثلثها.

تتعدد قضايا الشباب و تتنوع ولعل أولى هذه القضايا التي أود تأكيدها هي إن مسألة الاهتمام بالشباب لم تعد ظاهرة محلية أو إقليمية , بل أصبحت ظاهرة عالمية , لما للشباب من دور بارز و مميز في دعم المسيرة التنموية الشاملة لما يملكه من طاقة وقوة وحيوية و دينامية ، لذا يجب بذل المزيد من العناية والجهد والالتزام بمبادرة الشباب ورعايتهم بشكل يضمن دورهم الوطني والقومي والانساني , فبقدر ما نعطي الشباب دورا مهما في مسيرة النضال ونعدهم الإعداد السليم بقدر ما نحصل على خبرات و كوادر بشرية قادرة على مجابهة التحديات الداخلية و الخارجية في عالم سريع التغير .

كما كانت النكبة وولادة شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة تلاها النكسة , محطات مهمة لعودة الفئة الشبابية إلى ميدان العمل الوطني , بدأ التاريخ يعيد نفسه في السنوات القليلة الماضية , ولكن هذه المرّة كانت الصحوة الشبابية مختلفة , فقد تعلمت من أخطاء من سبقها , وإستفادت من التجارب التي مرّت بها القضية الفلسطينية على مرار الستة عقود المنصرمة , واللافت في الأمر هذه المرّة , أنه لم يكن هناك من حدث مفجر لهذه الطاقات الشبابية , بل على العكس , فقد ولدت من رحم الإحباط واليأس الذي بات يعانيه الشباب الفلسطيني برمّته , وتأثير توابع الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني على المسار الوطني بشكل عام، وخاصة ان هناك قصوراً في التعاطي مع الشباب وأحياناً يجري التعاطي معهم بلغة استخدامية وليس بمشاركة فعلية، حيث لم تستطيع القوى أن تحاكي قضايا الشباب الفعلية على رغم ما نقدمه من مساعدات ومطالبات بتحسين أوضاعهم التي تعاني غياب الروح التطوعية وابتعاد الجماهير عموماً من حولها وليس فقط الشباب، وهذا يستدعي استعادة روح الشباب في كافة ميادين النضال وتأمين المستقبل لديهم.

ان هجرة الشباب للمجهول قضية رأى عام تستحق منا ومن كل السياسيين الوقوف أمامها، والتفكير بها جيداً والتصدى لها إن أمكن وإثارة نقاش عميق حول أسباب انتشارها ، ودوافعها لنوجد الحلول المناسبة لها، فهجرة الشباب لأوروبا وغيرها ، تعتبر حسب اعتقادي من أخطر القضايا الاجتماعية والسياسية والإقتصادية التي تواجه المجتمع الفلسطيني والعربي من المحيط الى الخليج ، رغم ان هناك هجرات مأساوية خرجت من رحم الحروب و خاصة من مدن و قرى و مخيمات اللجوء الفلسطيني منذ اليوم الأول للنكبة الى يومنا هذا وغدى عدد اللاجئين خارج فلسطين الرقم الأصعب حيث لا يجد حل رغم ما يسمى مفاوضات السلام لان هنالك مشاريع تصفية لحق العودة للشعب الفلسطيني.

ومن هنا نرى اهمية تعزيز دور الشباب وتفعيله في المشاركة بالقرار السياسي وحتى الجماهيري ، وما المبادرة التي يحملها مجموعة من الشباب الفلسطيني حول انتخابات اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية حسب النظام الداخلي التي اقرته دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في منظمة التحرير الفلسطينية الا من موقع الحرص على منظمة التحرير الفلسطينية من اجل تفعيل دورها ومشاركة الجميع في اطارها ، وهذا بحاجة الى تقييم ما تم انجازه حتى الآن و معرفة مواقع الخلل و الفشل و تقليصها و تعظيم فرص النجاح .

ان الدور الذي يلعبه الشباب في الساحة السياسية مرتبط ارتباطاً عميقاً بإيمان ذلك المجتمع بالديمقراطية، ومقياس ما توفره السلطات العاملة في ذاك المجتمع من مساحة للتنظيمات للعمل وطرح ارائها بشكل لا يعرقل سير العملية الديمقراطية، وهذا يتطلب مشاركة حقيقية تعطي الشباب حقه، في صنع القرار الفلسطيني، فإن هذا التغييب المقصود للشباب يحدد الخلل الحقيقي في التشكيلة السياسية للفضائل والقوى الفلسطينية والتي لم تعيد صياغة مفهومها التكتيكي بما يتلائم والتغيير الحاصل، مع اغفال ما يتمتع به الشباب من دينامكية ومثابرة على العمل،

مما يستدعي النهوض والارتقاء بالشباب وتقديم الجهد الذي يليق بحجم تضحيات الشعب الفلسطيني. ومن اجل مواجهة الانقسام الفلسطيني الذي قتل كل أمل في النفس او حلم لمستقبل أفضل.

في واقع الأمر هناك العديد من الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال دور الشباب، سواء كانت مباشرة أو بعيدة الأجل، مع الإشارة إلى أن الأهداف التي يحددها المجتمع وقواه السياسية ليست معزولة عن طبيعة التركيبة السياسية من خلال جذب الشباب نحو ساحة العمل السياسي والاهتمام السياسي؛ نظراً لأهمية الشباب، والآمال المعلقة عليهم، وهذا يتطلب العمل الى احتياجات الشباب ورغباتهم وتطلعاتهم المستقبلية، مثلما يفترض بها أن تغذي طموح الشباب وميولهم وتراعي أيضاً الاتجاهات العامة في المجتمع وقيمه ومفاهيمه.

لهذا نرى اهمية دور الشباب الفلسطيني مع القضايا الوطنية والتطورات السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية، وخاصة في موضوع الانقسام السياسي الداخلي الذي تعيشه الحالة الفلسطينية منذ أحداث قطاع غزة ، فيمكن أن نسجل للشباب الفلسطيني دوره وكذلك وعيه لما تشهده المنطقة العربية .

ان المنطق الثوري يتطلب منا النظر في تفاقم أزمة الشباب الفلسطيني جراء عدم الاهتمام بهذه الفئة ، لا سيما وأن معاناة هذا القطاع من الشباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية باتت ظاهرة للعيان مما ينعكس ارتباكاً وعدم يقينية بالمستقبل، ما يحتم على المسؤولين والمعنيين بذل المزيد من الجهد والوقت ورسم السياسات التي من شأنها التقليل من الآثار الراهنة كمقدمة لوضع معالجات وخطط طويلة الأجل تكون محصلتها وضع الشباب في سياقهم المجتمعي الصحيح كقوة تغيير رئيسية.

ان الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الشباب في مخيمات لبنان، تستدعي النظر الى الاوضاع التربوية للطلبة الفلسطينيين على صعيد المرحلة الجامعية، لان روح الأمل ما زالت تسكن عقلهم، وهم يتطلعون دائماَ نحو التغيير وتعزيز الوعي عبر تحديد أولويات نضالهم ، ونحن هنا نقدر ما قدمه الشباب من تضحيات جسام وخاصة هنالك أسماء استشهدت واعتقلت في ساحات النضال، وهذا الدور الزاخر سيكون دائماً دافعاً صلباً للمستقبل.

إن ما يشهده العالم العربي اليوم هو فضاء سياسي جديد يتكون عماده الأساسي من قضايا الطبقات الفقيرة والمهمشة. لن تهدأ إلا ببناء بديل فعلي عن القائم، وهنا أقول القائم ، ونحن نرى أنه جميع الاحزاب والقوى مهمة تاريخية بأن يكونوا على مستوى التحدي الذي يطرحه التاريخ أمامهم، فهم لا يمكن إلا أن يكونوا إلى جانب القضايا المحقة للشباب المتمثلة بالعدالة الإجتماعية وحق التعليم والتعبير والكرامة وحق المشاركة في صنع القرارات وتقرير السياسات وكذلك في الدفاع عن حقهم بالتقدم والتطور.

ان هذا الواقع المرير يتطلب من كافة القوى والفعاليات الشبابية العمل على مواجهة الواقع من خلال تحقيق قفزات كبيرة في مجال الحريات ، وخاصة توفير المنح الطلابية الجامعية للشباب حتى يرتقي بدوره الوطني.

نستطيع القول ان الخروج من مرحلة الانكفاء الذاتي التي أدت إلى ابتعاد الشباب عن التأطير الوطني، مما يستدعي إجراء مراجعة تقييمية لتجربة عمل الشباب في جوانبها كافة، وضرورة الاستفادة من الدور المحوري للاتصالات، ومن أبرز الخطوات العملية هو العمل على اعتماد وسائل اتصالات متطورة لمخاطبة أكبر عدد ممكن من الشباب العربي مستفيدين من نجاح مواقع الإنترنت في إحداث التغيير، بالإضافة إلى اقتراح خارطة طريق للبرامج النضالية التي تحارب الفساد وتدعو إلى الديموقراطية والحقوق السياسية والاجتماعية، والعمل على تحسين السياسات التعليمية، وهذا الدور الطليعي المفترض على الشباب بعيدا عن كل منطلق الشخصنة وتمويه الأزمة، لأننا نعتبر أن خروج ااي حزب او فصيل من أزمته هو شيئ ضروري لاعطاء دور فعلي للشباب في اطاره القيادي كأداة للتغيير نحو عمل تنظيمي أفضل.

ان قضية تفعيل دور الشباب الفلسطيني وتعزيز مشاركتهم في المجتمع الفلسطيني ليست قضية أكاديمية فحسب، بل مسؤولية وطنية بحاجة لإهتمام إنطلاقاً من أن هؤلاء الشباب هم الثروة الأساسية التي نمتلكها، وهم مرشحون للمساهمة بفعالية في التصدي للتحديات التي ما زالت تواجه المجتمع الفلسطيني وقضيته الوطنية، وهذا ما يحتاج الى الإهتمام بمشكلات الشباب ووضع الحلول لها وإنشاء قنوات التواصل معهم وصولاً إلى الشخصية الشبابية التي تستطيع التفاعل الإيجابي مع المجتمع وتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها.

ختاما : علينا أن نفكر جيداً بمستقبل شبابنا فهم أمل المستقبل لنا وشعله الحاضر وعماد فلسطين القضية والشعب والارض ، وهم من يسعى لبلورة الهوية والكيانية الوطنية الفلسطينية من اجل القيام بدورهم الوطني والنضالي في مواجهة المؤامرات التي تحيكها دوائر الامبريالية والصهيونية بهدف تصفية القضية الفلسطينية ومحاولات تذويب الهوية الفلسطينية.