بروتوكول التعاون العربي

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

يبدو أن الأنظمة العربية تخطط للإعلان عن بروتوكولٍ جديد للتعاون العربي، ومن المتوقع أنه سيكون مختلفاً عن أي بروتوكول سابق، ولن يتشابه مع ميثاق الإخاء العربي المشترك، إذ سيكون حدياً وقاطعاً، وصريحاً وواضحاً، وسافراً ومكشوفاً، ولن تضطر الأنظمة والحكومات العربية لإخفائه أو التعمية عليه، إذ سيكون معلناً، كما لن تحرص على تزيينه وتجميله، وإبرازه في صورةٍ ألطف، كي يقبل به المواطن العربي، أو يسكت عن عيوبه، ولا يثور لمواجهته، أو يهب للتصدي له، والعمل على إسقاطه.
ربما تكون المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع مجلس التعاون الخليجي، هم الذين يقفون وراء هذا المشروع الجديد، الذي هو ميثاقٌ أمني بامتياز، إذ لا يستند لغير الملفات الأمنية، ولا يعنى بغيرها، ولا يهمه سواها أياً كانت أهميتها، فهو لا يعني بالملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، إلا بما يتقاطع مع الملف الأمني، ويخدمه لجهة الاستفادة منها في تفعيل البروتوكول وتنشيطه.
أما الأساس الذي يقوم عليه هذا البرتوكول، فهو في إطاره العامة محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، وملاحقة عناصره والعاملين فيه، وتبادل مختلف المعلومات حول بؤره ومجموعاته، ومناطق نشاطهم، ومربعات انتشارهم، وغير ذلك من العناوين المتعلقة بملف الإرهاب عموماً.
فضلاً عن محاربة التطرف الديني، واستهداف المفاهيم الدينية الخاطئة، التي تتجه إلى تكفير المجتمع، ومحاربة الأنظمة والحكومات، وتجويز القتل، وإقامة الحدود، وفرض مفاهيم ومسلكيات دينية خاصة على أفراد المجتمع، وذلك تمهيداً للقيام بعملياتٍ أمنية مشتركة، بهدف إجهاض هذه المجموعات واستئصالها.
أما في تفاصيل البروتوكول الحقيقية، فنجد أن الهدف الأول والأساس هو محاربة حركة الإخوان المسلمين، ووصفها بالإرهاب، وكل من تفرع عنها، أو انتمى إليها، أو عمل ونسق معها، أو توافق مع أهدافها، وانسجم مع أفكارها، أو قدم الدعم لها، أو شكل لها غطاءً أو إسناداً، أو انتمى إلى مدرستها فكرياً وسياسياً، أو درس كتبها واقتناها، أو تلقى العلم من أساتذتها وشيوخها، أو تلقى تدريباتٍ على أيدي رجالها.
يقوم هذا البرتوكول بكل صراحةٍ ووضوح على محاربة حركة الإخوان المسلمين حيث وجدت، وقد أصبح هذا الهدف معلناً ومعروفاً، وقد شرعته دولٌ وحكومات، وبدأت في تنفيذه بقوةٍ وعنف، رغم ما سيتركه من آثارٍ إجتماعية خطيرة، نظراً لكبر جماعة الإخوان المسلمين، وسعة انتشارها، وتغلغلها الكبير في النسيج العام للشعوب، إذ ينتمي إليها مئات الآلاف من مواطني الدول العربية وغيرهم، ما قد يؤدي إلى تفسخاتٍ إجتماعية، وموجات من الهجرة الجماعية، ولجوءٍ المنتسبين إليها إلى العمل السري.
لا تكتفي الأنظمة والحكومات الموقعة على هذا البروتوكول، بملاحقة جماعة الإخوان المسلمين ومعاقبتها وتجفيف منابعها، بل بدأت العمل على تشويه صورتها، وتلطيخ سمعتها، والإساءة إلى فكرها، وسخرت لهذه الغاية كل الطاقات والقدرات الممكنة، فلم تكتفِ بما تقوم به الأجهزة الأمنية، ووسائل الإعلام، والصحف والمجلات وأصحاب الأقلام المأجورة، التي أسالت سم أقلامها في جسم الجماعة، بل لجأت إلى توظيف علماء الدين والمشايخ، والوعاظ وخطباء الجمعة، وأعيان المجتمعات، للمساهمة في تشويه صورة جماعة الإخوان، وبيان مخالفتها للدين، ومعارضتها لمفاهيمه، وإبراز فكرها بأنه منحرف، وعملها بأنه ضال، وشككت في أهدافها، وغمزت من قناة تمويلها، ومرجعياتها الفكرية والتنظيمية.
وبدأ الإعلام الموجه في تسليط الضوء على ما يسيئ إلى رموزها، فاتهمهم زوراً وبهتاناً بأنهم يقومون بأعمالٍ مشينة، ويرتكبون أخطاءً جسيمة، ويمارسون الحرام والمنكر، ويقترفون الجريمة والفاحشة، وأنهم يخفون عن المجتمع مسلكياتهم الخاطئة، ويظهرون لهم مثالية أخلاقية كاذبة، وأنهم يبحثون عن مصالحهم، وما يخدم أغراضهم الخاصة، واتهمتهم ظلماً وعدواناً بأنهم يهتمون بالشهرة والإعلام وجمع المال، واقتناء الذهب والنفائس، وأنهم يحرصون على أرصدتهم في البنوك، وممتلكاتهم العقارية، ولديهم الكثير من المشاريع العملاقة، خارج وداخل الدول العربية، التي تهتم بتبيض الأموال، وتمويل الأنشطة والفعاليات، وتسيير عمل مؤسسات الجماعة، ظانةً أنها ستنجح في تشويههم، وفض الناس من حولهم.
للبروتوكول شقان مختلفان، أما الأول فهو ترغيبي وفيه حوافز، ولمن آمن به واتبعه تسهيلاتٌ وعطاءات، وأما الثاني فهو تهديدي وفيه عقوبات، ويشتمل على تحذيراتٍ كثيرة، وعلى كل الأنظمة أن تدرس العرض، وأن تفكر جدياً أين ستمضي، ومع أي فريقٍ ستكون، وعليها أن تدرك أن لقرارها تبعاتٌ ونتائج، وأنها المسؤولة عما سيترتب على قرارها، مكافأةً أو عقاباً، تعاوناً أو عزلاً وإقصاءً.
إذ ستتمتع الدول التي ستنظم إلى هذا البروتوكول وستوقع عليه، بالعديد من الامتيازات العامة والخاصة، وهي فضلاً عن التنسيق الأمني المشترك، وتبادل المعلومات والبيانات، فإن الدول الغنية ستلتزم تجاه الدول الفقيرة، بتمويلها بما تحتاج من معداتٍ وآلياتٍ لإنجاح هذا البروتوكول، وضمان استمراره، ليؤتي أكله المطلوبة، ويؤدي الغرض المتوقع منه، إذ ستزود مطاراتها ومعابرها البرية والبحرية، بأجهزة كمبيوتر ضخمة، تكون قادرة على ملاحقة ومتابعة كل المطلوبين، وحصر بياناتهم، وتمييز شخصياتهم عبر قزحية العين، وبصمة اليد، وغير ذلك من الوسائل الحديثة التي تحدد وتميز، وتحول دون التهريب والدخول غير الشرعي، بواسطة جوازات سفر مزورة، التي أصبح كشفها سهلاً بواسطة الأجهزة الحديثة المختصة بها.
أما الحوافز المقدمة للدول الموقعة فهي كثيرة جداً، ومنها مضاعفة عمالتها في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وتسهيل توظيفهم وإجراءات إقامتهم وتحويلهم للأموال، فضلاً عن زيادة حصص هذه الدول من النفط والغاز بالمجان أو بأسعارٍ تفضيلية، والمساهمة في إنعاش إقتصاديات بلادهم، وحقن موازناتهم، وإمدادها بمليارات الدولارات، التي من شأنها الحفاظ على عملاتهم الوطنية، واستقرار حالتهم الإقتصادية، فضلاً عن تقدم منحٍ ماليةٍ لمشاريع إنمائية مختلفة، ومساعداتٍ عسكرية، وضماناتٍ دولية، شرط أن تصدق كل ما يقال عن الإخوان، وتلتزم به.
فهل ستخضع الدول العربية بأكملها لهذا الميثاق الجديد، وستوقع على البروتوكول المقترح وتلتزم به، أم أن بعضها ستصمد أمام الإغراءات، وستقف في وجه التهديدات، وسترفض هذا البروتوكول، ولن تكون شريكاً في هذه الجريمة الأخلاقية والوطنية، التي من شأنها تجريم قطاعٍ كبيرٍ من الأمة، وتوصيفه بما ليس فيه، واتهامه بهتاناً بما هو منه برئ.

https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 2/4/2014