المجلس التشريعي والتباس الأولويات

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مشروع قانون العقوبات من قبل أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، بالتحديد أعضاء كتلة التغيير والإصلاح، بدءاً من مدير عام المجلس التشريعي الدكتور نافذ المدهون الذي تحدث حول مشروع القانون، من ثم نفي النائب ورئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الدكتور محمد فرج الغول نية اقرار القانون، ليعلن في اليوم التالي المجلس التشريعي وعلى لسان النائب الأول الدكتور أحمد بحر من خلال بيان توضيحي أن القانون مناقش من العام 2003 من قبل المجلس التشريعي السابق، وأنه لاقى معارضة كبيرة من المواطنين وذلك لمخالفة أحكام القانون الأساسي الفلسطيني وخاصة المادة (4) الفقرة (2) التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. وقد أعلن عن بدء اتخاذ الإجراءات القانونية لإقراره، بكل ما يتضمنه من عقوبات جديدة وتعديلات تعتبر تراجعاً عن المسودة الأولى التي تنطوي نفسها على العديد من المثالب التي تثير حفيظة المؤسسات الحقوقية، خاصة الجلد على اعتبار أنها عقوبة تحدرت من الشريعة الاسلامية في حالات مثل الزنا، وأنا هنا لا أبدي معارضتي للشرع، ما أعارضه فعلاً هو توظيف الشرع في جوانب دون أخرى. وحسب ما أفهم فإن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع على حد وصف النائب الأول، وليس المصدر الرئيسي للتشريع أو المصدر الوحيد، والفرق كبير. كما أن عدم النص على العقوبات الشرعية لا يعني بحال من الأحوال أن هناك أي تعارض بين مشروع القانون وبين الشريعة الإسلامية، وهذا إنما يعبر عن تسطيح للأمر ومحاولة للدفاع غير الموضوعي.
وحسب رأيي فإن ما هو جدير بالمناقشة هو غياب الدور الرئيسي للمجلس التشريعي طيلة الفترة السابقة، فمن المعروف أن دور المجلس التشريعي لا يقتصر فقط على سن تشريعات جديدة أو تعديل القائم منها، فهنالك مهام أخرى وهي الرقابة والمساءلة، فكم مرة سمعنا فيها عن جلسة مساءلة ومحاسبة لمسئول أو وزير، كم مرة ناقش أعضاء المجلس التشريعي القصور في عمل الهيئات والوزارات والدوائر، كم مرة ناقش فيها المجلس أحوال الناس العامة التي تنتهك حقوقهم التي كفلها لها القانون على يد السلطة التنفيذية، كم مرة ناقش فيها المجلس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة وسبل حل تلك المشكلات، وكم مرة، وكم مرة....؟
ولماذا تضييع الجهود في مشاريع قوانين لن يصادق عليها أصلاً على مستوى فلسطين، وخاصة أن ولاية المجلس التشريعي كما الرئاسة منتهية، ناهيكم عن الانقسام. كان الأحرى بنواب التغيير و الإصلاح في المجلس التشريع محاولة رأب الصدع ومحاولة اعادة اللحمة إلى البلد وذلك أولى وأثوب من مناقشة أية قوانين قد تزيد من حالة الانقسام ومواجهة المجتمع، بل كان الأجدر بهم مناقشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية وكيفية المساعدة في التخفيف عن الناس، وقد سعدت بانتقادات الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على مشروع القانون وكيف دعى المجلس لمحاولة مناقشة أوضاع الناس ومشكلة الكهرباء والبطالة وغيرها.
وبالنسبة لي ما يهمني فعلاً هو المواطن والقانون الموجود أصلاً لحمايته، حيث كان أحرى بالنواب، مناقشة انتهاك القوانين من قبل السلطات مثل الحريات العامة، والاعتقالات السياسية والتعذيب في غزة والضفة الغربية، والبحث في مسببات المشكلات المجتمعية والبحث في سبل حلها، خاصة أننا نعيش وضعاً اقتصادياً واجتماعيا وثقافياً لا نحسد عليه، وقد تكون الحكومة مسؤولة عنه بشكل أو بآخر، فالسارق ما الذي دفعه للسرقة؟، أو لماذا زادت نسبة السرقة بحيث لم تعد القوانين الموجودة رادعة وكافية؟، هل المشكلة في القانون أو في الوضع الاقتصادي المتردي وزيادة نسبة البطالة مثلاً، لماذا الزاني يتجه لهذا السلوك، لماذا لا يتزوج، هل المشكلة مقتصرة على السلوك، أو أن الظروف الاقتصادية أيضاً لا تسمح له بالارتباط وتكوين أسرة!، وانظروا من حولكم فقد زادت نسب الطلاق في الأعوام الأخيرة بشكل مخيف نتيجة حالة البطالة والفقر، لقد قدرت بعض الدراسات أن نسبة البطالة في قطاع غزة تصل إلى 80%، ألا تعطيكم هذه الاحصائيات مؤشرات لما يعيشه المجتمع من ظروف صعبة، كم من آفات اجتماعية ظهرت وكانت غريبة عن مجتمعنا، ألا تعطيكم هذه المشكلات مؤشرات للوضع المتردي الذي يعيشه المجتمع. فبدلاً من مناقشة العقوبات وتطويرها فلنحاول حل تلك المشكلات وبالتالي منع تفاقمها ووصولها إلى مستوى جرمي، لأن الأصل أن القوانين تنظم حياة البشر وتحميهم وليست للثأر من المواطنين وتغييب أي دور حامي أو حاضن للحكومة، لأن ذلك وحده كفيل بالحد من المشكلات والقضاء على مواطن الخلل التي تفضي إلى ظهور وتفاقم المشكلات الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالسرقة أو تعاطي المخدرات، أو بالطلاق أو الزواج المبكر، أو التسرب المدرسي، أو انتشار العنف داخل المجتمع ...الخ
ولكي أكون أكثر وضوحاً في طريقة مساهمة الحكومة في هذه الأزمات سواء في غزة أو الضفة الغربية، ومن ورائهم المجلس التشريعي في غياب واضح لدوره في الرقابة والمساءلة، فعلى سبيل المثال لماذا لا يناقش المجلس موضوع الضرائب الذي يثقل كاهل الناس في الوضع الطبيعي، فما بالك عندما يكون الناس تحت حصار وبالكاد يستطيعون تدبر أمرهم، والظاهر لدى الجميع أن آثار هذا الحصار تطال فقط عامة الناس من الفقراء والمهمشين، في حين ينعم المسؤولين بمزايا السلطة من مولدات مع وقودها وسيارات ودخل مباشر وغير مباشر، فلتوفروا للناس ما توفره لكم السلطة، بعدها نحكم على سلوك الناس.
لماذا لا تناقشون منازعة الحكومة الناس في أرزاقها وقوت أبنائها بحيث لم يبقى أي نوع عمل إلا وقد نافست فيه الحكومة الناس، بدءاً من تجارة الأراضي وانتهاءً بزراعة البصل، أين المجلس التشريعي من هذه المسألة، فالحكومات في كل مكان تكون داعمة للصناعات والحرف والزراعة وتوفر التسهيلات للناس لتحسين وضعهم الاقتصادي، إلا أن الأمر معكوس عندنا.
وطلبي الوحيد من المسؤولين وصناع القرار أن يتقو الله فينا، ويكفينا تضييعا للجهود في مناقشة أمور وقوانين لن تجدي نفعاً بل وسوف تقسم المجتمع على نفسه في وقت نحن في أشد الحاجة إلى توحيد الصفوف ومحاولة التخفيف عن المواطن المطحون الذي يتحمل أكثر من طاقته، فالقوانين مهمة والعمل بروح القانون أهم، ويعلو عليهما كرامة المواطن التي صيغت القوانين لحمايتها، بل ويجب أن يكافأ المواطن على طول صبره وتحمله للأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطن في غزة والضفة، وتحمله لنتائج القرارات والصولات والجولات والحكايات والمسرحيات التي يضعه فيها القادة كل حسب موقعه، ولنبحث عن المسببات الحقيقية التي تقف وراء الجرائم والمشكلات الاجتماعية ونحاول معاً وفي مقدمتنا من أعطيناهم ثقتنا أعضاء المجلس التشريعي حلها من خلال الرقابة والمساءلة والمحاسبة.


بقلم: يامن المدهون
الباحث والناشط الحقوقي.