.....كنت وما زلت من غير المعولين،بان نهج وخيار المفاوضات المتواصلة منذ حوالي عشرين عاماً سيوصلنا إلى الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني،في دولة فلسطينية مستقلة على كامل أراضي عام 1967،وتحقيق حق العودة للملايين من أبناء شعبنا المشردين والمهجرين والمقيميين في مخيمات الذل واللجوء.
وعدم التفاؤل هذه ليس مرده الى التطير او العدمية وعدم الواقعية،بل إستناداً الى معطيات الواقع والوقائع،فمنذ مؤتمر مدريد وحتى اللحظة الراهنة،ونحن ندور في نفس الحلقة المفرغة،ومفاوضات عبثية غير منتهية،بل يستغلها الإحتلال من اجل فرض وقائع وحقائق جديدة،تمكنه من تنفيذ مخططاته واهدافه في قتل وإلغاء أية إمكانية جادة وحقيقية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس،ورغم كل ذلك هناك في القيادة الفلسطينية من يعاند الحقائق والوقائع،ويتمنى ان يحصل على "الدبس من قفا النمس" او "يحلب الثور" ويعود لتجريب المجرب،فالعودة الأخيرة للمفاوضات كانت بمعزل عن الهيئات والمؤسسات الرسمية الفلسطينية،وكذلك متعارضة مع رغبة أغلب مكونات الشعب الفلسطيني،وجرت العودة بدون مرجعية واضحة وبدون إلتزامات محددة من قبل الجانب الإسرائيلي،بدلالة ان المفاوضات كانت تجري في ظل الإستيطان،وكانها تتم برضى ومباركة الطرف الفلسطيني،والإحتلال فرض في العملية التفاوضية على السلطة الفلسطينية القبول بمبدأ " أسرى مقابل إستيطان"فمع كل دفعة أسرى من أسرى ما قبل أوسلو (104 ) تحررت،كان يتم الإعلان عن طرح عطاءات جديدة لإقامة مشاريع إستيطانية بمئات،بل ألآلاف الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية،ولتبلغ الأمور ذروتها بأن صعد الإحتلال من قيمة الثمن والإبتزاز السياسي المطلوب من السلطة الفلسطينية مقابل الموافقة على إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى التي كان سيجري تحررها في 29/3/2014،بمطالبة السلطة الفلسطينية بالموافقة على تمديد مدة المفاوضات بستة أشهر اخرى،وان تتعهد امريكا بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي بولارد مقابل الأسرى الفلسطينيين من الداخل – 48 - .
هذه المواقف من قبل حكومة الإحتلال المتطرفة،والتي بات واضحاً بأنها تريد لهذ المفاوضات الإستمرار من اجل تكريس واقع سلطة بدون سلطة وإحتلال بدون كلفه وإخراج لقطاع غزة من الجسد الفلسطيني،جعلت الإستمرار فيها او حتى تمديدها وفق ما تريده اسرائيل،نوع من الإنتحار السياسي،والذي يزيد في تآكل هيبة السلطة والثقة بها،والتي أصبحت على المحك وفي خطر جدي فيما لو استمرت بالمفاوضات وفق الشروط والإملاءات الإسرائيلية،وقد جاء الرفض الإسرائيلي للإلتزام بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى،لكي يدفع بالسلطة الى اتخاذ خطوة كان عليها ان تتخذها بعد الحصول على عضوية الدولة المراقب في هيئة الأمم المتحدة بعد 29/11/2012،ولكن هذه الخطوة المتأخرة ان تأتي أفضل من ان لا تاتي،خطوة تقديم الطلب بالإنضمام الى 15 منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية،جاءت لتشكل خطوة في الإتجاه الصحيح،ولكن تلك الخطوة نرى انها محدودة،وربما ستكون خطوة في الإطار التكتيكي التفاوضي اذا لم يتبعها خطوات اخرى،فهذه الخطوة تعني الإنضمام الى منظمات ذات طابع حقوقي وانساني مثل حقوق المراة والأشخاص ذوي الإعاقة وقضايا التعذيب وغيرها،وتلك المؤسسات او المنظمات،أمريكا ليست عضواً في اغلبها وغير ممولة لها،وبالتالي ممارستها للضغط والإبتزاز على الطرف الفلسطيني تكون محدودة،والخطوة التي تشكل عامل ضغط وتحدي حقيقي لأمريكا واسرائيل،هي طلب الإنضمام الى محكمة الجنايات الدولية ومعاهدة روما،لكي نتمكن من ملاحقة قادة اسرائيل ومحاكمتهم كمجرمي حرب على جرائمهم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني،الجرائم بحق الأسرى او الإستيطان،او محاولة فرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى وغيرها من إجراءات وممارسات قمعية بحق شعبنا الفلسطيني.
أما اذا كانت الخطوة تأتي في سياق وإطار تحسين الشروط التفاوضية،فهذا يعني بأن عوامل توحيد الساحة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام،لن تتوفر قريباً،حيث ان تلك الخطوة يجب أن يستتبعها خطوات وممارسات فلسطينية على الأرض،أولها ان يصار الى عمل جدي وحقيقي من اجل إنهاء الإنقسام،يبدأ بحل الحكومة المقالة في غزة وكذلك الحكومة في رام الله،ومن ثم العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية،وفي إطار المنظمة يجب العمل على إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية للمنظمة بحيث تمثل فيها حماس والجهاد الإسلامي،ويجب ان تبنى استراتيجية فلسطينية جديدة تقوم على الصمود والمقاومة،تعمل على تصعيد النضال والكفاح الشعبي والجماهيري ضد الإحتلال،مترافقاً مع خوض النضال والإشتباك السياسي مع الإحتلال في كل المحافل الدولية،وبما يعزز من حملة المقاطعة ضد دولة الكيان وعزلتها على الساحة الدولية،وبما يوقف حالة الهرولة والتطبيع من قبل بعض القيادات السياسية والتي من شانها أن تشكل شرعنة وحاضنة للقاءات التطبيعية .
أتمنى ان تكون المواقف والشروط التي طرحها عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح العالول وعريقات مع عدد مع الكادر الفتحاوي،حول العودة للمفاوضات جدية وحقيقية ويجري الإلتزام بها،فهي ستشكل رافعة حقيقة للنضال الفلسطيني،ولتوحيد كل مكونات ومركبات الطيف السياسي والمجتمعي الفلسطيني.
تلك الشروط التي لا يختلف عليها إثنان في الساحة الفلسطينية،فلا احد ضد ان يكون هناك إلتزام اسرائيلي واضح وصريح بالإعتراف بدولة فلسطينية على كامل حدود عام 1967 وعاصمتها القدس،ولا ضد إطلاق سراح الأسرى وقياداتهم التاريخية والسياسية،الحديث عن (1200) أسير في مقدمتهم سعدات والبرغوثي،وكذلك عودة مبعدي كنيسة المهد،والإلتزام بإتفاقية المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزة،وجمع شمل (15000) عائلة فلسطينية بمواطنة كاملة،ووقف الإستيطان في القدس وإعادة فتح المؤسسات المقدسية المغلقة ،ووقف الإقتحامات لمناطق السلطة وإستباحتها بالإعتقالات والإغتيالات.
هذه الشروط والمواقف الفلسطينية،إذا ما جرى الإلتزام بها،فنحن أمام تغير ذات طابع استراتيجي في رؤية وسياسية السلطة والقائمين عليها،اما اذا كانت لتحسين الشروط التفاوضية في الإطار التكتيكي،فإنها ستقودنا الى المزيد من المتاهات وضياع الحقوق والإنقسام.
وانا أرى بأن السلطة لم تصل الى قناعة بضرورة مغادرة نهج وخيار المفاوضات،واخذ خيارات ذات طابع استراتيجي ونوعي.
القدس المحتلة – فلسطين
4/4/2014
0524533879
[email protected]