كنّا قد كتبنا في مقالتنا السابقة رسالة تذكير عن اسير ضاع اسمه خلف القضبان وتاهت معالمه بين السجين والسجان وام مكلومة كانت تنظر لحظة لقاء او عناق ولكن وللأسف استبقها الموت قبل اللقاء ليبقى المنسي منسيّ في عالم الضياع وألم الفراق ورحيل الأهل والخلّان .. اليوم كان رحيل تلك الأم المكلومة ام اسامة فتحية ابوسعده وفي عينيها دمعة لم تفارقها حتى في لحظاتها الاخيرة لترسل له خلف القضبان رسالة اشتياق ورسالة وصيّة .. رحلت امنا واختنا البطلة الصابرة الصبورة ..
للصمود والصبر معانٍ كثيرة وللعتق من قضبان الزنازين معانٍ اكبر وللمساواة والعدل سيل من البشائر تؤدي جميعها الى بارقة من التفاؤل بمستقبل زاهر تتسطر من خلالها معاني البطولة والتضحيات الجسام , كل حسب قدرته على الاحتمال وكل حسب انتمائه لهذا الوطن السليب والقناعة بعدالة قضيته ولكن وبكل فخر لهذا الانتماء ولهؤلاء الأسرى ووفاءا منّا لمن كانت التضحية بالحرية ثمنا لحريتنا ولكل من علّمنا معاني الصمود والتضحية والثبات نقدم لهم كلمة اقل ما يقال عنها سوى كلمة شكر وامتنان وفخر واعتزاز لانتمائهم لهذا الوطن وانتمائهم لنا وانتماؤنا لهم...
رجال دائماً وابداً رسائلهم واضحة المعاني , هم من احالوا الظلمة الى نور هم شموع احترقت ومازالت تحترق لتضيئ لنا الطريق هم نياشين من ذهب على الصدور علّمونا كيفية النضال والصبر على الشدائد هم من اثبتوا بعد الله ان ما بعد الليل سيأتي النهار طال الزمن ام قصر , رجال تمسّكوا بالمبادئ ولم يتنازلوا عنها ابدا , ذاك كان القسم وتلك كانت الرسالة يعلمون جيدا ان المشوار ما زال طويلاً وأثبتوا لنا بالفعل والعمل أن الصبر عماد صمودهم مع يقينهم المطلق انه لابد للقيد يوماًان ينكسر , هم من فقدوا زهرة الشباب ولكنهم لن يفقدوا عنفوان الرجال , هم من صنعوا السعادة لنبقى هم من تذوقوا طعم المرارة بألوانه واشكاله وعرفوا جيدا كيفية الصبر في سنوات الحرمان فقط نقول عنهم انهم رجال لم تهزمهم ولن تقهرهم زنازين السجّان ...
ولكن وهنا فقط اريد ان أعطي للبعض حقه ديناً علينا وعليكم جميعاً رجل أسير ربما سقط اسمه سهوا من ملفّاتكم او ربما اصبح جسده ضئيلا هزيلا من كثرة سنوات الاسر فلم يلحظه احد او ربما تناسى السجان سرد كلمات من اسمه تحت عناوين النسيان او ربما كان للمتابع عن ملف الأسرى معان ومقاييس تقاس بها سنوات الضياع لهذا السجين وظلم ذاك السجّان فلا تكونوا اكثر ظلما على سجين لم ولن يقهره ظلم السجّان ...
سجين يعلم القاصي والداني انه اصبح عميد الاسرى المنسي ويعلم من عاشره من رفاق السجن انه كان وما زال اكثرهم تآلفا مع زنزانته المظلمة , سجين استأنس الظلم من السجّان فلاتجعلوه يستأنس الظلم من اخيه الأنسان يا احرار العالم واحرار هذه الأوطان لا تكونوا ادوات قتل يقهر بها عنفوان الرجال بدل ان يكونوا بين احضان الاهل والخلّان فقط هنا اتكلم عن أسير تناسته اقلام وعناوين المتابع في شؤون الأسرى انه الأسير المنسي اسامة سليمان ابو الجديان المسجل اسمه بين سجلّات الأموات الأحياء ربما كان ذلك عن قصد وربما تهات عن المشرف روائح الانتماء لهذه الأوطان ..
الأسير اسامة ابو الجديان الذيي قضّى زهرة شبابه بين غياهب السجون اعتقل في شهر 2 من العام 1988 مع اخيه حسام ابو الجديان وابن عمه مروان ابو الجديان وابن عمه محمد ابو الجديان بتهمة قتل يهودي مع سبق الاصرار وحكم عليه مع اخيه وابناء عمومته بالسجن 30 عاما الجميع تم اخراجهم من الأسر كل بطريقته وهو في الأسر ساقط القيد بقيت علامات اسمه منسيّة بين ملفّات وكشوفات الأسرى وكما يقال في عناوين الكشوفات ساقط قيد
لقد أمضى اسيرنا من السجن 26 عاما وما زال يقبع تحت قبة السجن ورحمة السجّان وما زاد من الطين بلة على نفسية اسيرنا منع الزيارات له فمنذ اكثر من 9 سنوات لم يزار من احد وايضا منعت عنه زيارة الاهل ليصبح مؤكدا وفعليّا ضمن قائمة المفقودين الأحياء , والدته اليوم فارقت الحياة وكان الأكثر ألما لديها مرض فقدان الأحباب كنّا نتمنى منأن يعطيها قوة من الصبر والاحتمال أملا في أن يأتي اليوم وتستطيع فيه رؤية فلذة كبدها قبل فوات الأوان ولكن الاقدار استبقت الأحلام ليأخذ الله أمانته قبل رؤية فلذة كبدها عريسا حرّا طليقا كأنداده من الشيوخ الشبّان ..
واليوم ورحمة من القائمين على موضوع الأسرى وزيادة من رحمتهم وعطفهم عليه وعلى اهله تمّت مكافأته بقطع راتبه منذ عامين او اكثر , لست أدري ان كانت تلك رسائل ذات معنى أم انها ثمن السجن أم عقابا للسجين او دعماً للسجّان , الجميع ممن كانوا معه في تلك القضية الآن هم احرار طلقاء تقلّدوا العديد من المراتب العسكرية فمنهم من اصبح مقدم ومنهم من هو نقيب ومنهم من هو رائد ولكنني اقول للجميع وأؤكد ان رتبته النضالية أصبحت أعلى بكثير من كل تلك الرتب فهو اليوم برتبة أسير أو عميداً للأسرى وهذا شرف له ولاهله ولنا جميعا ..
فقط وقبل الختام اريد ان افيدكم علماً بأنه عرض على اسيرنا ان يتقاضى راتبا من حماس وحكومتها ولكنه رفض وقال لا اريد ان أقبض ثمن سجني خيانة لعهدي ... اتمنى ان تكون رسالتي هذه واضحة المعالم الى من يهمهم الأمر والمتابعين لملف الأسرى , لا نريد سوى الحق ولا نريد سوى اعطاء كل ذي حق حقّه ولا نريد سوى ان يأخذ اسيرنا بعضا من حقوقة السليبة فلسطينيّا فقط ....
الكاتب عطية ابوسعده / ابوحمدي