قمة التضامن العربي غير متضامنه مع نفسها

بقلم: راسم عبيدات

تعقد غداً في الكويت القمة العربية وسط الكثير من الخلافات العربية،والتي تجعل من هذه القمة،قمة ما يسمى بالتضامن العربي بعيدة كل البعد عن هذا الشعار والعنوان،فوزير الخارجية المصري نبيل فهمي يقول،بأنه يستبعد ان تكون هناك مصالحات عربية في هذه القمة فالخلافات عميقة،والمحاور متعددة ومن يسيطرون على القمة،لديهم اجندات واهداف لا تخدم ولا تصب في مصلحة العرب لا من قريب او بعيد،فهم يريدون من هذه القمة قرارات و"فرمانات" تخدم قضاياهم ومصالحهم،وليس خدمة المصلحة العربية العليا،.

القمة تعقد وسط خلافات خليجية – خليجية،حيث ان السعودية والبحرين والإمارات على خلاف شديد مع قطر،تحديا فيما يخص قضية دعم الإخوان المسلمين وتوفير الدعم والحماية لهم،وإستغلالهم من أجل القيام بعمليات التخريب والتدمير ونشر الفوضى وعدم الإستقرار في مصر،وكذلك التحريض على الأنظمة الخليجية المتصادمة والمتعارضة مع الإخوان سياسياً ومذهبياً او فكرياً،بالإضافة الى قيام فضائية الجزيرة القطرية بشن تحريض اعلامي واسع على محور الرياض- القاهرة – دبي،وتلك الخلافات عكست نفسها بسحب تلك الدول لسفرائها من الدوحة،وكذلك مصر التي وصل بها الأمر على ضوء ممارسات جماعة الإخوان في مصر وتهديدها للأمن والإستقرار هناك،الى حد حظر تلك الجماعة وإعلانها منظمة إرهابية،وكذلك هي الأخرى سحبت سفيرها من الدوحة الى غير رجعة،وهذا سيأخذ حيزاً في نقاشات القمة حول تلك الجماعة،هل سيتم إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية ام لاء؟؟،والقضية الخلافية الثانية هي حول سوريا،فرغم أن أغلب دول القمة المسيطرة على قرار القمة تقف الى جانب القوى المعادية للنظام السوري والتي تشن حربها على سوريا بدوافع واجندات خارجية هدفها هدم الدولة السورية وتدمير مؤسساتها واقتصادها وتفكيك جغرافيتها،إلا ان دول عربية اخرى كالعراق والجزائر والى حد ما لبنان واليمن،لا تتفق مع المحور الخليجي بالأساس فيما يخص القضية السورية،وهذا سيعكس نفسه أيضاً على شكل خلافات في القمة،وخصوصاً بان مقعد سوريا سيبقى شاغراً.

وهناك القضية الفلسطينية،حيث ستحاول القمة الحديث عن صيغة توفيقية تدعو لمصالحة فلسطينية،وتعيد إجترار العبارات والبيانات السابقة من شجب وإستنكار وإدانة للممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني،وبحق الأماكن المقدسة وعلى وجه الخصوص المسجد الأقصى،بدون أي بدائل جدية او عملية،تجعل اسرائيل تأخذ تلك المواقف والبيانات والتصريحات العربية على محمل الجد،وخصوصاً بان جزءاً من تلك الدول المشاركة في القمة،تنسق مع اسرائيل علناً وجهراً فيما يخص اكثر من قضية ايران- سوريا- حزب الله والمقاومة الفلسطينية،وبالتالي اسرائيل تدرك جيداً بان تلك البيانات ليس اكثر من ذر للرماد في العيون،ومحاولة من تلك الدول لستر عوراتها امام شعوبها،حيث ان أغلبها سقطت ورقة التوت عنها،وفيما يخص شبكة الأمان المالية للسلطة الفلسطينية (100) مليون) دولار شهرياً،فهي ستبقى حبراً على ورق فاكثر من مرة تحدثت القمم العربية ومؤتمرات وزراء خارجيتها عن الدعم للفلسطينيين والقدس،والتي كان آخرها قمة سرت في ليبيا،حيث أقرت تلك القمة (500) مليون دولاراً دعماً للقدس،ولم يصل منها ما يزيد عن 1%،والمئة المليون التي يجري الحديث عنها،ستبقى في إطار الشعارات والإستهلاك المحلي،وستتبخر مع انتهاء القمة،إلا اذا حدث تطورات على صعيد ملف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل،واعطيت الدول الخليجية على وجه الخصوص إذناً امريكياً بتقديم الدعم للسلطة الفلسطينية،وهذا الدعم الورقي سيثير اللغط والإتهامات في الساحة الفلسطينية،وسيعمق من حالة فقدان الثقة بين قيادة السلطة والشعب الفلسطيني،وسيثير المزيد من الشكوك والإتهامات بالفساد والإختلاسات،وخصوصاً ان الأجواء في الساحة الفلسطينية،أصبحت خصبة جداً لتقبل ذلك بعد خلافات عباس- دحلان والإتهامات المتبادلة.

هذه القمة العربية في ظل ما نشهده عربياً من حالة ضعف وانهيار عربي غير مسبوق،وتشرذم وإنقسام وتعدد في الولاءات،وعدم إمتلاك الإرادة والقرار،سيجعل من تلك القمة عقيمة وليست ذات قيمة او اهمية،والعالم قبل المواطن العربي،لن يحترم قراراتها او يأخذها على محمل الجد لا هي ولا شخوصها،فهو يدرك انها مجرد"فرقعات"و"هوبرات" إعلامية،والعرب ليسوا أكثر من ظاهرة صوتية،وهي أيضاً أضحت تصيب المواطن العربي بحالة من الغثيان والتقيؤ،فهي لا تلتفت الى قضاياه لا من قريب او بعيد ولا تلامس همومه الأساسية من جوع وفقر وبطاله وتخلف،ولا تصون له لا حريته ولا كرامته ولا تحفظ للعرب كرامتهم او سيادتهم الوطنية،أو تترجم قراراتها إلى أفعال على أرض الواقع،فعلى سبيل المثال لا الحصر المبادرة العربية للسلام،من قمة بيروت 2002 وحتى اللحظة الراهنة وهي تركل وترحل من قمة إلى اخرى ويجري الهبوط بسقفها،لكي توافق عليها وتقبلها اسرائيل،ولم يجري اتخاذ أي موقف عملي يجعل امريكا واوروبا الغربية واسرائيل،تشعر بأن العرب ليسوا اكثر من ظاهرة صوتية،في حين نرى بان اسرائيل ترتعد خوفاً من حزب مقاوم،وتاخذ كل تصريحات قادته ومواقفه على محمل الجد.

القمم العربية عندما يمتلك العرب إرادتهم وقرارهم،ويكون همهم الأساس المواطن العربي،وإشاعة الحرية والديمقراطية في بلدانهم،وتداول السلطات فيها،بدل حصرها في أيدي مجموعة محدودة تنهب خيراتها وثرواتها وإغتصاب السلطة فيها لها ولعائلتها وأسرها،وكذلك التوزيع العادل لثرواتها وإحداث ثورات إجتماعية واقتصادية حقيقية فيها،وحماية وجودهم والدفاع عن اوطانهم،ونصرة شعوبهم وبلدانهم المحتلة،فإن المواطن العربي حينها سيكون متابعاً ومؤمناً بقرارات تلك القمم،وكذلك العالم سيحسب للعرب ألف حساب،بدل التعامل معهم على انهم امة خارج التاريخ البشري العاقل،ومجرد كم زائد لا قيمة له.