رسالة إلى الرئيس

بقلم: هاني المصري

"لقد أصبح جليًّا لنا ولعدد كبير من المراقبين أنّك ومعك القيادة الفلسطينية تواجهان خطر الوقوع في فخٍ يصعبُ الخروج منه، ويتوجب التصرف بسرعة لاتقاء هذا الوضع المستحيل. نطالبك بالمبادرة وبسرعة بدل انتظار اللحظة الحتميّة التي سيتم فيها تقديم مشروع لك يتناقض تمامًا مع الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ويُقدَّم للعالم على أنه مشروع أميركي محايد، بينما هو وبدون أدنى شك قد تمّ التوصل إليه بالتشاور مع الحكومة الإسرائيلية. في هذه الحالة لن يكون أمامك خيار سوى رفض هذا المشروع؛ مما يتيح للولايات المتحدة وإسرائيل مرة أخرى الادّعاء بأنك والشعب الفلسطيني عقبة في طريق السلام. وبدلًا من الانتظار، إننا ندعوك إلى المبادرة وبشكل وقائي، وقبل إعلان وزير الخارجية جون كيري مشروع الإطار الأميركي، إلى الإعلان عن بيان مبادئ واضح يلتزم بمعادلة سلام قائمة على حقوق وحاجات الشعب الفلسطيني المعترف بها دوليًا".

هذه فقرة من رسالة وجهها للرئيس مجموعة من الأكاديميين والمهنيين الفلسطينيين والعرب المعروفين بالتزامهم القوي ومنذ أمد طويل بالقضية الفلسطينية.

وجاء في الرسالة: "إن الأسس التي تقوم عليها المحادثات الحالية، مثل كل المفاوضات السابقة، تستبعد وتتجاهل الحق الفلسطيني الأساسي في تقرير المصير، والانسحاب الإسرائيلي لحدود ما قبل 1967 بدون تغيير أو تعديل، وإزالة كل المستعمرات الإسرائيلية والمستوطنين المستعمرين من الضفة الغربية والقدس، والاعتراف بالسيادة الفلسطينية على كامل القدس الشرقية، وحق السيطرة والسيادة الفلسطينية على الحدود، والأجواء، والمياه والمصادر الطبيعية الأخرى، وحرية الدخول في تحالفات وعقد اتفاقيات مع دول أخرى، علمًا بأن هذه الأسس تمثل أبسط سمات السيادة. فما يتم نقاشه على طاولة المفاوضات ليس دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، حتى في ما تبقى من فلسطين التاريخية من أجزاء مقطعة الأوصال يجري تفاوض شكلي على مستقبلها. على العكس من ذلك، ما يتم البحث فيه هو هيكل لكيان زائف يتعارض كليًا حتى مع أبسط حقوق وحاجات الأقلية من الشعب الفلسطيني التي تقطن الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967".

وأضافت: "هذه المفاوضات تتجاهل كليًا استعادة حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات والمنافي خارج فلسطين التاريخية، والذين يشكلون ما يقارب نصف المجتمع الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة إلى وطنهم. كما تتجاهل هذه المفاوضات حقوق فلسطينيي 1948 في المساواة واستعادة الحقوق والملكيات التي تم سلبها منهم على إثر نكبة 1948. على العكس، فمطلب إسرائيل الجديد المتمثل بالاعتراف بها كـ "دولة يهودية" يهدد في حال قبول السلطة الفلسطينية به بإلغاء كل هذه الحقوق، وبالتالي تثبيت هذا الإنكار في القانون الدولي. إن مثل هذا الاعتراف يعني في حده الأدنى التخلي عن فلسطينيي 1948 وجعلهم فريسة سهلة لسياسات التمييز والتطهير العرقي المستمر منذ النكبة. إن استثناء فلسطينيي 1948 والشتات يعني أن إطار المفاوضات يستثني الغالبية من الشعب الفلسطيني".

كما أكدت الرسالة على "أن الشعب الفلسطيني وحده وفي كافة أماكن تواجده صاحب الحق الوحيد لقبول أو رفض أي مشروع اتفاق نهائي، وأي مشروع من هذا النوع يجب أن يقدم للنظر والتداول أمام مجلس وطني فلسطيني يتم اختيار أعضائه من قبل كل الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة عادلة وعلنية، وأن يتمكن هذا المجلس من عقد اجتماعاته بحرية وبعيدًا عن التأثيرات الأجنبية والتدخلات الإسرائيلية". وأضافت: "إن للشعب الفلسطيني مجموعة من الحقوق الأساسية الوطنية الجماعية والفردية، أهمها وأبرزها على الإطلاق حق العودة المنصوص عليه والمعترف به في الشرعية الدولية، وهذه الحقوق ليست ولا يمكن أن تكون موضوع مفاوضات ولا يمكن المساومة عليها أو تعريضها للخطر تحت أي ظرف من الظروف".

وخلصت الرسالة إلى أن "الوقت قد حان لإعلان القطع النهائي، مرة وإلى الأبد، مع نهج (مفاوضات بلا نهاية) التي تم التأسيس لها في أوسلو، ولم تفعل شيئًا سوى أنها وفرت لإسرائيل الوقت والفرصة لضم واستيطان أراضٍ أكثر، وفرض المزيد من القيود على جميع نواحي حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال".

وأضافت الرسالة: "آن الأوان للبدء بحوار وطني جديد بين الفلسطينيين حول مستقبل وأهداف النضال الفلسطيني، والطرق المثلى لضمان تحقيق الحقوق الفلسطينية الأساسية، بما فيها حقوق من يعيشون تحت الاحتلال، ومن يعيشون كسكان درجة ثانية في إسرائيل، وحقوق المشردين في الشتات الممنوعين بالقوة من العودة إلى ديارهم. نحن على قناعة أنك ستحصل على دعم الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني فيما لو قررت أن تأخذ على عاتقك تسهيل حوار وطني جديد يسعى للوصول إلى هذه الأهداف".

واختتم الموقعون على الرسالة رسالتهم بالقول "نعلن أننا لسنا بوارد الاستسلام، ونعلن رفضنا لأي محاولة من قبل أي كان للاستسلام باسمنا. ندعوك بصفتك رئيس منظمة التحرير الفلسطينية العمل وبدون تأخير على انعقاد مجلس وطني فلسطيني، بعد أن يتم إعادة تشكيله ديمقراطيًّا، يعهد إليه الإشراف على صياغة مسار جديد لسلام عادل ودائم يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. نؤكد لك أنه لو اخترت هذا المسار الجديد فإنك ستحظى ليس فقط بدعم الشعب الفلسطيني، بل وأيضًا غالبية شعوب العالم الذين ساندوا بحزم وصمود ولعقود طويلة نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه".

إن هذه الرسالة صوت يعبر عن الاتجاه العام الفلسطيني والعربي، ويعطيها المصداقية والقوة أن مسيرة اتفاق أوسلو والمفاوضات الثنائية برعاية أميركية بدون مرجعية ملزمة، تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية؛ لم تؤد سوى إلى تعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان وتقطيع الأوصال، وإلى جدار الضم والتوسع العنصري، وتهميش القضية ونزعها عن عمقها العربي، وإلى الانقسام المدمر، وإلى حالة من التيه الفلسطيني جرّاء غياب المشروع الوطني الواحد وبرنامج القواسم المشتركة والمؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة.

إن مدخل المسار الجديد هو الشروع في الحوار الوطني الشامل الذي دعت إليه الرسالة، والذي يجب أن يشارك فيه ليس ممثلو الفصائل فقط، وإنما ممثلو التجمعات الفلسطينية المختلفة، على أن يتم منح حصة مناسبة للشباب والمرأة والشتات.

وحتي تكون البداية قوية، يمكن أن يتزامن بدء الحوار الوطني مع تحويل لجنة تفعيل وتطوير المنظمة إلى الإطار القيادي المؤقت وفق ما منصوص عليه في اتفاق القاهرة، مع رفدها بعدد من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالانتماء الوطني والقدرة على العطاء، حتى تكون ممثلة فعلًا للفلسطينيين أينما كانوا، وبحيث تكون قراراته غير قابلة للتعطيل، وبما لا يمس صلاحيات اللجنة التنفيذية، حتى لا تمس شرعية ووحدانية المنظمة بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتمثل الإنجاز التاريخي الدي دفع الشعب الفلسطيني من أجله تضحيات غالية.