إن سلوك البعض في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة ومن خلال تعاملهم مع قضية الأسرى يوحى بأنهم هجروا مرحلة المقاومة والمواجهة إلى غير رجعة ويسعون لتصفية مخلفات تلك المرحلة ،وقضية الأسرى من هذه المخلفات حتى وإن تم تمرير الأمر تحت ذريعة الاعتبارات الإنسانية. عملية الربط بين قضية الأسرى والمفاوضات تؤشر إلى أن المفاوضات تسعى لتحقيق أهداف متعددة دون أن يكون الحفاظ على الأرض أو تحريرها من ضمنها. لم تعد المفاوضات أخيرا من اجل الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية بل في سبيل الحفاظ على السلطة التي بات وجودها يشكل عبئا على الثوابت والقيم والحقوق الوطنية بما فيها قضية الأرض والوطن والإنسان.
بداية لا بد من التأكيد أن الأسرى يستحقون منا كل اهتمام وتقدير، وكيف لا وهم يضحون بحريتهم من اجل تحرير الأرض الفلسطينية وبعضهم أمضى أكثر من ربع قرن في السجن ، وكيف لا ولولا نضال وتضحيات الشهداء والجرحى ما كانت حالة تسمى الثورة الفلسطينية ، وما كانت القضية الفلسطينية حظيت باهتمام واحترام العالم، وما كان هناك حكومات وسلطات ووزراء ونخب ترتزق على حساب معاناة الشعب والأسرى الذين يقبعون في السجون . بالرغم من هذه الأهمية إلا أنه يبدو أن قضية الأسرى خرجت من سياقها السياسي كقضية وطنية وإنسانية وقانونية لا تنفصل عن جوهر القضية الأم وهي تحرير الأرض من الاحتلال إلى مرحلة التوظيف السياسي بما يمثل انقلابا وتعارضا مع الهدف الوطني الذي من اجله قام الأسرى بما قاموا به وهو الوطن وتحرير الأرض وهو نفس الهدف الذي في سبيله قدم الشهداء أرواحهم .
ودعونا نتساءل هل ما زلنا في مرحلة تحرر وطني وبالتالي في حالة مواجهة ومقاومة ضد إسرائيل ؟ أم أن مرحلة التحرر الوطني انتهت وبالتالي انتهت المقاومة ؟ . لو كانت السلطة ومنظمة التحرير أنجزتا مرحلة التحرر الوطني بما تتضمنه من حرب ومقاومة وجهاد وشهداء وأسرى ومعاناة الخ وأصبح الشعب يعيش مرحلة سلام وتسوية سياسية ،آنذاك يمكن تفهم المساعي لتحرير الأسرى وتبييض السجون الإسرائيلية .
لكن وحيث إنه لا يوجد سلام ولا تسوية سياسية ،وما دامت القوى السياسية في منظمة التحرير تقول بأنها ملتزمة بنهج التحرر الوطني ،وما دامت الممارسات الإسرائيلية على الأرض من استيطان وتهويد وحصار وعدوان وقتل واعتقالات تؤكد أننا ما زلنا تحت الاحتلال ... لذا فإن الأولوية يجب أن تكون لتحرير الأرض بالمقاومة والمواجهة مع كل ما يترتب عليهما من استحقاقات كسقوط شهداء وجرحى وأسرى ، فكيف نكون في مرحلة تحرر وطني ولا يسقط شهداء وجرحى وأسرى !.
كجزء من صفقة العودة للمفاوضات في شهر يونيو 2013 دون وقف الاستيطان، وهو الشرط الذي كانت تضعه منظمة التحرير حتى تعود للمفاوضات، تم التركيز على قضية إطلاق سراح أسرى معتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو في عملية ابتزاز للسلطة وتغرير للشعب بتوظيف قضية الأسرى كقضية إنسانية لتبرير وتمرير العودة للمفاوضات خارج إطار التوافق الوطني و في تخل صارخ لمطلب مشروع وضعته المنظمة للعودة للمفاوضات وهو وقف الاستيطان بالإضافة إلى تراجعها عن خوض معركة الشرعية الدولية التي تحررنا من استحقاقات أوسلو وتوابعه.
فبعد زيارة الرئيس أبو مازن لواشنطن التي انتهت يوم 19 مارس 2014 تم التلميح مجددا لقضية الأسرى من طرف إسرائيل كالمماطلة في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى حتى تضمن تمديد المفاوضات، أو من بعض الأطراف الفلسطينية كالمطالبة بإطلاق سراح وزراء وأعضاء تشريعي ومروان البرغوثي والشوبكي واحمد سعدات كشرط لتمديد المفاوضات لفترة أخرى ، بل إن بعض مراكز الدراسات الفلسطينية نشر بالأمس 24 مارس استطلاعا للرأي مفاده أن ثلثي الفلسطينيين يؤيدون العودة للمفاوضات مقابل إطلاق سراح أسرى ! وفي ظني أنه استطلاع غير صادق وموجه من جهة سياسية – وغالبية استطلاعات الرأي في مناطق السلطة فاقدة المصداقية-.
نعم ، إنها محاولة تصحيح خطأ بقاء أسرى بعد توقيع اتفاقية أوسلو وخطأ العجز عن إبداع إستراتيجية وطنية لمواجهة المفاوضات والتسوية الأمريكية، بخطيئة العمل على إطلاق سراح أسرى بثمن أفدح وهو الأرض الفلسطينية،لأنه عندما يتم تمديد المفاوضات فهذا معناه منح إسرائيل رخصة أو موافقة فلسطينية رسمية للاستمرار بالاستيطان والتهويد ،ولا نعتقد أن الأسرى فوضوا أحدا لأن يساوم على حريتهم مقابل منح إسرائيل مزيدا من الأرض ،لأنهم يدركون أن الأرض أهم من الإنسان، فالمواطنون والشعب بكامله يضحي من أجل الأرض والوطن وليس العكس .
لا ندري لماذا يتم تشويه التاريخ والنضال الفلسطيني من طرف نخبة يُفترض أنها الأمينة والوصية على القضية الوطنية ، فإن لم يقدم الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء وأضعافهم من الجرحى والأسرى في نضاله من خارج الوطن و في داخله وخلال انتفاضتين وخلال المواجهات اليومية مع العدو التي لم تتوقف سواء في الضفة أو غزة وحتى داخل الخط الأخضر - حيث علينا أن لا ننسى مناسبة يوم الأرض في نهاية هذا الشهر من عام 1976 - إن لم يقدم كل ذلك من أجل تحرير الأرض الفلسطينية ، فلأي سبب كانت هذه التضحيات ؟.