استشف عدم ثقة الدكتور صائب عريقات بالقيادة الفلسطينية الراهنة، فقد أوصى في دراسة له بضرورة الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، في أقرب وقت، بمشاركة حركتي المقاومة الإسلامية حماس، والجهاد الإسلامي، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة تكون بمثابة "حكومة دولة فلسطين المؤقتة"، تماشيا مع قرار الامم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين في 29/11/ 2012 والذي رفع مكانة فلسطين الى مقام دولة وعاصمتها القدس الشرقية.
دعوة الدكتور صائب عريقات لم تأت من فراغ، فقد جاءت لاحقة لكتاب استقالته من المفاوضات، الذي بدا وكأنه يعلن براءته عن ممارسة الفاحشة في وضح النهار.
لن أسأل عن الأسباب التي أفقدت كبير المفاوضين ثقته بقيادة منظمة التحرير الذي هو أحد أركانها، فقد صارت الأسباب معلومة لكل طفل وامرأة تفكر بشكل سوي، ولكنني أتساءل عن مقدرة المجلس الوطني الفلسطيني على اختيار قيادة جديدة، ولاسيما أن أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني مغيبون عن الحدث، غائبون عن الساحة السياسية، وقد شاخ بعضهم حتى الهلاك، واغترب بعضهم عن الواقع حتى فقد الذاكرة، وصار بعضهم كهنة تاريخية لا يصلح حتى للمشاركة في إبداء الرأي، إضافة إلى أن كثيراً من أعضاء المجلس الوطني هم في الأصل نتاج مرحلة سياسية اعتمدت على التوافق بين التنظيمات، والتراضي بين القيادات، وأنا وغيري شهود على سائق لأحد قادة التنظيمات قد صار عضواً في المجلس الوطني، وآخر عمل حارس لقائد تنظيم فصار عضواً، ونحن شهود على تلك المرأة التي صارت عضو مجلس وطني لأنها زوجة قائد إحدى التنظيمات، وهكذا.
فكيف نضع مصير الشعب الفلسطيني الخارج من تجربة المفاوضات الفاشلة في يد أشخاص لم ينتخبهم الشعب الفلسطيني؟ وكيف نسلم مصير شعب وقضيتة للأشخاص ذاتهم الذين قادوا العمل السياسي طوال مراحل الفشل السابقة؟
فكرة استبدال القيادة التي هرمت فكرة رائعة، وفكرة إيجاد البديل القيادي الجديد الذكي النافع القادر الواثق الموزون القوي الأمين فكرة نصلي من أجلها ليل نهار، ولكن هذا البديل لا يمكن أن يفرزه الشكل القديم الذي تأسس عليه المجلس الوطني الفلسطيني.
إن أول مراحل اختيار القيادة هو اصطفاء مجلس وطني فلسطيني جديد، مجلس يغلب عليه الشباب دون الخمسين عاماً، مجلس يحظى بثقة الشعب، ويؤمن بأنه صاحب قضية وطنية، مجلس يصير انتخابه والتوافق عليه من داخل الساحات الفاعلة، على أن تكون أغلبية أعضاء المجلس الوطني من الشخصيات الوطنية والإسلامية الموثوقة، والقوية جسدياً، والسليمة نفسياً، والنقية فكرياً، والقادرة على تحمل مشقة المسئولية بكافة تبعياتها، مثل هذا المجلس هو القادر على أن يفرز قيادة تنفيذية مثل حجر الصوان، لا يخترقها مسمار المخابرات الإسرائيلية، قيادة تتقافز وسط الميادين، وقد حملت روحها على أكفها، قيادة تعيد للشعب الفلسطيني كرامته، وتعزز ثقته بنفسه، وتستنهض قدراته، وتستلهم إمكانياته.
إن شعباً يغتصب الأعداء أرضه، ويحتقرون أبسط حقوقه، ويستقوي الأعداء عليه من خلال التسلط على نخبه السياسية لهو شعب جدير بأن يقلب الطاولة رأساً على عقب، وأن يختار قيادته بشكل استثنائي، بعد أن يتمرد على التقليدية.
إن تحقق ذلك؛ لا بأس من كتاب شكر لأعضاء المجلس الوطني الذين اجتمعوا آخر مرة في قاعة رشاد الشوا سنة 1998، وصفقوا حتى الكلل للرئيس الأمريكي بيل كلنتون.
د. فايز أبو شمالة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني