أسوأ شيء في الدنيا أن نكتب لمن لا يقرأ أو نشكو لمن لا يسمع أو نطالب بالتغيير من يصرون على ألا يتغيروا ، وكم استصرخنا ضمائر المسئولين للتدخل لعلاج مشكلات أو التصدي لقوانين ظالمة دون جدوى والنتيجة أن وتيرة الظلم والعنصرية والفساد في إزدياد ، وبالرغم مما يقال من معسول الكلام لتبرير هذا الفساد والإفساد تبقى الأفعال هي الحكم ، فالفساد هو الفساد والمشكلات هي المشكلات والقوانين الخارجة على القوانين لا تزال حجر عثرة في طريق إنصاف المظلومين ، ولأن شرائح المظلومين متعددة ولأن الظلم الواقع على غزة من القريب والبعيد ومن الأخ والصديق أصبح لا يطاق ، فسأكتب اليوم وكعادتي وبعيداً عن المتغيرات السياسية والدولية عن شريحة الموظفين وأترك الجوانب الأخرى لغيري ليسلط الضوء عليها .
أكتب اليوم إلى وزير المالية رسالتي الثانية وبعد أن خاطبته في رسالتي الأولى بنوع من الأمل والتفاؤل ، أجد نفسي مدفوعة لمخاطبته في رسالتي الثانية بكثير من الغضب والألم والحزن ، فبعد أن تأملنا أن يكون له من أسمه نصيب وأن يكون كالبشارة ، فإذا به يتجاهلنا ويتعامل معنا على أننا قذارة ، مع أن أيدينا ووجوهنا وأرجلنا تعلم العالم معنى الطهارة ، ولما وجدت أن الكلام أصبح لا ينفع ، وأن الآذان قد صُمت فلا تسمع آهات المظلومين ولا تنظر الأعين إلى فئات المسحوقين ، فلقد صمتت ، لأن صمتي هو كل ما استطعت البوح به ولقد صمتت لأن بعض الضمائر أصبحت منتهية الصلاحية ، أصبحت تتشدق بالعنصرية ، وغابت عن تصرفاتها الوطنية ، وأصبحت تلعب على وتر المناطقية ، وإلا بالله عليكم كيف يمكن تبرير الأفعال الحكومية تجاه موظفي الشرعية ؟!!! . .
إن أكثر ما يحزن أن هذا الوطن الجامع المُهاب المهيب والذي دُفع من أجل بقاؤه الدم الغالي والنفيس وهو الذي أعطى الهيبة لكل هؤلاء ولكل المسميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، بات أشبه بالشيخ الطاعن الذي لم يعد يُسمع له ولا يُسمع منه ، ولا يُنظر له بعين العطف ، ولا يتلمسه أحد بيد الحنان ، هذا الوطن الذي أصبح يضيق على أهله بعدما ضاقت أحلامهم ، بعدما تفنن البعض الذي أملنا أن يكون الأب الحنون الذي يبلسم الجروح في إلحاق مزيداً من الأذى والظلم على الكاهل المثقل بآثار الإنقلاب والحروب و الحصار .
فالخصومات على الموظفين في المحافظات الجنوبية في ازدياد ، وملفات الموظفين العالقة في أدراج الإهمال والحرمان ما زالت تنتظر اليد الحانية لتنفض عنها الغبار الذي تراكم عليها ، ومع هدر أبسط الحقوق المكفولة للموظفين في الحصول على درجاتهم المستحقة وترقياتهم وعلاواتهم المتوقفة تحت حجج ومبررات أقل ما توصف به أنها معيبة ، نجد أن وزير المالية ممثل الحكومة يقوم بتوقيع الإتفاقيات وزيادة العلاوات والبدلات لفئة دون أخرى في تمييز عنصري قبيح ، فمن زيادة على رواتب الأطباء إلى زيادة على رواتب مهندسي القطاع العام في إتفاقيات ثنائية تذبح ما يسمى مجازاً قانون الخدمة المدنية والذي هو في الحقيقة الخدعة المدنية لأن رواتب الموظفين المدنيين تآكلت بشكل كبير كما هو معروف ، وبدلاً من أن تطرأ زيادة على سلم الرواتب لجميع الموظفين نجد أن الحكومة تلجأ للترقيع هنا وهناك في حالة من التيه للسياسات المالية والإقتصادية والتي تسير بنفس السيرورة التي سارت بها في المرحلة السابقة .
يا وزير المالية لقد سبق وحذرتك من بطانة السوء وأخبرتك أن تكون لهم بالمرصاد وأن لا تكون سهل الإصطياد فإذا بك قد زُين لك عملك وأخذتك بهجة الكراسي ولم يظهر من يبين لك سوء هذه الأفعال في ظل وجود بعض الأشخاص الذين يتصرفون بكل عنصرية وبلا أدنى إحساس بالوطنية أمثال مدير عام الرواتب والذي يزين عمليات الذبح المستمر لموظفي المحافظات الجنوبية ويلبسها تبريرات مختلفة في كل مرة .
إن ما يتناهى إلى مسامعنا أن السيد مدير عام الرواتب يصاب بهستيريا غير مفهومة وغير مبررة عندما يذكره أحدهم بحقوق الموظفين في المحافظات الجنوبية ، ولكننا نذكره أن فوق كل جبار منتقم جبار .
والحقيقة المرة أيضاً والتي تدفعني للإنحناء إحتراماً هذه المرة لوزير العمل الذي أجاب وأوضح بلا لبس ولا مواربة ما صرحت به الحكومة بخصوص موظفي البطالة والعقود بأن غزة خارج هذا القرار وأن التعيينات فيها متوقفة منذ سنوات.
يا وزير المالية سبق وأن قلت لك أن لا تكون عقبة في وجه تنفيذ القرارات الإدارية فيما يتعلق بإنصاف غزة الآبية، فلقد وعدتنا الحكومات السابقة باللحم فأكلتنا العظم وبعد أن أستبشرنا بقدومك الخير وصار عندنا حافز أقمت بيننا بقراراتك ألف حاجز ، يا وزير المالية نحن لا نطالبك بحل القضية بل نحن فقط نريد لقمة هنية، نريد أن نعيش بكرامة وطنية وقبل كل هذا نريد معاملة آدمية .
يا وزير المالية لقد تناهى إلى مسامعنا أنكم قد هددتم بالإستقالة بسبب موازنة الأسرى ، ونحن نقول إذا كان ذلك صحيح فإرحل غير مأسوف عليك ، فمن دفع جزء من حياته خلف قضبان السجون ليس كمن قضاها متمتعاً بها بين مختلف البلدان متنازلاً عن جنسيته وهويته .
إن كثرة الحديث في هذه المواضيع تجعلني أشعر بالألم الشديد والحزن العميق والشجن وكأن خنجر الوطن يذبح أبناؤه بيديه وينوح على رفاتهم ثم يدفنهم تحت ترابه ويقسم أن لا يلد غيرهم بعد اليوم...!! وكيف يلد غيرهم...؟!! وأبناؤها الصالحين قد ذهبت عقولهم في غيبوبة وأصبحت ضمائرهم في حكم المستتر ثم شلّت ألسنتهم عن قول الحق وغادروا معركة الشرف منهزمين بلا عودة..!!
فأنا أجزم لكم يا بني وطني أن هذا الزمن هو زمن الفاسدين والعابثين وأن سادة الظلام قد حكموا وتوغلوا ومصوا دمائنا وسلبوا منا بهجة الحياة... أجزم لكم أن الوطن لم يعد يحتملنا على ترابه...!! ولا الزمان يسمع ترداد آهاتنا...!! ومنازلنا ضاقت بموطئ أقدامنا وسماؤنا عجزت عن حمل صدى ضحكاتنا وأصبح الأنين يترنح في طياتها...!!
رسالتي الأخيرة إلى كل القيادات الوطنية وإلى الهيئة القيادية لحركة فتح في غزة لا تزينوا بصمتكم عجزنا ، لا تشاركوا بسلبيتكم في ظلمنا ، لا تحملوا بسكوتكم وزرنا ، ولله نفوض أمرنا وعليه دوماً اتكالنا .. وللحديث بقية.