"همسة في اذن وزير الصحة"

بقلم: محمد فايز الإفرنجي

غزة تلك البقعة الصغيرة من هذا العالم التي يتكالب عليها الاعداء تارة والاشقاء تارة اخرى, يتهافت على تعذيبها العديد ولا يزال شعبها صابرا محتسبا رافضا رفع راية الاستسلام والخنوع.

نعم هي غزة المحاصرة من ثماني سنوات ولا تزال تعاني, فعلى صدرها يجثم حصار ما عرفت الامة له من شبيه في زمن الحضارة والديمقراطية والتقدم, هي غزة التي لا تزال تحتضن بندقيتها ليس حبا في الحروب بل بحثا عن السلام ولكن ليس أي سلام, هي تبحث عن سلام بكرامة وعزة يطهر ارضها من دنس محتل غاشم.

ان ما يتعرض له الانسان في غزة من محن وآلم فاق قدرة البشر على احتماله, ومع هذا لا نزال صابرين متماسكين لكننا سيادة الوزير من قبل بعض الاهل فينا محتقنين عاتبين، فمن منا لا يمرض من منا لا يحتاج لطبيب يداويه يعالج اطفالنا نسائنا امهاتنا وابائنا, من منا في غنى عن طبيب يداوي جراحه؟!!

نذهب للعيادات الخاصة مكرهين لا مخيرين فالعامل القابع في غزة كما الصخور جاثية فوق ارضها رابطا جأشه صابرا على عدم ايجاد عمل له يسد رمق اطفاله, يضطر احيانا للذهاب للطبيب في عيادته الخاصة فإذا بالطبيب له رسوم كشف لا يقوى عليها العامل بلا عمل ولا حتى الموظف بنصف راتب وان كان براتب كامل لا يسد احتياجات الحياة الاساسية !!

عشرون دولار وثلاثون دولار في عيادة اخر!! ترهق المواطن الغزي وتضيف لألمه الم بل ربما تفاقم في مرضه وهو يفكر كيف ومن اين يأمن هذه الرسوم الباهظة وهو الذي لا يدخل جيبة شيء منذ زمن؟!!

اليس الاجدر بنا سيادة الوزير التماس الاعذار لأنفسنا قبل ان نطالب الغير بالتماسها لنا, اليس من الضروري ان يكون هذا الطبيب بنا ارحم من غيره علينا, اليس من حقنا ان نجد رأفة في قلوب اطبائنا تجاهنا ونحن في ظل حصار خانق وبطالة طالت علينا, اليس من واجب وزير صحتنا الفاضل ان ينظر بعين الاعتبار الى هذه المعضلة فيحدد رسوم الكشف لكافة الاطباء بما يتناسب وقدراتنا؟!!

كثيرة هي الاسباب التي دفعتني ان اوجه رسالتي لك" سيادة الوزير" فلربما غاب عن سيادتك الاهتمام بهذا الجانب الهام والاساسي في حياتنا نحن الغزيين, بل ربما هاجس الذهاب للطبيب بات عرضة لقتل ابنائنا ونسائنا وشيوخنا من امهات واباء لعدم قدرتنا على دفع تلك الرسوم الباهظة علينا.

سيقول قائل اين التامين الصحي المجاني؟! وان الوزارة منحت العاطلين عن العمل هذا التامين, نعم فعلتم وهذا حقنا عليكم ولكن هذا الامر ليس فعال كما تعتقدون وان الكثير يتعرضون لسحب تأمينهم الصحي لأسباب استهجنتها من قبل وزارتكم.

احدهم لديه " تامين بطالة مجاني " يذهب لتجديده فإذا بموظف التامين يرفض ختمه ليصبح ساري المفعول ويطالبه بمبلغ " تسع مائة شيكل " لأنه بالعام 2004 كان لديه تامين اختياري وتوقف عن سداه !!!

حرم تامين العامل فبات بلا تامين يقيه ويحميه من أي مرض يتعرض له هو او اسرته وما اكثرها الامراض في زماننا " قهرا وحسرة " جراء ما نتعرض له من حصار ظالم لكل فئات الشعب عامة والفئة العاملة التي باتت بلا عمل بلا دخل بلا قدرة على توفير ابسط حقوقها بالعلاج لهم ولأطفالهم واسرهم!!

في سالف الايام وقبل الحصار كان يستطيع البعض ان يسدد رسوم التامين الصحي الاختياري ولكن حينما تم الحصار وفقد العديد اعمالهم ومصادر دخلهم وعجزوا عن سداد رسوم التامين ليس استنكافا بل عجز تام وعدم قدرة على فعل ذلك لأنهم لا يملكون من تلك الرسوم شيئا!!

ليس سهلا ان يتقبل هذا الانسان الفلسطيني ان تتم مطالبته المالية بمبلغ" ثلاث مائة دولار" تقريبا كي يتم ختم التامين الصحي ليستطيع توفير العلاج لأطفاله فلو كان يمتلك هذا المبلغ فلربما اختار التامين الاختياري وسدد رسومه !!

قضايا هامة " سيادة الوزير" تصيب الكثير من ابناء هذا الشعب بحاجة لوقفة جادة من سيادتكم ربما يشعر البعض ببساطتها, ولكني من خلال ملامستي لهذه المعاناة والهموم التي تتراكم على ابناء غزة اشعر بفداحتها ومدى الحاجة لوضع برامج تساند الانسان الفلسطيني بأسباب الصمود في وجه هذا الحصار وتزويده بحقوقه التي يجب ان تراعيها حكومتنا الرشيدة في احتياجات المواطن الاساسية في الصحة والعلاج.

سيادة الوزير/ قضية هامة تحتاج الى لمساتكم في التخفيف عن كاهل المواطن, بل وتقديم افضل ما يمكن له ولحاجاته والنظر بعين المسؤولية تجاه رسوم كشف الاطباء في عياداتهم الخاصة وتحديد رسوم معينة يكون بمقدور المواطن توفيرها , وقضية التامين الصحي للعمال حيث لا داعي بالمطلق ان يكون هناك جرد حساب عما فات من سنوات لتكون عائق لدى الانسان الفلسطيني بالحصول على تامين صحي مجاني مراعاة لما يمر به من بطالة, او حتى انصاف الرواتب, او رواتب لا تصل للحد الادنى من احتياجات أي بيت لتقييه مذلة الحاجة والسؤال.

الامل فيكم كبير وحاجتنا كمواطنين لقرارات تلامس عذاباتنا وتصرف عنا جزء من الهموم اليومية التي نتعرض لها ستكون بمثابة المساهمة الفعلية في توفير اسباب الصمود للمواطن المحاصر, الذي ليس له ذنب سوى انه اختار بديمقراطية من يمثله واحتضن مقاومته وحكومته وفداها بالغالي والنفيث.

بات الامر امانة في اعناقكم ويحدوني الكثير من الامل بان قرارات سيتم اصدارها تعطي الانسان الفلسطيني ما يصبوا اليه من اهتمام واحساس من قبل المسؤولين تجاه معاناته.

دمتم ودامت وزارتكم التي تعمل ليل نهار لتوفير العلاج لأبناء الشعب والتقدم الكبير في مؤسساتنا الصحية .