لقد تعودنا من إسرائيل بأنها تتنقل في الصراع من مجال إلى أخر دون أن تجعلنا نحقق أي إنجاز في أي قضية, فمرة تفتعل قضية الاستيطان ببعض الاستفزازات وتصبح شغلنا الشاغل ورغم ذلك لا تحقق مطالبنا وبعد ذلك يغلق ملف الاستيطان ونحن خاسرون ومحبطون, وهكذا قصص تنفذها في كافة القضايا كل فترة, ومرة أخرى تفتعل قضية القدس ونتراجع مستسلمين محبطين لقسوة وجبروت الاحتلال, والأن قامت إسرائيل بالتلكؤ في الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى المقرر الإفراج عنها كحلقة جديدة من مسلسل الهزائم.
إن هذا التأخير في الإفراج عن الأسرى القدامى الذي كان بتعهد أمريكي جعل قضية الأسرى هي التي تشغل بال الفلسطينيين في الوقت الحاضر, وكأن الفلسطينيون قد فك عنهم الحصار وتوقف الاستيطان والتهويد في القدس وأعلنت دولتهم وحصلوا على حقوقهم ولم يبقى غير قضية الأسرى, فهذا الاستفزاز الإسرائيلي جعل قضية الأسرى تطغى على كل القضايا, وستجعلنا نشعر مرة أخرى بالهزيمة المدوية.
تأخير الإفراج عن الأسرى يحمل في مضمونة عدة رسائل تجعلنا نشعر بالهزيمة والإحباط وهي عدة نقاط كالتالي:
1. ضربة قوية لعملية السلام, فقد هدمت جهد كبير من المفاوضات وأصبحت كل تلك المفاوضات وكأنها مضيعة للوقت ولمجرد التسلية, فهي جعلت الفلسطينيون يفقدون أي أمل في عملية السلام التي كنا نحلم بها.
2. هذا التأخير يثبت بأن الولايات المتحدة رغم عظمتها إلا أنها لا تستطيع أن تجبر إسرائيل على أي شيء, فرغم التعهد الأمريكي بإلزام إسرائيل في الإفراج عن الأسرى إلا أن إسرائيل لم تلقي لذلك بالا, وقامت بما هو مخطط لضرب الفلسطينيين بعمقهم.
3. إن هذا التلكؤ يجعلنا نتيقن بأن ما كان يسمى بالضغط الأمريكي على إسرائيل لم يكن إلا مجرد شكلياً وإعلامياً, وأن أمريكا لم تقم بالضغط الحقيقي إلا على الفلسطينيين, وهذا يجعل الولايات المتحدة ليس وسيطا للسلام بل هي طرف في الصراع إلى جانب إسرائيل.
4. لقد مثل هذا التأخير ضربة بحق الأخلاق وبحق الإنسانية, لقد انتظر هؤلاء الأسرى سنوات طويلة من عمرهم حتى تنازلت القيادة الفلسطينية من أجلهم وحينما جاء موعد حريتهم, بدأت إسرائيل بلعب سياستها الغير أخلاقية والغير مبررة, فأن موضوع مثل الحرية غير مبرر إطلاقاً أن تتم ممارسة السياسة القذرة بحقه.
5. ويعتبر هذا الإخلال بالإتفاق استهزاء الفلسطينيون وبحقوقهم ومطالبهم, فأن إسرائيل في هذه الظروف التي تعتبر مصيرية بالنسبة للفلسطينيين, وقد تنازلوا كثيرا للدخول في المفاوضات, ورغم وضع الفلسطينيين الحرج وبالنهاية فوق كل ذلك تقوم بالاستهزاء بمطالبهم التي تم الاتفاق عليها, فأن ذلك يجعل الفلسطينيون يشعرون باليأس من التوصل إلى حلول مع إسرائيل, وهذا هو ما تريد أن توصلنا إلية إسرائيل.
6. الخدعة سياسة معروفة قديما وهي تجعل الطرف المخدوع يشعر بالأسف والندم, لقد مارست إسرائيل الخدعة على الفلسطينيون فقد أفرجت عن أول ثلاث دفعات كي تضمن عدم ذهاب الفلسطينيون إلى المنظمات الدولية وفي أخر دفعة لم تلتزم بها لأن الفلسطينيون بعد ذلك يحق لهم التوجه للأمم المتحدة, فهذه السياسة الغير أخلاقية في ظل سكوت عالمي وأمريكي تجعل الفلسطينيون يشعرون بالإحباط وعدم إمكانية التوصل إلى سلام مع إسرائيل, وهذا ما تريده.
7. الابتزاز أيضاً سياسة غير أخلاقية, لقد مارست إسرائيل أيضاً الابتزاز للفلسطينيين في هذه القضية وهي تعلم أن الفلسطينيون لن يقبلوا بشروطهم, ولكن الهدف هو تحطيم الآمال والأحلام الفلسطينية للحصول على اكبر قدر من التنازلات الفلسطينية.
نعم كانت كل هذه النقاط السابقة كافية لتُدخل الهزيمة والخنوع لقلوب الفلسطينيين, ولكن هل يجب على الفلسطينيون الاستسلام لهذه السياسة الغير أخلاقية, فنحن عهدنا هذه السياسة, ويجب أن تكون السلطة الفلسطينية قد توقعت ذلك مسبقا وجهزت نفسها للرد المناسب على هذه السياسة الإسرائيلية الثابتة والمعروفة, لماذا لم تقوم السلطة بتجهيز حملة عالمية لمثل هذا الموقف, فهل تتوقع بأن إسرائيل ستستمر في تأخير الأسرى لو وجدت حملة عالمية لحشد المعارضة العالمية لهذا الإجراء الغير أخلاقي بالطبع لا.
لذلك يجب على الفلسطينيون عدم الشعور بالإحباط واليأس من هذه السياسة ويستمرون في المفاوضات كما تم الاتفاق عليها, أما قضية الأسرى يجب أن يتم وضع جدول أعمال للتعامل معها, من خلال عدة أمور أولا حشد التأييد العالمي لهذه القضية مع طرح كافة القضايا بحيث تفضح جميع الجرائم الإسرائيلية وعلى رأسها تأخير الأسرى, وحشد المعارضة والمقاطعة العالمية لإسرائيل, ويجب أتخاذ قرار بالذهاب إلى المنظمات الدولية اذا لم يتم الإفراج عن الأسرى على الفور, ولا يجب انتظار المماطلة والتلكؤ الإسرائيلي في هذا المجال, لان الانتظار لا يجدي نفعا مع إسرائيل ولن نحصل على شيء وسنخسر الأسرى ونخسر المنظمات الدولية اذا انتظرنا إسرائيل وسياستها المعروفة بالمراوغة والتسويف فقد جربناها كثيرا ونعرف سياستها اليمينية المتطرفة.