زهرة جديدة في الخامسة من عمرها تصبح ضحية للاغتصاب والقتل علي يد طالب لايتجاوز العشرين من عمره...وإن كنا منصفين فالقاتل لايلام وحده ، ولما لا فمنذ أقل من عام حدثت حادثة مشابهة راحت ضحيتها الطفلة زينة وهي في الخامسة من عمرها بعد قيام شابين بالاعتداء جنسيا عليها ثم إلقاؤها من الدور الثاني عشر ، ورغم بشاعة هذه الجريمة إلا أن المتهمين حكم عليهما بمدد لا تتجاوز العشرين عاما لكونهما أقل من الثمانية عشر عاما ، وهذا معناها أنهما سيصبحا طلقاء بعد عشر سنوات علي الأكثر بدعوي حسن السير والسلوك.
إذا فنحن أمام جرائم بشعة وعقوبات وقوانين لا تسمن ولاتغني من جوع ، ولذلك فلا نلوم إلا أنفسنا ولا نحاسب سوي مجتمعنا الذي أصبح كالنعام ، ولا نتهم سوي قانوننا الهش الذي سمح لمثل هؤلاء المجرمين أن يعبثوا بأطفالنا ويتلذذوا بأجسامهم دون اتخاذ قوانين رادعة للقضاء علي مثل هذه المهاترات التي تجعل أطفالنا كالدمي في يد المجرمين .
والقضية ليست فقط في مقتل بسملة أو زينة أو هدي ، ولكن القضية في مجتمع رخو لا يفكر في مستقبل أبنائه الذين هم أمل هذا الوطن الذي كتب عليه أن يصبح لعبة في أيدي من يمتلكون صنع القرار.
ولو بحثنا في جريمة الاعتداء علي الأطفال لوجدنا أنه لكل نتائج مقدمات ، فالبداية ليست في الاعتداء الجنسي ولكن في التحرش الذي يصيب أبناؤنا من سن سنتين علي الأقل ، وذلك عن طريق القيام بالتحسس علي مناطق معينة من أجسامهم مما يجعلهم يصابون بما يسمي بالاستفاقة الجنسية التي تجعلهم في حالة نشاط جنسي زائد ، فيتحولوا شيئا فشئ من مجني عليهم إلي جناة متحرشين من فرط رغباتهم الجنسية.
والتحرش الجنسي هو كل إثارة يتعرض لها الطفل ويكون عادة بين شخصين غير متكافئين، حيث يتعرض الطفل للاعتداء من شخص بغرض إشباع رغباته الجنسية ، و يكون الطفل في حالة عدم قدرة على الدفاع عن نفسه ، مما يصيبه بحالة من الرعب والفزع . كما أن الطفل يصاب بالخجل من التعبير والإفصاح لوالديه عما جرى خوفاً من إلقاء اللوم عليه وتأنيبه مما يزيد المشكلة تعقيداً
وقد يتطور الأمر من مجرد تحرش إلي اعتداء جنسي مكتمل الأركان على الطفل، والمؤسف أن التحرش الجنسي لم يعد يقتصر علي البنات فقط ولكن علي الذكور أيضا بسبب انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي لغياب الدين ، وانشغال الأهالي عن تربية أبنائهم التربية الأخلاقية والدينية السليمة.
والتحرش الجنسي على الطفل يصعب عدد تقدير الأشخاص الذين تعرضوا له ، فالأطفال والكبار على حد سواء يبدون الكثير من التردد في الإفادة بتعرضهم للاعتداء الجنسي ولأسباب عديدة قد يكون أهمها السرية التقليدية النابعة عن الشعور بالخزي الملازم عادة لمثل هذه التجارب الأليمة. ومن الأسباب الأخرى صلة النسب التي قد تربط المعتدي جنسيا بالضحية ومن ثم الرغبة في حمايته من الملاحقة القضائية أو الفضيحة التي قد تستتبع الإفادة بجرمه.
ولكل هذه الأسباب وغيرها، أظهرت الدراسات دائما أن معظم الضحايا الأطفال لا يفشون سرّ تعرضهم إلى الاعتداء الجنسي. وحتى عندما يفعلون، فإنهم قد يواجهون عقبات إضافية. ونفس الأسباب التي تجعل الأطفال يخفون نكبتهم هي التي تجعل معظم الأسر لا تسعى للحصول على دعم خارجي لحل هذه المشكلة، وحتى عندما تفعل فإنها قد تواجه بدورها مصاعب إضافية في الحصول على الدعم الملائم.
ويقع علي عاتق الاسرة دور كبير في الحد من هذه الظاهرة التي تستشري في عظام هذا الوطن كالسرطان الذي يلتهم جسد الانسان، فالاب والام يقع عليهما دور كبير في توعية وتعليم الطفل الفرق بين اللمسة الصحيحة واللمسة غير صحيحة،وتعليم الطفل خصوصية أجزاء جسمه ، والتحدث في تلك الموضوعات مع الطفل ينبغي أن يكون تلقائياً وأن يأتي ضمن حوارات بين الطفل ووالديه يتم من خلالها شرح أجزاء الجسم ثم التطرق إلى الأعضاء التناسلية من جسمه بشكل غير مباشر، ونصيحة الطفل بغلق دورة المياه علي نفسه من سن الرابعة، والأهم من كل ذلك هو أن تغرس في أبنائك الشجاعة والقوة لإخطارك بأنه قد تم التحرش به او الاعتداء جنسيا عليه ، وهذا لن يحدث إلا بمنح الطفل الثقة بنفسه وبوالديه حتي يتمكن من التطرق لكافة الموضوعات دون خوف او خجل.
والقانون عليه الدور الاكبر لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي ولن يتم ذلك إلا من خلال تغليظ العقوبات علي المتحرشين وعدم الاكتفاء بالعقوبات الهزلية ،ويكفي أنه في قضية الطفلة زينة اكتفت المحكمة بالحكم علي القاتل محمود كاسبر بالسجن خمسة عشرة عاما لأنه أقل من الثمانية عشر عاما ، رغم أن والده صرح للإعلام أنه يتمني أن يصدر ضد ابنه حكما بالإعدام لأنه قاتل وتجرد من كل معاني الرحمة والانسانية، وعدم اتخاذ قرار بإعدامه سيشجع الكثير من أمثاله من تكرار تلك النوعية من الجرائم.
ويبدو أن والد قاتل الطفلة زينة كان محقا بدليل تكرار حوادث اغتصاب وقتل الأطفال ، وكانت أخرهم الطفلة هدي التي قتلت في محافظة المنيا بعد القيام بالاعتداء الجنسي عليها
وأخشي وأنا بصدد إعداد المقال ألا تكون الطفلة هدي هي أخر حالات الإغتصاب الجنسي ، لأن حالات الإعتداء الجنسي تحدث بمعدل 20 ألف حالة سنويا ، وهناك دراسة حديثة للمركز القومي لحقوق الإنسان تؤكد أن 64% من المصريات قد تعرضن بالفعل للتحرش الجنسي ، وأن 33% منهن قد تعرضن أكثر من مرة للتحرش ، وهذا مايدعو إلي عدم مقدرتي علي الجزم أن الطفلة هدي هي اخر حالات الاعتداء الجنسي والقتل.
ورغم أن حادثة مقتل الطفلة زينة ومن قبلها بسملة كانت بمثابة جرس إنذار لكل المسئولين للتفكير في علاج لهذه الظاهرة التي أهدرت دم الطفلة زينة مقابل سجن المتهمان عدد من السنوات التي لاتشفي غليل أهل القتيلة إلا أننا جميعا وقفنا مكتوفي الأيدي ومعصوبي العينين أمام التخاذل الواضح مع كل أطراف الجريمة.
وتتحمل الدولة جزء كبير من المسئولية بصفتها مسئولة بشكل كبير عن انتشار البطالة وتوافر المخدرات والاقراص المخدرة التي تجعل متناوليها في حالة من الهياج الجنسي الزائف ، فتجعل بعضهم يقومون بالتحرش الجنسي للأطفال التي لم تكتمل معالم اجسامهم ، ولكن الشهوة الشيطانية في مثل هذا التوقيت تكون هي المسيطرة علي عقل وجسد المتحرش.
ولا ننكر أن الإعلام خاصة في ظل انتشار الفضائيات عليه دور كبير في القيام بحملات التوعية الإعلامية لتوضيح طرق التخلص من ظاهرة التحرش والاعتداء الجنسي ، والمؤسف أن بعض مايعرض علي الفضائيات يرسخ فكرة أن النساء والاطفال هم مجرد سلع تباع وتشتري.
ولاشك أن الخطاب الديني تقع عليه مسئولية كبيرة وخطيرة ، خاصة في ظل مواجهته للميراث الوهابي المتطرف الذي نشره السلفيون والإخوان المسلمون حول نظرتهم للمرأة ، وتحويلها إلى مجرد وعاء ومتاع للرجل ، وليست إنسانًا كامل الأهلية له حقوق وعليه واجبات متساوية ، فظاهرة التحرش الجنسي هي إفراز طبيعي لمجتمع غاب فيه القانون الرادع الذي يجرم مثل هذه السلوكيات، رغم أن مصر تحتل المركز الثاني فيه بعد أفغانستان، إضافة لغياب الرادع المجتمعي الذي يعمل على تقويم غياب الأخلاق، سواء عبر الإعلام أو الخطاب الديني.
والتساؤل الذي يطرح نفسه و بقوة بعد انتشار ظاهرة التحرش بل والاعتداء الجنسي علي الأطفال ... إلي متي سيظل الطفل المصري كاللعبة أمام حفنة من القوانين المليئة بالثغرات التي تجعل أطفالنا لا يستمتعون بحياة سوية ولا يلعبون سوي مع ذويهم من القتلي في جنة الخلد ؟....
أتمني أن أجد إجابة تشفي غليلي كمصري يريد أن يطمئن علي أطفال بلاده قبل أن يرحل معهم ليلقاهم يوم الحساب...
بقلم / شادي إبراهيم بهلول
مدرس الإعلام المساعد بكلية الاداب جامعة المنصورة