ياسر عرفات عاد من جديد حياً

بقلم: هشام أبو يونس

نداء نداء نداء على جميع قوات الثورة الفلسطينية فرض حالة الطوارئ في كل بقاع الأرض والاستعداد لما هو أتي.هذا ما تردد عبر أجهزة ركال اللاسلكية التابعة لقوات جيش التحرير الفلسطيني"

من هنا سأبداء حكايتي .

في 1992/4/7عصراً كنت عائداً من طرابلس إلي مدينة طبرق نزلت في مطار العدم العسكري ذاهباً حيث ما ينبغي أن أكون وفي نحو الساعة 7.45 مساء يوم1992/4/7 .

جلست علي التلفزيون للاطلاع علي ما هو موجود إذا وهذا الخبر "التقط برج المراقبة في العاصمة الليبية الرسالة التالية (الرحلة الخاصة الخرطوم - تونس لا تستطيع الهبوط. نواصل طريقنا إلى السارة، نحاول الهبوط الاضطراري)، بعدها بخمس دقائق، اختفت الطائرة عن شاشات الرادار الليبية.

أعلنت حالة الطوارئ. وعلى الفور، تناقلت وكالات الأنباء العالمية الكبرى خبراً مفاده (طائرة "عرفات" اختفت وسط الصحراء الليبية)

من هنا كانت الصدمة والكارثة بالنسبة لنا جميعاً موقف صعب اتخذت قراري الفوري بالعودة حيث كنت لكي أكون قريباً من الحدث فعلمت وقتها بعد زيارة الرئيس رحمة الله للسودان، تحادث خلالها مع الرئيس "عمر حسن البشير"، وتفقّد الوحدات العسكرية التابعة لقوات الثورة الفلسطينية المتمركزة بعيداً عن العاصمة، غادر الشهيد"عرفات" مطار الخرطوم يوم الثلاثاء (7 نيسان/ أبريل 1992م)، على متن طائرة قديمة روسية الصنع، طاقمها مكوّن من طيّارَيْن فلسطينِيَيْن وميكانيكي روماني، ومعه عشرة من حرسه الشخصي وبعض معاونيه، متجهين إلى تونس. كان من المقرّر أن تهبط الطائرة للتزوّد بالوقود في مهبط واحة الكفرة، جنوب شرقي ليبيا.غير أنّ انعدام الرؤية وشدّة الزوابع الرملية اضطرهم إلى تعديل خطتهم بعد الإقلاع بساعة وأربعين دقيقة، انقطع الإتصال اللاسلكي معها ، وساد الإعتقاد لنحو خمس عشرة ساعة بأنّ الطائرة تحطمت وأنّ "عرفات" قد مات.

كان الجو مشحون بالتوتر والأعصاب من قال تم اغتياله ومنهم من قال استطاعوا الوصول إليه ومنهم بكي بكاءً ابتلت الأرض من دمعاته لم نعرف زعيم غير هذا الزعيم ولم نعرف قائد لنا غير هذا القائد فمنذ طفولتنا واسمه يتردد علي مسامعنا حتي تعايشنا معة قولاً وعملاً .

مازالت العواصف مستمرة وقتها :-

فحين ثارت العاصفة الرملية العاتية، انتقل الزعيم "عرفات" إلى مقصورة القيادة. وعندما قرّر الطيّاران الهبوط الإضطراري، طلبا منه أن يعود إلى مؤخرة الطائرة، الوضع داخل الطائرة ليس على ما يرام ,. توجه الرئيس إلى كابينة القيادة , وقال موجها حديثه إلى الكابتن درويش: أنت القائد الآن وأنت ربان السفينة...وعاد ياسر عرفات إلى مكانه , وأول ما فكر فيه كان زيه العسكري, ومسدسه الخاص , خلع ملابسه الرياضية , ارتدى الزي العسكري ووضع الكوفية

أحكم العقال ،امتشق سلاحه وجلس مستعداً لملاقاة من سبقوه على الدرب إذا لقي حتفه في الحادث. صلّى، وردّد الركاب من ورائه آيات من القرآن، ومنها الآية (قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا(.

وظل الطيّاران والميكانيكي في مقصورة القيادة لأنه لـم يقبل أحد من الأشخاص الثلاثة الموجودين في مقصورة القيادة مغادرة موقعه، وراح كل واحد منهم يبذل قصارى جهده من أجل إنقاذ قائد وزعيم الشعب الفلسطيني والركاب الآخرين.

اصطدمت الطائرة أخيراً بكثيب رملي. قُذِفَ "عرفات" لمسافة ثلاثين متراً، وسط رمال الصحراء الليبية. كان جميع الركاب جرحى، ولكنهم أحياء ما عدا الطيّارَيْن والميكانيكي.

في ساعات الفجر الأولى، وبعد اتصالات واسعة ومعلومات اكتشفت فِرَقْ الاستطلاع الجوّي المؤلفة من طائرات ليبية ومصرية وفرنسية (قَدِمَتْ من تشاد) مكان الحادث، فعند سقوط الشهداء في مقصورة الطائرة انهمرت دموع "ابوعمار"وهو يرى أبناءه يقضون أمامه, وهم في ريعان الشباب , ولكن عليه ان يتماسك من أجل الآخرين , من أجل الجرحى الذين راحوا يتلون عليه وصاياهم

أخ ابو عمار ..وصيتك أمي ..مالها غيري

أخ ابو عمار ...وصيتك اولادي

كلماتهم جمرات تحرّق قلبه..إنهم أبناءه الذين عبروا معه من محنةٍ إلى محنة ومن خندق الي خندق ...قال الرئيس مهدءاً من روعهم.حاولوا ترتاحوا.الفجر قرّب , وجلس عند باب الطائرة يحرس من حرسوه بالأمس, شاهراً مسدسه في وجه الليل والظلمة , منادياً من أعماقه خيوط الفجر ,..يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنّا لصادقون,..أقرب الكلمات إلى قلبه وروحه ولسانه..

جيورجي...المهندس الروماني الصديق, لم يحتمل تأخر الفجر أسلم الروح ليصبح ثالث الشهداء ..الله الله ماأجملها من ثورة." ...خسئ المزاودين علينا "

جيش التحرير الوطني الفلسطيني لواء القدس "السارة":-

كان الدليل الليبي الريفي ومعه زميله -عيسى - يتبعهم خمسة عشر دليلاً يشقون غبار الصحراء بسياراتهم المجهزة , يرافقهم الجنود والضباط الليبيون فانطلق -الريفي - بزيه العربي الليبي , يطوي الصحراء بسيارة لاند كروز صنعت خصيصاً لخوض غمارها,مندفعاً عبر الريح الهوجاء المجنونة وكأنه يخاطبها أنت لستِ أكثر جنوناً مني ،الدليل الريفي يسابق الريح وكأنه يرى مالايراه الآخرون, كيف لا وهذه الصحراء قد عرفته وعرفها, خبرها وطواها مراتٍ ومرات .إنها ملعبه وكان خلفه قوات جيش التحرير الوطني الفلسطيني لواء القدس فتحركت قواتنا بكامل أفرادها وضباطها بسرعة البرق وفي مقدمتهم سيارة العميد خالد سلطان قائد القوات الفلسطينية ومعه مقاتلين الثورة المجهزون بكافة الاحتمالات يتسابقون للوصول إلي زعيمهم. في تلك الأثناء كان الرئيس حاملاً مسدسه ومتمرس لإطلاق النار علي أي شخص يقترب .

بزغ الفجر..قام الرئيس ,أدى صلاته وناجى ربه..... كان فتحي الليبي يحاول جمع ماتناثر من أوراق الرئيس إثر تحطم الطائرة عندما لمح غباراً كثيفاً , في البداية ظنها عاصفة جديدة ,إلا أنها تأتي من اتجاهٍ واحد,وهاهي أجسام صغيرة تلمع على البعد وتقترب.إنها النجدة., وانطلق لاهثاً أخ أبو عمار .حضرت النجدة.

خرّ الرئيس ساجداً,وصلى ركعتين.إن الله لايخلف وعده.إن اللله لايخلف وعده

دوّت الهتافات, رددت الصحراء صدى صيحات الرجال وبللت رمالها الدموع الصادقة وهلل الجميع الله أكبر .الله أكبر لقد نجا. لقد نجا.

وهكذا تم إنقاذ عرفات ومن معه من الناجون وعند الساعة العاشرة من صباح الأربعاء، انتشر الخبر (تمّ العثور على "عرفات" حيّاً في جنوب ليبيا، على بعد (70 كم) من السارة مع حطام طائرته).تلقّى الفلسطينيون جميعهم الخبر بفرحٍ شديد، وحتى المناهضون للـزعيم "عرفات" أعربوا عن سعادتهم بنجاته، ومنهم رد فعل منظمة "أحمد جبريل" الجبهة الشعبية – (القيادة العامة) المناهضة لـ "للزعيم ياسر عرفات" قالت فيها "الخاتمة السعيدة لهذه المأساة قد جنّبت الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني كارثة وطنية - أبعدها الله عنا - لا يعرف عواقبها أحد

هذه إحدى أساطير وأيام عرفات أيها السادة إلا يستحق منا تقبيل ترابه ألا يخرس المزاودين علي الزعيم عرفات أو علي اصغر جنوده فهم أبناءة ولازالوا حياء .