مع كثرة الانتقادات والفشل في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، سواء كان في الملف السوري، أو الأوكراني، والشكوك في الاتفاق مع إيران، وأخيرًا الموضوع الفلسطيني-الإسرائيلي، تجند وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" أمام لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي للدفاع عن المواقف الأميركية، شارحاً أن الظروف الدولية، وعدم رغبة أكثر من 70% من الأميركيين الدخول في مواجهات عسكرية، كان من أهم أسباب التراجع والارتباك الأميركي، أما في الموضوع الفلسطيني، فإنه ولأول مرة حمّل كيري إسرائيل المسؤولية الكاملة أمام لجنة الخارجية لرفضها إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين حسب ما اتفق عليه، واتهمها بتفجير المفاوضات بإعلانها عن بناء مئات المساكن الجديدة في القدس وفي الأراضي الفلسطينية، فقد أصيبت الحكومة الإسرائيلية بالذهول من اتهامها بالمسؤولية عن افشال المفاوضات، وأصابت "نتنياهو" بخيبة أمل كبيرة حسب تصريحاته، ومع محاولة الناطقة بلسان الخارجية الأميركية تلطيف تصريحات "كيري" بالقول أن الجانبين اتخذا قرارات غير مجدية، إلا أنها لم تنف أن عدم إطلاق سراح الأسرى واستمرار البناء شكلا انهياراً للمفاوضات، مما دفع الفلسطينيين لتقديم طلبات انضمام إلى (15) اتفاقية وهيئة أممية، مما سبب هزة قوية في الحلبة السياسية الإسرائيلية.
في إسرائيل يفهمون أن التخفيف من قبل الناطقة بلسان الخارجية الأميركية، هو لاعتبارات دبلوماسية، وأن الجميع يعرفون الحقيقة، بأن إسرائيل تتحمل مسؤولية ليس فقط عن توقف المفاوضات، بل أن هذه المفاوضات التي تقترب من الوصول إلى المدة التي حُددت لها، تراوح مكانها ودون أي تقدم، لإتباع إسرائيل سياسة ممنهجة من المراوغة والمماطلة والتسويف، مع استمرارها بكثافة في عمليات البناء، إذ أصبح عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية يقترب من (700) ألف مستوطن، فاتهام "كيري" والإدارة الأميركية -من قبل مجلس الشيوخ- بالفشل شكل حافزاً أمام هذه الإدارة، للضغط على إسرائيل لإطلاق سراح الأسرى، واستئناف المفاوضات، بعد أن تآكل الاشتراط الإسرائيلي بأن يسحب الفلسطينيون طلباتهم إلى الأمم المتحدة، بالانضمام إلى (15) اتفاقية، لكن هذا لا يكفي، فإن على الفلسطينيين عدم تكرار أخطائهم بالتفاوض دون مرجعية، ودون وقف الاستيطان، فقد كان عليهم الانضمام إلى جميع مؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة "اتفاق روما"، فور اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب، وأن أهم ما أسفر عنه القرار الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة، كان تخلصهم من عقدة الخوف، وخروجهم بشكل محسوب، من العباءتين الأميركية والإسرائيلية، ومن عقدة الاستجداء، وأن لا تبرم صفقة يجري الحديث حولها لاستئناف المفاوضات، لا يقبل بها الفلسطينيون.
لقد فتح الإعلام الإسرائيلي معركة تهدف إلى تبرير مواقف حكومتهم، وتضليل الرأي العام الإسرائيلي عبر اتهاممهم الفلسطينيين بالابتزاز، وأنهم يريدون أن يأخذوا دون أن يعطوا، دون دفع مقابل، وأنهم غير معنيين بالتوصل إلى اتفاق، وهم يتحملون مسؤولية تخريب المفاوضات، باتخاذهم قرارات أحادية الجانب كما يتهمون الفلسطينيين بطرح مطالب ومطالب جديدة، وأن "أبو مازن" حرق جميع الأوراق، وينادي الإعلام بعدم الإفراج عن القتلة، "بل يجب أن نضعهم أمام فوهات البنادق فور إلقاء القبض عليهم مثلما فعل الأميركيون مع "بن لادن"، دون أن نأخذهم أسرى، والفلسطينيون بارعون بالابتزاز، يتهربون من اتخاذ القرار، ومن المشكوك فيه إذا كانوا معنيين بالتوصل إلى اتفاق"، ... فجميع هذه الأقوال مردودة عليهم، فهم محتلون للأراضي الفلسطينية، وكل ما قاموا ويقومون به أحادي الجانب، يفرضونه بالقوة العسكرية، ويتعارض مع قرارات الشرعية والقانون الدولي، وأن المجتمع الدولي يعرف هذه الحقيقة.
"نتنياهو" يعيش حالة من الارتباك، وحكومته على وشك الانهيار، أو إعادة تشكيلها من جديد، وسط تهديد حزب البيت اليهودي بالانسحاب منها، إذا أُطلق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، أما إذا تعطلت العملية السياسية مع الفلسطينيين، فإن حزب "تسيفي لفني" الحركة قد ينسحب من الائتلاف الوزاري، ويدور حراك أيضاً داخل حزب "يوجد مستقبل"، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يرفض استئناف المفاوضات وفقاً للشروط الفلسطينية، ويفضل انتخابات جديدة، على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ويهدد بالانسحاب من الحكومة ، حتى أنه في خطابه أمام مجموعة من اليهود الروس، لم يستبعد أن يكون رئيس الحكومة القادم من الضالعين باللغة الروسية، وهذا تلويح برغبته الدخول في منافسة مع "نتنياهو" على رئاسة الهرم، فهو من أصل روسي، كما أن وزير الجيش، "موشيه يعالون"، الذي يزايد على "نتنياهو" في التطرف، يهيئ نفسه أيضاً لمنصب رئيس الحكومة، ولكي نضع القارئ في صورة التركيبة والخارطة الحزبية السياسية الإسرائيلية فهي كما يلي: كما هو معروف فإن عدد نواب الكنيست (120) نائباً، يشارك في الائتلاف الوزاري الأحزاب التالية: الليكود-بيتنا ولها (31) نائباً، يوجد مستقبل وله (19) نائباً، البيت اليهودي وله (12) نائباً، وحزب الحركة وله (6) نواب، أي المجموع (68) نائباً، فإذا انسحب البيت اليهودي تسقط الحكومة برلمانياً لفقدانها الأغلبية، وبما أن معظم الأحزاب غير راغبة بإجراء انتخابات جديدة في الوقت الحاضر، فإن الاحتمالات بضم حزب العمل للائتلاف الوزاري وله (15) نائباً، ولكن بشروط وبرنامج جديد، أو بضم حزب"شاس" الذي له (11نائبا)، لكن دخول شاس يتعارض مع برنامج حزب "يوجد مستقبل"، أما ما ينقذ حكومة "نتنياهو" فهو تعطيل الصفقة المتوقعة مع الفلسطينيين.
إسرائيل لا تحترم الاتفاقات، ولا قرارات الشرعية الدولية، فلم تحترم اتفاق أوسلو، أو خارطة الطريق، أو اتفاق أنابوليس، وحتى اتفاق الأسرى، ولجأت إلى كل ما يتعارض مع القانون الدولي، ليأتي "نتنياهو" وبوقاحته المعهودة، ليعلن في اجتماع مجلس الوزراء، أن إسرائيل ستنتهج التبادلية في إجراءاتها مع الفلسطينيين، طالما اختار الفلسطينيون إجراءات أحادية الجانب، بتوجههم للأمم المتحدة، بينما يتجاهل "نتنياهو"الإجراءات أحادية الجانب الإسرائيلية والتي أهمها: الاستيطان، تهويد القدس، مصادرة الأراضي، هدم المنازل الفلسطينية، طرد المواطنين من قراهم، الممارسات اليومية من قتل واعتقالات وتجاوزات، و"نتنياهو" الذي يبحث في معاقبة الفلسطينيين لتوجههم للأمم المتحدة، ويدعي كذباً وبهتاناً أن إسرائيل أثبتت خلال فترة المفاوضات استعدادها للمضي قدماً، والقيام بخطوات صعبة من جانبها، أحد لم يسمع عن هذه الخطوات، وماذا يعني السلام الحقيقي الذي يطالب "نتنياهو" به، ففي تقرير للجيش والشاباك الإسرائيليين، نشرته جريدة "إسرائيل اليوم 3-4-2014" حذر بأن الآثار المترتبة والمحتملة من انهيار المفاوضات على المصالح الأمنية الإسرائيلية، أكبر بكثير من الثمن الذي يتطلب من إسرائيل دفعة مقابل تمديد المفاوضات، مثل زيادة مقدار العنف في الضفة الغربية، وفي دوائر أوسع، المس بشرعية إسرائيل، والحد من قدرتها على العمل، وسينتهي بانتفاضة فلسطينية، فإسرائيل تحتل شعباً آخر، وعلى الفلسطينيين التهديد بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، مقابل التهديد الإسرائيلي بفرض عقوبات على الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين التوجه للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والانضمام إلى جميع المؤسسات الأممية.
إن المطلوب تصحيح المسار التفاوضي الفلسطيني، وفقاً للمرجعيات ووقفاً للاستيطان، ومع الحاجة إلى الوسيط الأميركي-الذي أخذت إسرائيل تشن حرباً شعواء عليه- لا نعتمد عليه بالكامل، لعدم قدرته على الالتزام بتعهداته، خاصة موضوع الحدود، والقدس، والإجراءات الإسرائيلية من جانب واحد، فالوضع الفلسطيني يتمتع بقوة المجتمع الدولي، وعدم العودة للتفاوض على كل ما يتفق عليه عدت مرات، والمطلوب تلقين رئيس حزب البيت اليهودي "نفتالي بينت" درساً، فقد وجه إهانة للرئيس الفلسطيني خلال مقابلة إذاعية، بأنه سيضم الرئيس "أبو مازن" إلى حزبه، ويعهد إليه مهمة إعداد القهوة في مكتبه، هذه الأقوال أثارت إعجاب آلاف الإسرائيليين الذين تداولوا المقطع الصوتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهل يمكن صنع السلام مع هؤلاء الأوباش؟