إذا انهارت محادثات السلام في الشرق الأوسط هذا الشهر فالأرجح على ما يبدو أن صراعا قانونيا لا صراعا حربيا سيملأ الفراغ يتصدى فيه الفلسطينيون لاسرائيل على المسرح الدبلوماسي لا من خلال انتفاضة شعبية.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن الاسرائيليين سيسعون للرد بطريقة يتفادون بها أي عاصفة دولية ويتركون الباب مواربا أمام فكرة التوصل لنهاية عن طريق التفاوض في الصراع في مرحلة لاحقة من التاريخ.حسب تقرير بثته "رويترز".
فبعد محادثات غير مثمرة على مدى ثمانية أشهر بهدف تحقيق السلام وصل الاسرائيليون والفلسطينيون إلى طريق مسدود.
وأمام الجانبين مهلة حتى نهاية ابريل نيسان الجاري للتراجع في وقت أصبح الخلاف بينهما يتركز فيه على كيفية الاستمرار لا على القضايا الجوهرية التي كانت سببا في إخفاق مساع سابقة لاحلال السلام مثل وضع مدينة القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين.
غير أن القادة الفلسطينيين أوضحوا بجلاء أنهم سيواصلون سعيهم لاقامة الدولة الفلسطينية من جانب واحد عن طريق الانضمام لهيئات دولية ووكالات الامم المتحدة إذا تمخضت الجهود عن فشل كامل.
وفي الاسبوع الماضي وقع الرئيس محمود عباس 15 اتفاقية وجرى الاعداد لنحو 50 اتفاقية أخرى بما في ذلك التقدم بطلب للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال محمد شتية أحد قيادات حركة فتح إن التوجه الفلسطيني للامم المتحدة تحول في المفاهيم يشير إلى ان المحادثات الثنائية ربما لا تكون الوسيلة الوحيدة لانهاء الاحتلال.
وأضاف يوم الاثنين إن التحركات الرامية للانضمام لهيئات الامم المتحدة ستستمر على مراحل مشيرا إلى أن الفلسطينيين يتطلعون لزيادة الضغط على اسرائيل وواشنطن على مراحل لا دفعة واحدة.
وقال كيري الشهر الماضي إنه إذا تقدم عباس بطلب للانضمام لوكالات الامم المتحدة "فسيدخلها تلقائيا غدا." وأضاف أنه إذا سار الفلسطينيون في هذا المسار "فسينغصون حياة اسرائيل".
ويتمثل أكبر خطر على اسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية إذ يثق الفلسطينيون أن بامكانهم مقاضاة اسرائيل في المحكمة عما يقولون إنها جرائم حرب ترتبط باحتلال الاراضي الفلسطينية عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
غير أن المعركة القانونية قد تكون من طرف واحد.
فقد هدد وزير الاقتصاد نفتالي بينيت رئيس حزب البيت اليهودي القومي برفع قضايا مماثلة عن عمليات اطلاق الصواريخ من غزة التي تديرها حركة حماس وإن كانت تحصل على دعم مالي من الحكومة الفلسطينية.
وقال بينيت لراديو الجيش يوم الأحد "إذا كان عباس ينوي مقاضاة اسرائيل فلا بد أن يعلم أن قضية شخصية تنتظره عن جرائم الحرب التي يرتكبها هو وخزانته يوميا."
وقال وزير آخر طلب عدم نشر اسمه لحساسية التوقيت إنه إذا فشلت المفاوضات فإن على الحكومة أن تضم بعض مستوطنات الضفة الغربية التي يعيش فيها 350 ألف اسرائيلي والتي تعتبرها معظم الدول غير قانونية.
وكان التوسع الاستيطاني السريع في الاراضي الفلسطينية عائقا أمام جولات المحادثات المتتالية وسيكون لاي قرار اسرائيلي بضم أراض ردود فعل قوية في مختلف أنحاء العالم.
وقال الوزير إن مثل هذه الخطوة ستشمل فقط تجمعات المستوطنات القريبة من خطوط حدود عام 1967 بهدف منع قيام دولة واحدة تضم العرب واليهود.
وأضاف "أهم شيء بالنسبة لي أنني لا أريد أن اعيش في بلد ثنائي القومية... ولانه لا توجد وسيلة لاستيعاب أربعة ملايين فلسطيني فنحن بحاجة للانفصال عنهم."
وقد قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته تستعد بخطوات انتقامية إذا انسحب الفلسطينيون من المحادثات لكنه لم يذكر تفاصيل.
وقال ايهود ياري الباحث الاسرائيلي بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى "أمامه عدد كبير من الخيارات. إداريا واقتصاديا قل ما شئت. وقد لا يكون أي من هذه التدابير كبيرا جدا في حد ذاته لكن المجموع العام قد يكون مؤلما."
وأضاف لـ"رويترز"، "أعتقد أنه سيحاول مقاومة ضم الاراضي لكن إذا أعلن الفلسطينيون مواجهة مفتوحة مع اسرائيل على كل الأصعدة وتوجهوا إلى المحكمة الجنائية الدولية فسيواجه ضغطا اسرائيليا متزايدا لكي يأخذ هذه الخطوة."
وفي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن اكثر من 60 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون حل الدولتين تؤيد بعض الشخصيات الرفيعة علانية اقامة دولة ثنائية القومية أو اتحادا كونفيدراليا.
وقال موشي ارينز وزير الخارجية والجيش السابق والسفير السابق لدى واشنطن "سواء عاجلا أم آجلا ستكون لدينا دولة واحدة. وهذا يتوقف حقا على رغبة أغلبية الفلسطينيين في أن يكونوا جزءا من اسرائيل."
وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث فلسطيني في ديسمبر كانون الاول الماضي إن 56 في المئة من الفلسطينيين لا يعتقدون أن من الممكن اقامة دولة فلسطينية وان 32 في المئة يؤيدون حل الدولة الواحدة التي يتساوى فيها العرب واليهود.
وكانت آخر مرة انهارت فيها محاولة للتوصل إلى سلام عام 2000 وتلتها أعمال عنف خرجت عن السيطرة وتحولت إلى انتفاضة فلسطينية استمرت أكثر من أربع سنوات وقتل فيها أكثر من 4000 فلسطيني و1000 اسرائيلي وكان لها آثار مدمرة على اقتصاد المناطق الفلسطينية.
وحذر كيري العام الماضي من أن الفشل هذه المرة قد يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء.
وقال غسان الخطيب الاستاذ بجامعة بيرزيت في الضفة والذي كان وزيرا في الحكومة الفلسطينية من قبل إن استطلاعات للرأي أجريت لمركز القدس للاعلام والاتصال الذي أسسه أظهرت أن التأييد للصراع المسلح بلغ أقل من 30 في المئة ليسجل أدنى مستوياته منذ بدأ إجراء هذه الاستطلاعات قبل 17 عاما.
وعلى النقيض كان نحو 85 في المئة من الفلسطينيين يؤيدون العمليات العسكرية ضد اسرائيل عام 2001.
ولم يكن لدى أغلب الفلسطينيين أمل أن تسفر المحادثات الاخيرة برعاية وزير الخارجية الامريكي جون كيري عن نتائج ملموسة شأنهم في ذلك شأن الرأي العام الاسرائيلي ولذلك فإن انهيار المحادثات لن يؤدي إلى شعور بخيبة الأمل.
وقال الخطيب "القيادة الحالية ليست مهتمة على الاطلاق باستئناف العنف. ما حدث في المرة السابقة كان درسا كبيرا للجميع."
وشكك بعض الدبلوماسيين فيما إذا كان عباس قد يقرر ببساطة اغلاق السلطة الفلسطينية التي تعاني من نقص في الاموال في حالة فشل المحادثات بما يجبر اسرائيل على تولي عبء إدارة المدن الفلسطينية.
ومثل هذا القرار لا يمكن أن يتخذه عباس بمفرده. فسيحتاج لموافقة جيش من المسؤولين الذين يعتمدون في دخلهم على السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب.
وقال الخطيب إن ثلاث سنوات مرت دون مفاوضات قبل هذه المحاولة الأخيرة وإنه يعتقد أن الامور ستسير مثلما سارت من قبل
