عضويتنا في المنظمات الدولية ليست رقماً

بقلم: صلاح صبحية

لحظة تقف القيادة الفلسطينية في مواجهة العدو الأمريكي الصهيوني فإنها تجد كل الشعب الفلسطيني معها ، لأنّ عدم الانخراط للكل في مواجهة العدوّ في ظل الإستراتيجية العامة للنضال الفلسطيني يعني ضعفاً فلسطينياً في المواجهة وقوة مجانية للعدوّ ، وعندما انتقلت القيادة الفلسطينية من موقع الضعف إلى موقع القوة وجدت في شعبها الرديف القوي لها ، وعندما انتقلت من موقع الضبابية إلى موقع الرؤية الواضحة وجدت شعبها يمنحها مزيداً من القوة ، وهذا يعني أنّ الرهان الحقيقي هو على جماهير الشّعب العربي الفلسطيني ، وكل رهان على غير الشّعب هو رهان خاسر ، فلا رهان على الولايات المتحدة الأمريكية ، فهي كانت وما زالت صاحبة المشروع الاستعماري الصهيوني على أرض فلسطين ، ومازالت صاحبة المصلحة العليا فيما يحققه هذا المشروع من أهداف لها في المنطقة العربية ، لذلك عندما وقعّ الرئيس الفلسطيني على طلبات الانضمام إلى بعض المنظمات والاتفاقات الدولية إنما كان يستند إلى جماهير الشّعب الفلسطيني وإلى إجماع القيادة الفلسطينية ثانياً ، فلا عجب أن تنفرج أسارير الشارع الفلسطيني رغم عدم قيام الصهاينة بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى ، لأنّ الشارع الفلسطيني أدرك حقيقة المساومة التي يريدها الصهاينة ، مساومة الحقوق الوطنية بالإفراج عن الأسرى ، ظناً من الصهاينة أنهم قادرون على فرض شروطهم وإملاءتهم على الجانب الفلسطيني كما كان يحدث سابقاً ، لكنّ الفلسطينيين أدركوا أخيراً أنه لا يمكن القبول وتحت أي ظرف من الظروف بما يريده الصهاينة ، فالصهاينة يريدون الأرض الفلسطينية كما يريدون التخلص من الفلسطينيين ورميهم في البحر ، لأنهم ما زالوا يصرّون بأنّ أرض فلسطين أرضٌ بلا شعب ، فانقلبت اليوم المعادلة التي يعملون بها ، وأصبح الفلسطينيون داخل نسيج المجتمع الدولي بكل مكوناته .
وما أحوجنا اليوم كفلسطينيين أن نستفيد من تجاربنا السابقة مع العدوّ الأمريكي الصهيوني ، وأهم ما يجب أن نستفيد منه هو عامل الزمن ، فالزمن بطبيعته لا يعود إلى الوراء ، والزمن هنا ليس زمن أفراد وجماعات وفصائل ، وإنما هو زمن شعب بكامله ، ولكي لا نجعل الزمن سلاحا في يد عدونا ، علينا أن نحوّل الزمن إلى سلاح نشهره في وجه هذا العدوّ المتغطرس ، وهذا لا يتم إلا بمتابعتنا لما حققناه في طلب الانضمام إلى المنظمات والاتفاقات الدولية ، بحيث لا يكون انضمامنا إلى تلك المنظمات والاتفاقات مجرد الحصول على رقم خاص بنا في عضويتها ، بل أن يتحول الانضمام إلى استثمار حقيقي لمصلحة قضيتنا الفلسطينية ، فالانضمام الفلسطيني إلى أي منظمة أو اتفاقية يجب أن يعني المباشرة بالتعبير الايجابي عن هذا الانضمام ، وذلك من خلال تحقيق مصالحنا الوطنية الفلسطينية بوجودنا في أي منظمة أو اتفاقية ، فلا معنى لانضمامنا إلا بقدر ما نحقق من انجاز لمصلحة القضية الفلسطينية ، وإلا فإنّ عامل الزمن سيكون قاتلاً لنا ، حتى لا نجد عدونا يقول لنا لن يتغير على الشّعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية أي شيء نتيجة هذا الانضمام ، كما قال لنا المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة لحظة قبولنا دولة غير عضو في الأمم المتحدة بأن الفلسطينيين سيستيقظون صباحاً دون أن يجدوا شيئاً قد تغير .
ومن هنا علينا ألا نجعل من هذا الانضمام موقفاً تكتيكياً لإجبار الصهاينة الأفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى ، بل أن يتحول هذا الانضمام إلى انجاز حقيقي يخدم مستقبل القضية الفلسطينية ، وأن لا تتوقف سلسلة الانضمام إلى المنظمات الدولية تحت أي ضغط من الضغوط ، فليس من مصلحة عدونا أن يرانا في مواجهته في خنادق المواجهة التي تؤكد على حقيقة وجودنا كشعب تحت الاحتلال ولاجئاً خارج وطنه ، والمواجهة لا تتم إلا باستعمال كافة حقوقنا في هذه المنظمات والاتفاقات .
وهذا يتطلب مزيداً من ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، وأنّ تكون المنظمة هي فعلاً ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، وترسيخ أسلوب العمل المشترك داخل المنظمة ، وأن يتحمل الجميع مسؤولية المرحلة الجديدة من صراعنا مع عدونا في كافة أماكن الصراع ، لأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن ترتفع وتيرة الصراع مع العدوّ دون أن ينخرط فيها كل أبناء الشّعب العربي الفلسطيني .

حمص في 5/4/2014 صلاح صبحية