يعتبر الزواج حلماً يراود الكثير من الشباب, لتكوين أسرة سعيدة ولإنجاب أطفال يحملون أسماءهم, هذا الحلم لا يخص فقط الإنسان السليم إنما هو حلم يرغب بتحقيقه ذوي الاحتياجات الخاصة, ولكن في المجتمع الفلسطيني تعتبر فكرة ارتباط هذه الشريحة هاجساً ومشكلة تؤرق نفوس الكثير منهم، لرفض بعض العائلات تزويج أبنائهم وبناتهم من أشخاص معاقين.
نراهم في كل حدب وصوب، منهم من فقد نعمة البصر ومنهم من فقد نعمة السمع أو كان معاقاً حركياً أو ذهنياً، أو أصيب بإعاقة أو أكثر توهن من قدراته وتجعله في أمس الحاجة إلى عون الآخرين, هذه الاعاقة قد تكون بسبب حادث أو مرض أو عامل وراثي او خلقي.
وتشير الاحصائيات الاخيرة بأن عدد الأشخاص ذوي الاعاقة في قطاع غزة بالقيمة الصغرى هي "3900" والقيمة العظمى هي "9700" حسب ما أفاد به حسين أبو منصور مدير جمعية جباليا لتأهيل المعاقين.
ابن الخامسة والعشرين ربيعاً، حسني أبو شمالة، يعاني من إعاقة في البصر ويحلم مثله مثل سائر الشباب بأن يكوَن أسرة سعيدة وأن يتزوج من فتاة تقبل به زوجاً وشريكاً لحياتها.
نظرة خاطئة..
يقول أبو شمالة: "كنت أعلم أن أمر زواجي لم يكن أمراً سهلاً, وكنت مدركاً أن الرفض سيكون حليف الموقف, ولكن عندما دخل حيز التنفيذ وقامت والدتي بطرق العديد من البيوت, تأكدت من ذلك برفض أكثر من عائلة ارتباطي بفتياتهم".
ويضيف لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، "رغم ما كنت أتوقعه من رفض هذه العائلات لطلبي، وتهيئة نفسي لهذا الأمر، إلا أنني أصبت بخيبة أمل كبيرة أجبرتني على عدم التفكير في الزواج مطلقا بعد الآن, لأن نظرة الناس الخاطئة لنا كأشخاص معاقين لا يحق لنا أن نحيا كباقي البشر، وتوقعهم إنجابنا أطفالا معاقين بالوراثة، جعلتني أترك فكرة الزواج وأرضى بما قسمه الله لي".
أما المواطنة أسماء أبو عاصي، اثنان وعشرون ربيعاً، تزوجت شاباً من ذوي الاحتياجات الخاصة، رغم ترددها بالموافقة عليه في البداية بسبب إعاقته، ولخوفها من نظرة المجتمع لها إذا ارتبطت به.
وتضيف أبو عاصي "رغم كل المواصفات المميزة التي يحظى بها زوجي، والتي تحلم بها وتتمناها كل فتاة، من علم ودين وخلق ووضع اجتماعي واقتصادي جيد، إلا أن إعاقته والتي تكمن في بتر رجله اليسرى، كانت ستقف في طريق زواجنا، وذلك لنظرة الناس لي بالنقص لقبولي بشخص معاق".
وتؤكد أبو عاصي، أنها جعلت نظرة الناس لها أخر همها، موضحة أن زواجها منه لم يكن من باب العطف أو الشفقة على حالته، بل لأن صفات الزوج المثالي التي حلمت بها كانت موجودة به, ولم تندم على اختيارها لأنها تعيش حياة سعيدة وأنجبت منه طفلها محمد.
اختلاف المعاملات..
من جانبه، يعتبر مدير جمعية جباليا لتأهيل المعاقين، حسين أبو منصور، بأن المجتمع الفلسطيني يتعامل مع الأشخاص ذوي الاعاقة بشكل مختلف، "بنظرة عاطفة ومحبة لكن حين التعامل بشكل جدي فانهم لا يتعاملون بشكل حقوقي."
ويشير إلى أن هناك تهميش كبير للمعاقين في العمل ويعتبرونهم أقل درجة من الانسان السليم ، مبيناً بأن هناك من ذوي الاعاقات من حصلوا على أعلى الدراجات بالجامعات الفلسطينية "لكن المجتمع الفلسطيني ينسى أعلى الدرجات وينظر إلي العجز الذي فيهم."
ويؤكد أبو منصور لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" بأن التهميش والاستغناء عن ذوي الاعاقة يخالف كافة القوانين والاتفاقيات الدولية التي نصت عليها الامم المتحدة بعدم التمييز ضد أي شخص على أساس الإعاقة ويمثل انتهاكا للكرامة والقيمة المتأصلتين للفرد.
وعند الزواج من شخص معاق لإنسانة سليمة يقول: "يرفض المواطنون بشكل مطلق زواج ابنتهم بشخص معاق لان الثقافة المجتمعية تصنفه بنقص القدرات."
متطلبات خاصة..
بدوره، يوضح الأخصائي النفسي والاجتماعي درداح الشاعر، بأن لكل إنسان متطلبات خاصة في الزواج، ويسعى جاهداً أن تكون مواصفات شريك حياته أفضل ما تكون، وبعيدة عن الإعاقة وهذا أمر طبيعي للبشر، مشيراً إلى أن" كثيراً من الشباب يطلبون أن تكون الفتاة جميلة ومتعلمة ومن عائلة محترمة ومعروفة، وكذلك الفتاة عادة ما ترغب بأن ترتبط بشاب ضمن مواصفات خاصة كأن يكون متعلماً ولديه شقة وغيرها."
ويؤكد الشاعر لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، أن ارتباط الأسوياء بذوي الإعاقات، غير شائع في المجتمع الفلسطيني، وإن وجدت بعض الحالات المعدودة, بسبب النظرة المجتمعية الخاطئة لذوي الإعاقات بأنهم عاجزون عن كل شيء حتى بناء الأسرة، موضحاً أن هناك بعض المتزوجين من هذه الشريحة المجتمعية ناجحة أكثر من غيرها.
فرصة للحياة..
ويرى الشاعر، بأن المجتمع الفلسطيني لا يقبل بالزواج منهم، لان الثقافة العربية الفلسطينية تعتبرهم مختلفين ولا يمتلكون القدرات على توفير مقومات الحياة والبيئة الزوجية، مبيناً بأن "ثقافتنا تبحث عن إنسان يوجد فيه كامل الخصائص التي تتوفر بشريك الحياة."
ويتابع: "من الممكن القبول بهم من نفس الشريحة وهذا يسبب تأثير نفسي وداخلي وكأنهم يعيشون وحدهم".
ويشدد على أهمية إعطاء هذه الشريحة، فرصة للحياة كباقي شرائح المجتمع، مؤكداً على أن لهم حقوق يجب النظر إليها ومن أهمها الزواج وبناء أسرة سعيدة تنعم بالاستقرار والحياة.
ويلفت إلى اهمية تأهيل الفتاة والشاب، للارتباط بمن هم من ذوي الاحتياجات الخاصة، عن طريق عقد الكثير من الندوات والمؤتمرات سواء في الجامعات والمؤسسات الخاصة التي ترعاهم ومراكز التدريب والتأهيل، والكتب والانترنت، لتعريفهم بمستوى الحالة الإنسانية التي يعيشونها ولتسليط الضوء على أهم احتياجاتهم.
تأثيرات نفسية..
وينوه إلى أن هناك الكثير من التأثيرات النفسية التي تصيب ذوي الاحتياجات الخاصة في حال تم رفضهم للزواج، منها الاكتئاب والانطواء، وقد يتحول لشخص سلبي غير قادر على التفاعل مع المجتمع, أو شخص عدواني، وذلك لأن شعوره بالقدرة على تكوين أسرة يلازم حياته، ويعلم أنه من حقه أن يحيا كباقي البشر في وقت يرفض المجتمع ذلك.
ويشدد الشاعر، على ضرورة أن تتكيف المرأة مع حالة زوجها المعاق والعكس صحيح، والتأقلم مع ذلك لأن هؤلاء الأشخاص يحتاجون لاهتمام خاص ومضاعف سواء على صعيد حياتهم الزوجية أو على صعيد حالتهم الجسدية، مؤكداً على أهمية أن لا تقف الإعاقة في طريق حياة الإنسان، ويجب على الشخص السليم أن يكون على علم ودراية بهذه الأمور وبمتطلباتها.
ويناشد المتجمع الفلسطيني بمشاركتهم بكافة مناحي الحياة لان المعاق"إنسان مثلنا ولا يختلف عنا شيئا لكنة هذا قدر الله بأنه خلق معاقاً".
تقرير/ محمود القصاص