يبدو أننا الفلسطينيين في هذا الزمن الطويل مكتوب علينا أن نعيش على هذه الأرض الطيبة في حالة كفاح ونضال مستمر مع الاحتلال من أجل الأرض والهوية باعتبارها مكون أساسي في شخصية الانسان الوطني وجزء أصيل من ثقافته المغروسة بملامح نضالية فاقت كل المصطلحات المترادفة مثل الكرامة والشرف والعرض وغيرها، ولما تعد الارض هي محور مرتكز لمعظم المشاكل التي تدور حول العالم سياسيا واقتصاديا في ظل مجتمع واحد او تحت نسيج المجتمع الدولي، حيث وظفها كثير من الشعراء في شعرهم بوصفها الحب والحنان والشهادة والتضحية والفداء، كل ذلك ينم عن حب الانسان للأرض باعتبارها الركن الأساسي في الدولة، فالدولة بدون أرض كالورق بدون حبر لا فائدة منه، فمنذ أن وجد الفلسطيني على هذه الأرض بدأت رحلته الكفاحية والنضالية ضد الاستعمار والاحتلال والاطماع الصهيونية بأرض فلسطين، فعلاقة الفلسطيني بأرضة علاقة أزلية متجذرة بكل معاني الانتماء، فالأرض تمثل الرصيد البنكي لكل فلسطيني ولد على هذه الأرض وترعرع عليها بين أشجارها ووديانها وجبالها وأنهارها، فالدفاع واجب وشرف وطني لهذه الارض مهما كانت الوسائل الممكنة.
ولا شك أن الفلسطيني على مر سنوات الاحتلال لم يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات الاحتلال لمصادرة الأراضي تحت حجج واهية، وما هبة الجماهير الفلسطينية في العام 1976 ضد مشروع تهويد الجليل بمصادرة قوات الاحتلال الاسرائيلي آلاف الدونمات من الأراضي العربية إلا محطة نضالية أثبت شعبنا وحدته وهويته الوطنية يوم افتدى المواطنون أرض فلسطين في الثلاثين من آذار صونا وحماية لعروبة الأرض وبرهن الشعب الفلسطيني على علاقته الأزلية بأرضه، ومصيرهم الوجودي عليها، حتى بات يوم الأرض الفلسطيني، أحد الملامح المميزة لنضال شعبنا ضد المشروع الاحتلالي الاستيطاني العنصري على أرض فلسطين التاريخية والطبيعية، وحقه في استخدام وسائل المقاومة الشعبية والمشروعة لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني، فالفلسطينيين من تراب هذه الأرض، ومن صخورها صامدون، يناضلون بالسبل المشروعة والقانونية لتحريرها أو يحيوها بتضحياتهم، فأرضهم حياتهم ومصيرهم، فإما أن تكون حرة ويكونون أحرارا أو لا يكونون، وما المقاومة الشعبية في محافظات الوطن إلا صورة مشرقة للعمل الجماهيري والنضال الشعبي الذي أثبت جدواه عبر ما حققه من انتصارات وما جلبه من دعم وتأييد عالمي للقضية الفلسطينية وحقوق شعبنا.
لذا فالتمسك الفلسطيني بالأرض يندرج تحت إطار التعبئة الوطنية لحق العودة ولحقوق اللاجئين الفلسطينيين، حيث أن القري والمدن الفلسطينية بأراضيها وسكانها وأشجار زيتونها تعطي الأجيال القادمة فكرة عميقة عن مراحل النكبة وحياة اللجوء والتهجير، وعن المعاناة التي يمر بها أهل فلسطين ومراحل صمودهم وتمسكهم بالجزء المتبقي من قراهم ومدنهم رغم ممارسات الاحتلال القمعية، بما يعزز روح النضال والصمود لدى الجيل الشاب للمطالبة بحقوقهم وعدم التفريط بها، والإيمان بضرورة العودة، ليس لان العودة حلم، بل لأنها الطريق لإنهاء معاناة اللجوء مهما طال الزمن، وهنا يستحضرنا قول شاعرنا الكبير محمود درويش في يوم الأرض:
يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها
احرثوا جسدي!
أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
مرّوا على جسدي
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرضُ في جسدٍ
لن تمرّوا
أنا الأرض في صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا!